عفوًا.. إنه التأخر العقلي


اتفق العلماء على تعريف " التأخر العقلي" على أنه أداء فكري دون المتوسط بشكل واضح يتزامن معه عيوب في القدرة على التأقلم السلوكي، وتظهر هذه الأعراض في أثناء فترة النمو والتطور، وقد وجد عمومًا أن التأخر العقلي يحدث بنسبة من 2 إلى 3 % على مستوى البشر.

ويمكن تقسيم أنواع هذا الخلل إلى مجموعتين رئيسيتين:

  1. تأخر عقلي شديد: حيث معامل الذكاء IQ أقل من 50، وينتشر بنسبة تتراوح بين 3 إلى 4 حالات في كل 1000 شخص.

  2. تأخر عقلي بسيط: حيث معامل الذكاء بين 50-70، وينتشر بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30 حالة في كل 1000 شخص، وهو بذلك يفوق النوع الأول بنسبة تتراوح بين 7 إلى 10 مرات.

ولقد وصفت الدراسات على مدى تاريخ المرض التأخر العقلي البسيط على أنه يظهر بشكل وراثي، بالمقارنة بالتأخر العقلي الشديد الذي يظهر بشكل فردي، كما وجدت الإحصائيات أن نسبة ظهور التأخر العقلي البسيط تزيد بصورة واضحة بين الطبقات الاجتماعية الفقيرة، أما التأخر العقلي الشديد؛ فليس له علاقة بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي أو بالأعراق أو بالمناطق الجغرافية، كما أثبتت الدراسات الحديثة أنه يمكن الوصول إلى سبب التأخر العقلي الشديد في 60 – 7% من الحالات.

التأخر العقلي الشديد

الأسباب الرئيسية التي تمّ التعرف عليها للتأخر العقلي الشديد تضم ما يأتي:

  1. الخلل الكروموسومي 30%.

  2. تشوهات الجهاز العصبي المركزي.

  3. متلازمات العيوب الخلقية المتعددة المعروفة.

  4. الإصابات، عيوب ناشئة في فترة الحمل، إصابات الولادة.

  1. الخلل الكروموسومي chromosomal abnormalties:

    إن الخلل الكروموسومي مسئول عن نسبة 30% في حالات التأخر العقلي، ومن بين أنواع الخلل الكروموسومي؛ فإن التأخر المنغولي Down Syndrome يعتبر السبب الأوسع انتشارًا؛ حيث يتسبب في 20% من كل حالات التأخر العقلي الشديد، ولقد اكتشفت العلاقة بين التأخر العقلي الشديد وبين الكروموسوم الزائد في التأخر المنغولي Down Syndrome في عام 1959، ومنذ ذلك الحين حدثت تطورات مذهلة في تقنيات علم الوراثة على مستوى الخلية؛ مما أدى إلى اكتشاف العديد من المنظومات التي لها علاقة بوجود خلل كروموسومي، والتي أدت إلى حدوث تأخر عقلي وتطوري.

    لذا فإنه يُنصح بأخذ عينات دم من المرضى المصابين بالتأخر العقلي لدراستها وراثيًّا على مستوى الخلية، فإذا فشلت في إظهار الخلل الكروموسومي، فإنه ينصح بأخذ عينات من أنسجة مختلفة لدى المريض.

    أما متلازمة كروموسوم X الهش Fragile X SyndromeP؛ فإنها تعد من الأسباب الوراثية المنتشرة للتأخر العقلي؛ حيث إنها مسئولة عن 5% من مجمل الحالات، أما أعراض هذه الحالة فهي: التأخر العقلي الوراثي، وزيادة حجم الأعضاء التناسلية، وظهور وجه طويل وفك ضيق، وآذان كبيرة، ووجود مجال حركة واسع لمفاصل الأصابع، ونشاط زائد، وسلوك شبيه بالإعاقة التوحدية، وطالما تم اكتشاف هذه المنظومة في شخص ما؛ فإنه ينصح بتقييم باقي أفراد أسرته.

  2. تشوهات الجهاز العصبي المركزي centeral nervous system malformation: 

    من المنطقي أن يصاحب التأخر العقلي الشديد تشوهات المخ والجهاز العصبي المركزي، ولقد أظهرت دراسات الباثولوجيا العصبية أن المصابين بالتأخر العقلي الشديد يعانون من درجة ما من تشوهات المخ، لذا فإنه ينصح بعمل مسح عصبي neuro imaging للمريض.

    ويعتبر الرنين المغناطيسي MRI الطريقة المثلى لهذا الإجراء؛ حيث تفوق نتائجه نتائج الأشعة المقطعية CT؛ لأنه يعطي صورًا غاية في الدقة لتركيبة التجويف الخلفي للجمجمة ولفروق النضج في المخ، إلا أن الأشعة المقطعية يمكن أن تؤدي الغرض في حالة عدم توافر الرنين المغناطيسي، كذلك فإن الدراسات الخاصة بالمسح الأبيض metabolic imaging مثل الـ PET scanning والـ magnetic spectropscope ستزودنا بمعلومات أكثر عن الخلفية البيولوجية للتأخر العقلي.

    ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن تشخيص تشوهات المخ والجهاز العصبي المركزي لا يعتبر إجابة عن سؤال "ما هو سبب التأخر العقلي؟"؛ إذ إننا نتساءل بعد ذلك: ما هو سبب هذه التشوهات؟ ولكنها في النهاية خطوة على طريق المعرفة، والكثير من الأسر يعتبر هذا التشخيص إجابة شافية؛ إذ إنه استبعد احتمالات أخرى أكثر خطورة.

  3. متلازمة العيوب الخلقية المتعددة Mutli Congenital Anomaly Syndromes:

     أظهرت الدراسات أن التأخر العقلي الذي يصاحبه ثلاثة عيوب خلقية أو أكثر مثل: عيوب نمو الجمجمة كالجمجمة الصغيرة أو الجمجمة الكبيرة، وعيوب شكل الجمجمة.

    وعيوب الجمجمة والوجه يكون فيها عيوب الأداء الوظيفي للمخ ناتجة عن عيوب في تطور نمو المخ، ومع انتشار مفهوم المتلازمات Syndromology أصبح أحد العناصر الهامة في تقييم الطفل الذي يعاني من التأخر العقلي هو تقييم العيوب الخلقية المصاحبة له، ومع زيادة عدد المتلازمات المعروفة لدى الأطباء، فقد زاد اعتمادنا عليها في التشخيص، كما زاد اعتمادنا على الوسائل المبرمجة على الكمبيوتر في التعرف على الأطفال الذين يعانون من هذه المتلازمات المصاحبة للتأخر العقلي.

    ويصح لفت الانتباه إلى أنه بالرغم من أن نسبة الأطفال الذين يعانون من متلازمات جينية مصاحبة للتأخر العقلي قليلة نسبيًّا؛ فإنهم يشكلون مجموعة في غاية الأهمية؛ حيث إن المنظومات ذات الخلل الجيني الواحد لها ميل واضح للظهور في أكثر من شخص في العائلة الواحدة.

التأخر العقلي البسيط

التأخر العقلي غير معروف السبب Idiopathic mental retardation مسئول عن 50% من مجمل الحالات، وعندما يصبح الطبيب غير قادر على التعرف على سبب التأخر العقلي؛ فإنه يواجه العجز المحبط عن الإجابة على العديد من تساؤلات الآباء والأمهات الحساسة، مثل: لماذا حدث ذلك؟ (الأسباب)، وهل سيحدث في أطفال لاحقين؟ (احتمالات التكرار)، وكيف سيكون الوضع بعد مدة طويلة؟ (تطور المرض)، وماذا تستطيع عمله لطفلي؟ (العلاجات).

ولكن لحسن الحظ؛ فإن السنوات الأخيرة قد شهدت تطورات بحثية وتقنية مذهلة ستزيد من قدرة الأطباء على التعرف على أسباب المرض؛ فالتقدم في مجالات الوراثة على مستوى الخلية الوراثة الإكلينيكية والتشوهات الخلقية والمسح العصبي ستقدم لنا العديد من المفاتيح لهذا المجال والأجوبة لهذه التساؤلات.

وأخيرًا، فإنه يجب على الطبيب مناقشة العديد من الجوانب مع أسرة الطفل المصاب بالتأخر العقلي قبل بداية التقييم، مثل التكاليف المادية والجهد النفسي والجسماني اللازم لهذا العمل، كما أن الأسرة يجب أن تكون على علم تام بفرص التعرف على سبب محدد للمرض، وما سيحمله هذا التشخيص من إمكانية أو عدم إمكانية التدخل ونوعية العلاج المتاحة، وفي النهاية بعد تحديد خطة عمل للحالة يجب أن تدرك الأسرة جيدًا أن المتابعة والالتزام بخدمات العلاج المختلفة أمر ضروري للغاية.

ويجب لفت الانتباه إلى أن إعاقة التوحد والشلل الدماغي تعتبر من أكثر الحالات شيوعًا التي يختلط تشخيصها مع تشخيص التأخر العقلي لغير المتخصصين.

إعاقة التوحد Autism

يتم تعريف إعاقة التوحد على أنها منظومة سلوكية يميزها نقص في القدرة على التفاعل الاجتماعي، ونقص في القدرة على الاتصال سواء عن طريق الكلام أو عن غير طريق الكلام، ونقص في النشاطات والاهتمامات، ومعامل ذكاء مرضى الإعاقة التوحدية يختلف بشكل واضح، إلا أن 70% منهم لديهم معامل الذكاء IQ أقل من 70، وبعض الأطفال الذين يعانون من كلٍّ من التأخر العقلي والإعاقة التوحدية لا يتم تشخيصهم كذلك..

لذلك يجب على الطبيب أن:

  1. يسأل بشكل تفصيلي عن المظاهر الخاصة لإعاقة التوحد قبل تشخيصها في المريض.

  2. أن يأخذ في اعتباره احتمالات وجود أسباب أخرى لها تأثيرها الإكلينيكي والوراثي.

الشلل الدماغي Cerebral palsy

الشلل الدماغي هو خلل في التحكم الحركي؛ مما ينتج عنه عيوب في القامة والعضلات وردود الأفعال والتوافق العضلي العصبي.

والشلل الدماغي يحدث غالبًا نتيجة لإصابة أو تشوه خلقي في تكوين المنطقة الحركية في أثناء تطور المخ، وعادة ما يعاني الأطفال أصحاب الشلل المخي من إعاقات أخرى، مثل: إعاقات الرؤية والسمع والتعرف، إلى جانب اضطرابات اللغة والكلام والصرع.

ولقد أظهرت الدراسات أنه بالرغم من التطور الواضح في الرعاية في أثناء الحمل والولادة، فإن نسبة حدوث الشلل المخي لم تتراجع.

المصدر: منقول
  • Currently 253/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
85 تصويتات / 2408 مشاهدة
نشرت فى 12 سبتمبر 2009 بواسطة ashrafhakal

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

3,593,703