موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

على بركة الله

يدخل سعيد البنهاوي مدرس اللغة العربية من باب المدرسة، وعينيه تدور في كل ما حوله، وينظر له الأستاذ قناوي، مدرس اللغة العربية، نظرة غاضبة، ويذهب اليه سعيد البنهاوى، ويقول له: لسه زعلان يا قناوى يا خويا.

يقاطعه قناوي: متجولش أخوك... حد الله بينى وبينك، أنت من طريق، وأنا من طريق، أنا عمري ما انصر الظلم، ولا الحس أيدين ظالم.. اخص على الرجالة لمَ  تطاطى.

ويحاول سعيد البنهاوي أن يغير وجهة نظره، ولكن قناوي يتركه ويرحل، فيقول سعيد: بكره تعرف الحقيقة.

يذهب سعيد البنهاوى الى مكتب مدير المدرسة الأستاذ عبد القوى صابر، ويحيه قائلاً: صباح الخير يا أستاذ عبد القوى.

 يرد عليه بتجهم: صباح الخير يا أستاذ.

يقترب من مكتبه، ويقول: النهارده آخر يوم أقدر احضر فيه، وبكره لن استطيع الحضور. وكنت....

يقاطعه عبد القوى قائلاً: مش وقته الطابور دلوقتى يا أستاذ سعيد، بعدين.. بعدين، ويتحرك المدير ويترك المكتب ويذهب إلى فناء المدرسة.

وبعد الطابور، تبدأ الحصة الأولى، وينهى الأستاذ سعيد الحصة في فصل أولى / أول، وينزل إلى حجرة المدرسين.

قناوى ينظر ناحيته، ثم ينظر في دفتر تحضيره، وهو ينفخ دخان سيجارته، يقترب سعيد البنهاوى منه، ويقول: بكره حتعرف إننى أنا صح، وأنت ظالمنى، يترك قناوى القلم من يده ويقول: وحياة أبوك يا شيخ تسيبنى فى حالى، لحسن أنا مش ناقص.

سعيد: أنا حخلصك من كل الظلم.

يتنهد قناوى، ويقول: الكلام لا له أول ولا آخر.

سعيد: بكره الأيام تثبت لك انى صادق فى كلامى.

قناوى: عجايب لو انت دلوقتى صادق، وأيام ما كنت بتقول الحق، وفى وش المدير الظالم بتاعنا كنت صادق أم لا.

سعيد: المدير بتاعنا راجل طيب وزى الفل.

ينفخ قناوى دخان سيجارته، ويقول: اتفضل من قدامى دلوقتى، الله يسهلك، و يسهل للمدير بتاعك،  وحسبي الله ونعم الوكيل.

يقاطعه سعيد: ما زلت أكرر بكره تعرف الحقيقة.

قناوى: بكره بكره... عندما يأتى بكره نبقى نشوف.

 ابتسم سعيد، وقال: النهارده بإذن الله.

خرج سعيد، واتجه إلى حجرة المدير، وما زال وجه المدير متجهماً صباح الخير، يا أستاذ عبد القوى.

رد عليه: انا مش فاضى دلوقتى.

- لكن انا محتاج اليك علشان نتفق.

 رد عبد القوى: بعدين... بعدين.

-  طيب أول الحصة الرابعة.

دق جرس بداية الحصة الرابعة، وهنا دخل سعيد البنهاوى على المدير، وقال: يا أستاذ عبد القوى تسمح بكلمة.

رد عليه عبد القوى: بعدين.... بعدين.

قال سعيد: الآن أنا عاوزك في موضوع، لا يحتمل أكثر من كده، لو سمحت كلمتين على انفراد.

خرج عبد القوى من مكتبه، وهو معلن تضايقه، وقال: أتفضل يا سيدي، أنا مش عارف اعمل لكم ايه، اتفضل.

وخرج من ورائه سعيد، واقتربا من باب المدرسة، وكأنه يوجهه إلى حيث الباب، وهنا ابتسم عبد القوى قائلاً: خير يا سيدى.

رد عليه سعيد، وهو حزين: فيها أيه يعنى لو كلمتنى من الصبح، وبعدين دلوقتى أنت ابتسمت.

رد عبد القوى: طبعاً لازم أعمل كده علشان محدش ياخذ باله من اللي سيحدث بيننا.

سعيد: طبعاً حضرتك عارف ان فرح ابن عمى الأسبوع القادم، وأنا سوف اذهب الى البلد من بكره الجمعة، واقضى الأسبوع كله معاه علشان أساعده، مش زى ما قلتلك قبل كده عاوزك تمضى لى الاسبوع، ولا يعتبر أجازة علشان رصيدي من الأجازات خلص، وبعد كده سيكون بالخصم، ويقل التقدير، ولا أحصل علي الترقية.

 قاطعة عبد القوى: طبعاً يا سعيد يا ابنى، الموضوع صعب، ازاى حعطيك أسبوع بحاله.

قال سعيد: البركة فيك، وأنا عنيه ليك، وقولت لك إننى أقدر أدفع خمسين جنيه، لكنك رفضت، وأنا حاولت، ومن هنا وهنا، وقدرت أجمع مائة جنيه، ويعلم ربنا أنا جبتهم ازاى.

قال عبد القوى: مائة جنيه برضه قليلة علشان أعطيك أجازة، وخاصة إنك خلصت الأجازات العارضة والاعتيادي، وأي غياب سيكون بالخصم، وتأخير الترقية، ويمكن النقل كمان، يعنى مائة جنيه مش كثير على الترقية التى تنتظرها، وكمان أسبوع بحاله تقف جنب ابن عمك فى الفرح، اعتبرها نقطة، ودنا كمان عاوزك، وأنت راجع من بلدكم، تجيب لي صفيحة ملوحة مبرشمة حلاوة العريس.

قال سعيد: وكمان ملوحة فوق 100 جنيه، دانت راجل طيب.

قال عبد القوى: طبعاً.. طيب، مفيش حد غيرى قلبه كبير، لو عاوز تجيب حاجة تانى مع الملوحة، مفيش مانع عندى، أبقي جهز زيارة تمام كده، وأنت عارف عنوان البيت، لم تيجى بالسلامة، أحضر معاك الزيارة، وتعال اباركلك في بيتنا.

قال سعيد: أجى عندك البيت، وأقولك مبروك، و تقبل منى الزيارة، طب حتأخذ الـ 100 جنيه دلوقتى علشان تمضي لى، ولا لما أجيلك البيت بعد الفرح.

ضحك عبد القوى: لا ياحبيبى هوه بعد الفرح ينفتل كعك.. هات الفلوس دلوقتى.

 ابتسم سعيد: خد يا سيدي الـ 100 جنيه علشان تمضى لى فى الدفتر الأسبوع كله.

عبد القوى: يوه.. كل شويه تقول لي تمضى لي في الدفتر، ما خلاص يا سيدى، هوه أنا مش حمضى لك، طالما حتدفع الفلوس حسيب امام اسمك فاضى لغاية يوم الخميس، وأقوم ماضي الأسبوع كله مرة واحدة، ومحدش بيدور في الأسبوع اللي يفوت، مفيش حد يقدر يقلب الصفحة في الدفتر، ويسأل مين راح، ومين جه أنت ناسي اننى معلمهم الأدب...

سعيد: روح يا شيخ، الله يبارك لك، وكل طلباتك أوامر، خذ هذه ورقة صحيحة بمائة جنيه مبسوط، على بركة الله.

عبد القوى (وهو يضع الفلوس فى جيبه) قائلاً: على بركة الله يا سعيد يا بني.

وفجأة باب المدرسة عليه خبط قوى، ويذهب سعيد ليفتح الباب بسرعة، ليدخل رجال مباحث الأموال العامة، ويحيطون بسرعة بعبد القوى صابر، ومنعوه من التحرك.

- هات اللي في جيبك يا مرتشى، هكذا تحدث الضابط موجهاً كلامه الى عبد القوى صابر.

ويصرخ عبد القوى صابر: انتم مين، وفيه إيه؟

ويخرج المخبر من جيبه الورقة بمائة جنيه، ويسلمها للضابط الذي يتناولها، وينظر إلى عبد القوى صابر.

الضابط: هذه الفلوسي  تخصك يا استاذ عبد القوى

رد بسرعة: طبعاً تخصنى دى فلوسى.

الظابط: يعنى أنت معترف أنها تخصك.

عبد القوى: طبعاً تخصنى... فلوسى.

الضابط: الحمد لله انك معترف انها تخصك، وفرت علينا مجهود كبير.

وفى هذه الاثناء أسرع سعيد إلى غرفة المدير، ليضغط على جرس المدرسة، لتخرج فصول المدرسة كلها فى الفسحة التى قبل ميعادها بعشر دقائق.

فخرج المدرسين والتلاميذ لترى المدرسة كلها مديرها الاستاذ عبد القوى صابر، ورجال المباحث يحيطون به، ويأخذونه ليخرجوا به من بابا المدرسة، وبعض المدرسين يحاولون معرفة ما حدث، ويقولون للمدير الذي يصعد عربه الشرطة.

- فيه أيه يا أستاذ عبد القوى فيه أيه.

- وهو لا يرد.

وهنا يذهب قناوي تجاه سعيد البنهاوي، ويقول له: في ايه يا استاذ سعيد، صاحبك وحبيبك الظالم رايح فين.

يرد عليه سعيد مبتسماً: مش قلت لك يا قناوى يا خوايا كلها بكره، وتعرف الحقيقة. الظالم كان لازم اعمل صاحبه وحبيبه علشان يأمن جانبى، طبعاً أنت طول المدة دى بتحاول تعرف أنا ليه أتغيرت، وبدلاً من شتم المدير، ومهاجمته ازاى بقيت أدافع عنه، وأبرر تصرفاته كل ده علشان أكسب ثقته، ويأمن جانبي، والنهارده كان يوم دفع الحساب لكي يخلع القناع الذى كان يريد أن يرتديه، قناع الشرف والأمانة وأنه راجل بتاع ربنا، النهارده هو رايح للمباحث فى قضية رشوة، عرفت دلوقتى أنك ظالمنى يا قناوى، عرفت أنك غلطان فى حقى.

قناوى: يعنى أنت كنت بتدبر لابن الكلب ده خيه، ولبسته قضية رشوة.

سعيد: طبعاً أنا مليش ذنب، هو اللي لبس نفسه رشوة المائة جنيه، المباحث هي التي أعطتها لي علشان البيه يستلمها، وعربية التسجيلات بعد اذن النيابة مسجلة كل كلمة قالها علشان يكون عبره لامثاله، من أول يوم، وهوه طايح فى الناس كلها، صغير وكبير وعامل «عفيف» يشوف أخرته أيه.

هنا اخذ قناوي يحضن سعيد البنهاوى، ويقول: كنت فأكرك عريت الفلاحين، لاجيتك مخك اجدع من الصعايدة، شرفتنا يا ولد عفارم عليك، يسلم مخك يا سعيد.

علي فكرة يا ولد حتسافر لفرح أبن عمك في البلد.

ضحك سعيد: حتي أنت صدقت أن فيه فرح، عقبال فرحك ياقناوي.

تمت                  

            

 

 

المصدر: مجموعة قصصية " إيمان " تأليف دكتور " ناصر علي " الناشر مكتبة الآداب ، القاهرة ، 2009م
barki

مع خالص الود دكتور " ناصر علي محمد أحمد برقي "

  • Currently 105/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 564 مشاهدة
نشرت فى 20 مايو 2010 بواسطة barki

ابحث

تسجيل الدخول

الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

barki
هذا الموقع ... موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي »

عدد زيارات الموقع

85,934