(الصداقة محدودة، ومَنْ لم تكن فيه تلك الحدود، فلا تنسبه إلى كمال الصداقة).

أولها أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة.

الصداقة كأي شيء في الحياة، محدودة بسياج فإن خرجت من هذا السياج لم تعد من الصداقة في شيء، ولكي نحصنها ونحفظها لا بد من معرفة حدودها.

والإمام (عليه السلام) قد بين أولها بإزالة الحواجب وعدم إخفاء شيء عنه، فلا خير بذي الوجهين، بل حتى الجسد لا يمنع قلوبهم عن التلاقي فلا ملق بينهم، ولا كذب، ولا نفاق، فما في القلب عندهم هو على اللسان، هو ما في القلب وحينما يرى أحدهما من الآخر زلة، يوضحها له بأدب ويتقبلها صاحبها بأدب كذلك.

ومن هنا فأنا نلاحظ أن الأصدقاء الذين وصلوا إلى درجة متقدمة من المكاشفة والمصارحة، فإن كل واحد منهم يعرف الآخر عندما يتغير أو يصيبه سوء، يعرفه من قسمات وجهه وخلجات قلبه، فيبادره بالسؤال عن حاله، فيصارحه الآخر عما لازمه من أرق أو نصب.

والثانية: أن يرى زينك زينه، وشينك شينه، والثالثة: أن لا يغيّره عليك مال ولا ولاية، والرابعة: أن لا يمنعك شيئاً مما تصل إليه مقدرته، والخامسة: أن لا يسلمك عند النكبات.

والقاعدة الذهبية في فن التحدث مع الناس تقول: مع أي إنسان تتكلم فيما يتصل باهتماماته، فسوف تجده ينساق معك ويرتاح إليك.

وفي الحقيقة فإن من السهل على أي إنسان أن يتحدث فيما يتصل باهتماماته، ولكن من الصعب عليه أن يحسن التحدث باهتمامات الآخرين، والفرد الناجح، هو من يجيد التحدث عن اهتمامات الناس وليس عن اهتماماته الشخصية فقط.

وبالطبع التحدث في اهتمامات الآخرين لا تعني بالضرورة التنازل عن قضيتنا واهتماماتنا، بل هي الاستفادة من اهتمامات الآخرين للعبور إلى ما تحمله من رسالة إليه، فكم من نجاح لأفراد، عرفوا كيف يتحدثون مع الآخرين فيما يهمهم ويسرهم، وكم من فشل لآخرين بسبب عدم معرفتهم كيفية التحدث عن اهتمامات الغير، وهكذا في العمل إذا كان وسيلة للاختلاط بالناس والاندماج في المجتمع، فإن الجو الذي يسود فيه يمثل عنصراً أساسياً على مستوى الأداء الشخصي، فالفاعلية في العمل تتطلب جواً من الارتياح والدفء، ولكن هل ينبغي أن يصل الأمر إلى حد الصداقات والصحبة؟

الواقع أن الشركات تشجع ذلك لكن علماء النفس يبدون تحفظاً إزاء المسألة، خاصة إذا تعلق الأمر بالصداقة بين رئيس ومرؤوس في العمل لأنها علاقة محكومة بالفشل حتماً لأن الصداقة تعني المساواة، وبالتالي كيف يمكن صون علاقة صداقة مع شخص يملك سلطة التوظيف والتسريح؟.

ويقول الدكتور (البيرتو ايغر) وهو طبيب وعالم نفسي (إن جو العمل في الشركات تحكمه بعض المفارقات، فالشركة تتطلب قدراً كبيراً من التفاني والوفاء، بينما لا يشجع السياف العالم دائماً على ربط العلاقة الحميمة).

وإذا كان هناك أشخاص يحرصون على المبالغة في التودد إلى زملائهم في العمل، فذلك لا ينم عن لطف فيهم بالضرورة بقدر ما ينم عن وجود مشاكل شخصية لديهم بحاجة إلى حل، وهم في الغالب أشخاص جرح كبرياؤهم ويمرون بأزمة أو يشعرون بالإحباط.

ويكمن شذوذ علاقة الصداقة بين الرئيس والمرؤوس في كونها قد تتحول إلى ما يشبه علاقة الأستاذ بالتلميذ فيتوقع الأول من الثاني الذي جعل منه حليفاً طيعاً له فعل أشياء تحقق له إثبات الوجود أو اعتراف الناس به، وبالتالي يكون ما يبدو كرم أخلاق في الظاهر مجرد أنانية محضة، فيبدو كالمستغل لصداقته.

لكن الصداقة في الإسلام لا فوارق لها بين الرئيس والمرؤوس بل يجب احترام حقوق الجميع وإلا فليس من الصداقة بشيء.

 

  • Currently 211/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
71 تصويتات / 622 مشاهدة
نشرت فى 17 أغسطس 2009 بواسطة ashrafhakal

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

3,606,719