ليلة سوداء
يصعد (عبد الرحمن) مسرعاً، وترتفع صوت أنفاسه من سرعة الجرى، ويفتح باب شقة (جده عبده)، ويدخل مسرعاً، وخلفه أخيه (محمد).
ويقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ويرد عليه (جده): وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بتجرى ليه يا بني.....
عبد الرحمن: أصل.... أصل.... بابا اتصل، وقال أنه هيظهر في التليفزيون دلوقتى، وإحنا جينا جرى علشان نشوفه على الدش.
جده عبده: هاها.... أبوك هيطلع في الدش.
وتدخل (جدة عبد الرحمن) علي صوتهم وتقول: بتقول أيه يا واد يا عبد الرحمن.
ينظر إليها (عبد الرحمن) ويقول:- ايوة يا جدتى.... بابا هيطلع في التليفزيون على قناة المحور الساعة 9.30 تقريباً، تقدري تقولي كده يا عنى عامل حوار جامد قوى. هيه ماما فين؟
تخرج (أم عبد الرحمن) وهى تحمل ابنتها الصغيرة آخر العنقود اللي شكله كده مالوش آخر.
وتسأل (عبد الرحمن): عامل قلق ليه يا عبد الرحمن، وإيه اللي جابك أنت وأخوك محمد، وبتزعق ليه ده أخوك أحمد نائم جوه مش عايزاه يصحى.
عبد الرحمن: لا صحية بابا جاى علشان يشوف نفسه في الدش يا ماما صوروا معاه حلقة كاملة ساعة ونصف سجلها في برنامج اسمه (90 دقيقة).
أم عبد الرحمن: طب هوه فين أبوك.
عبد الرحمن: اتصل وهو جاى وراياً، وقال لي اسبقه علشان اضبط قناة المحور.
جدة (عبد الرحمن): أمتى بقى تشتروا دش بدل البهدلة دى.
(دق جرس الباب)
ثم يدخل أبو (عبد الرحمن) مسرعاً دكتور (أبو المكارم الصعيدي)، قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أزيكم عاملين أيه.
أم عبد الرحمن: خير يا أبو المكارم فيه أيه؟
أبو المكارم: مفيش حاجة، كنت الصبح في مؤتمر عن التعليم، ودور الجامعة، وصورت في حلقة برنامج اسمه (90 دقيقة) على قناة المحور، وقالوا لي أنه سيعرض الساعة 9.30 مساءاً، قلت اتصل بيكم علشان تشوفوا أنا عملت أيه دنا قولت كلام زى الفل، وقلت الأولاد يشوفوا أبوهم في الدش، يعنى بقى مشهور.
أم عبد الرحمن: خدت فلوس منهم؟.
أبو المكارم: فلوس أيه دا لو طلبوا هم فلوس كنت أعطيتهم.
جدة (عبد الرحمن): طبعا ما أنت فلوسك كتير..... يا حسرة.
أبو المكارم: لسانك يا حماتي بينقط عسل، وسكر، على فكرة يا أم عبد الرحمن يا حبيبتي.......
(تقاطعه) أم عبد الرحمن: حلوة حبيبتي دى طالعة من بقك زى العسل الـ...
(يستطرد قائلاً): شوفي يا أم عبد الرحمن هوه انتم عندكم هنا فيديو علشان نسجل البرنامج، وانسخه بعد كده على سى دى، وأوظفه في الأنشطة علشان الترقية إلى أستاذ مساعد إن شاء الله.
أم (عبد الرحمن): يارب..... ينفخ في صورتك.
ينظر إليها، ويقول: آه على فكرة كنت عاوز اتصل بزميلتي دكتورة حنان عبد السلام، وزميلي سليم سالم علشان يشوفوني على المحور.
أم (عبد الرحمن): ليه همه لازم يشفوك؟
أبو المكارم: نعم بالذات دكتورة حنان عبد السلام، أصلها طلعت في برنامج «على الشارع»، واتكلمت، واتصلت بى، وقالت لي أسمعها فى الراديو. أنا النهارده على الدش، مش فى الراديو، شوفي مين يبقى أحسن.
يقوم أبو المكارم ليتصل بزميلته وزميله، ثم يعود، ينظر إلى زوجته فرحاً قلت لهم، وخليتهم يتصلوا بكل دفعتنا علشان يعرفوا إن أنا بقيت مهم، وباطلع في الدش.
أم (عبد الرحمن): ولا الفلوس اللي أخذتها، ونزلت عليك حدف، ولسه فاضل وقت كبير باقي ساعة بحالها.
عبد الرحمن: بابا ممكن نتفرج على قناة أخرى لغاية لما يجى وقت عرض البرنامج الساعة 9.30.
يصرخ الأب قائلاً: أوعى تقرب من القناة لحسن تضيع.
عبد الرحمن: طب لسه بدري، ومتخفش نجيبها تانى، الحكاية سهلة.
محمد: أيوة يا بابا (بودي) بيعرف يضبط الدش كويس.
أبو المكارم: بس يا حج محمد، أنا مش ناقص، حرقت دمي مش هنغير القناة.
عبد الرحمن: يا بابا لسه في حلقة تمثيلية بتاعت حفيدة الباشا.
أبو المكارم: بلا بنت الباشا، بلا بنت البيه، مش هنغير القناة.
أم عبد الرحمن: طب ما أنت ماسك في أيدك أوراق، وعمال تشتغل فيها، سيبهم يتفرجوا على حاجة ثانية بدل المسلسل ده.
أبو المكارم: مفيش غير القناة دى.
أم عبد الرحمن: أصل أنت مش عارف المسلسل ده بتاع مين.
أبو المكارم: مش مهم، مش هنغير القناة.
أم عبد الرحمن: بتاع الهام شاهين، واللبس بتاعها يعنى مش كثير. عايشه كده في دور الحر.
(يحمر وجه أبو المكارم) ويقول: هيه الحكاية كده، قوم أنت يا عبد الرحمن وأخوك محمد، وادخلوا جوه لحد ما يبدأ البرنامج اللي مش عايز يجى فى ليلته.
عبد الرحمن: طب ما نشوف المسلسل بتاع الهام شاهين.
أبو المكارم: شوف أنا لو مش في البرنامج ده، مكنتش جيت هنا، وعاوز اعرف شكلي أيه في التليفزيون، وهسجل الحوار اللي معايا علشان المشاركة في المؤتمرات، وأخذ بيها درجة أستاذ مساعد، غير كده لو حصل أيه مكنتش جيت، وضبطت الفيديو علشان أسجل، ادخل مع أخوك محمد، وصحي أخوك أحمد كمان.
أم عبد الرحمن: وشهد صاحية كمان يا خويا.
أبو المكارم: هانت قربنا.. باقي عشر دقائق.. والبرنامج يبدأ ونشوف......
(وفجأة ينقطع التيار)
ويصيح الجميع: هيه.. هيه.
ويقول أبو المكارم: الله.. الله.
وترد زوجته أم عبد الرحمن:مش قولت لك... انك من يومك فقرى، أهو النور قطع اهوه، بقولك يوم أسود وليلة سوده على......
عبد الرحمن: خلاص يا ماما.. بلاش كده..
محمد: شكلنا كده مش هنشوف بابا...... يا حرام.
عبد الرحمن: يا خسارة يا بابا.
أبو المكارم: خلاص يا جدعان...... حظي كده.
أم عبد الرحمن: شوف علشان أنت بتيجى عليا كتير.
(وفجأة يأتي النور)
أبو المكارم: لا باجى ، ولا بروح.. النور جه، وبدأ البرنامج، وانتظر أبو المكارم، وزوجته أم عبد الرحمن، وحماه، وحماته، وأولاده عبد الرحمن، ومحمد، وأحمد، وشهد، والتف الجميع حول التليفزيون في انتظار ظهور أبو المكارم.
ومرت الدقائق، وأخبار، وكلام، وجاء موعد عرض المؤتمر، وكلام، وكلام وفجأة انتهت فقرة المؤتمر، ولم يظهر أبو المكارم، وانتهى البرنامج، ولم يظهر.
وفى هدوء انسحب دكتور أبو المكارم، وخرج، وأغلق الباب بهدوء...... وسط ضحكات زوجته الهستيرية، وضحك أولاده..
سأل محمد (بسذاجة): هوه بابا هيطلع في التليفزيون أمتي.......
تمت