هناك العديد من الدراسات والأبحاث التي تبينّ بثقة أن بعض المركبات والجزيئات الكيميائية الخاصة تمتلك تأثيراً واقياً لأجهزة الجسم البشري من الشيخوخة ، ومنها ما قام به الأستراليان ماكفرلاند وهوليداي وهما عاملا بيولوجيا خلوية تمكنا عام 1994 من اكتشاف خصائص أحد تلك المركبات وهو الكارنوسين Carnosine ( وهو ثناني ببتيد أي أنه عبارة عن جزيئتي حمض أميني متحدتان مع بعضهما ) هما الهيستيدين والآلانين . ويتواجد هذا المركب في الجسم بكميات كبيرة في النسيج العضلية والقلب والدماغ والنسج العصبية والعظام والمعدة وفي كل الأعضاء الأخرى .

وقد قام العالمان بأبحاثهما على الخلية المصورة لليف Fibroblast وهي من خلايا النسيج الضامّ الموجود تحت الجلد مثلاً ، وقد قاما بتحريض تلك الخلية على التكاثر إلى أن وصلت إلى مرحلة الشيخوخة الخلوية ، وكانا قد زرعا الخلايا المعنية في نوعين من الأوساط الأول هو الوسط الطبيعي الاعتيادي لنمو الخلية والثاني وسط اعتيادي مضافٌ إليه مركب الكارنوسين، والنتيجة أن الخلايا في الوسط الاعتيادي أظهرت علامات الشيخوخة بعد سلسلة انقسامات خلوية ؛ بينما حافظت المزروعة في وسط الكارنوسين ، على شبابها بالرغم من التكاثر والانقسام . تعتبر تلك الدراسة هامة لأنها الأولى التي فتحت الباب لوجود دلائل قوية على تأثير العناصر الغذائية في شباب الخلايا من جهة . وأشارت لتأثير الكارنوسين الواقي من الشيخوخة من جهة أخرى .

المحافظة على الشباب واستعادته : وفيما بعد قام ماكفرلاند وهوليداي بتعزيز نتائجها من خلال بحث متابعة عام 1999 أثبت أن الكارنوسين ليس فقط يحافظ على شباب الخلايا المصورة لليف ، بل بمكن له أن يساعد الشائخة منها على استعادة شبابها ، فعند نقلهم تلك الخلايا الشائخة من وسط الزرع الاعتيادي إلى وسط الكارنوسين ، استعادت تلك الخلايا شبابها بطريقة دراماتيكية ، ولتأكيد هذا التأثير قام العالمان بإرجاع الخلايا مرة أخرى إلى وسط الزرع الاعتيادي فأظهرت علامات الشيخوخة مرة أخرى ،وقد قام العالمان بإجراء نقل الخلايا بين وسطي الزرع مراراً وتكراراً وكانت الخلايا في كل مرة تستعيد شبابها في وسط الكارنوسين ، وتبدي مظهر الشيخوخة في الوسط الاعتيادي .

توحي الدراستان السابقتان إلى امتلاك الكارنوسين لتأثيرات واضحة على آليات الشيخوخة في الجسم ، وهو ثنائي الببتيد ؛ حيث يتركب من جزيئة حمض الآلانين مع جزيئة حمض الهيستيدين ، وقد اكتشف وجوده بكميات قليلة في النسج العضلية البشرية منذ ما يقرب من المائة عام ،وقد كان موضع اهتمام في ما يقرب من 750 دراسة ، وقد بدأ العلماء اليوم باكتشاف قدراته في الحفاظ على صحة أجهزة الجسم الحياتية . التأثيرات الإيجابية للكارنوسين : من المقبول اليوم القول أن الشيخوخة المبكرة للخلايا هي نتيجة لخلل في آليات الاستقلاب ، وعلى سبيل المثال فإن الكل يعلم أن الجسم يعتمد على حرق الكربوهيدرات ( السكر) والمركبات الناتجة عن تفكيكها ( الألدهيدات) لإنتاج الطاقة التي يحتاجها للقيام بوظائفه الأخرى ، ولكن عندما يحدث خلل في آليات حرق السكر فقد تسير التفاعلات الكيميائية في اتجاه تشكيل مركبات مؤذية تدعي المركبات الانتهائية ويرمز لها اختصاراً AGE وهي ذات فعالية مؤكسدة عالية ، وهناك الكثير من الدلائل على دورها في الشيخوخة المبكرة للخلايا ،و هناك من جهة أخرى العديد من الأدلة على أن المارنوسين يعاكس التأثير المؤذي لتلك المركبات الانتهائية ( AGE ) ، فهو يثبط تشكيلها من جهة يقوم بحماية البروتينات الخلوية من تأثيراتها السامة . ويعزو العلماء تأثيرات الكارنوسين تلك إلى بنيته الكيميائية ، فباعتباره ثنائي ببتيد ويتركب من جزيئتي حمض أميني مشابهة لبنية البروتينات الخلوية في الجسم فهو يتمكن من الارتباط في المواضع الفعالة من الـ AGE ويمنعها من ممارسة تأثيرات السيئة على بقية الجزيئات البروتينية الموجودة في البنى الخلوية .

أي أن الكارنوسين يلعب دور كبش الفداء داخل الخلية الحية . وكذلك يمتلك الكارنوسين تأثيرا خاصاً به وهو أنه يمنع الارتباطات التشعبية للنشوانيات بيتا في الدماغ ( والنشوانيات بيتا هي بروتينات عصبية دماغية ذات علاقة مع نقص وظائف الإدراك) وفي دراسات أخرى كان هناك تحسن في تروية الدماغ وفي مستوى الوظائف الذهنية بالمتابعة على استعمال الكارنوسين .موقع طرطوس.كوم يساعد الكارنوسين أيضا في عملية حيوية أخرى فالجسم يسعى للتخلص من الخلايا ذات الأداء المنخفض أوتلك التي انتهى دروها الحيوي ،وفي مثل هذه الحالات تتشكل مركبات للكربون تعرف باسم مجموعة الكاربونيل تبدأ بالالتصاق بالخلايا المعنية وتسهل عملية تحطيمها والتخلص منها . وقد وجد الباحثون على مدى السنوت الماضية أن عدم التوازن والخلل في عملية الكربلة هي التي تعطي للكائن الهرم مظهره المختلف عن الكائن الفتي . ولدى الإنسان هناك ما يثبت أن نسبة ما يتعرض للكربلة من بروتيات الجسم تبلغ %30 في الأعمار المتقدمة .

وقد أظهر الكارنوسين قدرة واضحة على معاكسة الكربلة المفرطة للبروتينات وإليه يعزي استقرار الحدثية برمتها والحفاظ على توازنها . الجيل الثاني - تعدد الإمكانيات : يبدو أن الكارنوسين يملك تأثيرات أخرى على العديد من أجهزة الجسم البشري ، لذلك فهو يعتبر من العناصر المغذية متعددة الإمكانيات Pluripotent ، وقد بدأت الأبحاث في السنوات الأخيرة باكتشاف العديد من المركبات الكيميائية الجديدة التي تتداخل في تفاعلات الحياة الخلوية ، بالإضافة لإظهار خصائص وميزات جديدة للكثير من المركيات الكيميائية المعروفة من قبل ، والسبب في ذلك هو تطور الكيميائية المعروفة من قبل ، والسبب في ذلك هو تطور الكيمياء الحيوية والتحليلية وتطور وسائل المراقبة وتحليل النتائج ، بالإضافة لتطور إمكانيات عزل الخلايا وإكثارها سواء في المختبر ( في الزجاج ln Vitro ) أو داخل الجسم ( في الحياة ( ln Vitro . من العناصر المتعددة الإمكانيات الأخرى هناك حمض ألفا ليبويك alpha- lipoic المعروف بإمكانياته القوية المضادة للأكسدة بشكل يحافظ على السير الطبيعي لحدثية حرق الكربوهيدرات عن تلك ويشطف سريعاً الجذور الحرة المؤكسدة التي تنتج عن تلك الحدثية . وهناك أيضاً أسيتيل الكارنيتين acetyl – L- carnetine ذو التأثير الايجابي على توليد الطاقة الخلوية . وهناك أيضاً فلافونوئيدات الليمون ومنها الكيرسيتين quercetin الذي يشجع – في الإخبارات في الزجاج – الاستجابة المناعية الصحية .

تفتح الدراسات الأخيرة على الكارنوسين وغيره من العناصر الغذائية متعددة الإمكانيات بابا جديداً في علم التغذية ، وهي تبين أن حدثية الشيخوخة هي أكبر من أن تنحصر في إطار الجينات ، وهناك بعض الخيارات المتاحة أمام الإنسان لتأخير تلك الحدثية .

وسوف يأتي لنا المستقبل القريب بالمزيد من المعلومات وربما يتيح قريباً بعض الخيارات الواضحة.م بقي أن نشير إلى أن الكارنوسين متوفر في السوق الدوائية العالمية على شكل محافظ تحوي الواحدة منها على 500 ملغ من المركب ويبلغ سعره في أحسن الأحوال 50 دولاراً أمريكياً للمئة حبة .

  • Currently 252/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
84 تصويتات / 3797 مشاهدة
نشرت فى 15 أغسطس 2009 بواسطة ashrafhakal

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

3,577,345