<!--<!--<!--<!--

 عاصفة التغيير بين القبول والرفض


الإنسان على مدى مراحل حياته يتغيّر وتبعاً لذلك يتغيّر المجتمع بأكمله,فالإنسان كائن اجتماعي لا يعيش منعزلاً...وما من شيءٍ في هذا الكون إلا ويتبع سنة التغيير والتبديل ,فما بالك بالمجتمعات الإنسانية والتي هي في حراكٍ دائمٍ ومستمر إلى درجة يصعب التكهّن بمستقبلها ,والتغيير الاجتماعي عبارة عن دوائر متداخلة ومعقّدة يربط بعضها ببعض  غالباً ما تبدأ اقتصادياً ثم سياسياُ واجتماعياً ,لأن الاقتصاد هو العامل الأول الذي يلبّي احتياجات الإنسان الأولية من طعامٍ وشراب وغيرها وعلى إثر ذلك تتغيّر حياة الإنسان وتتبدّل متطلّباته.

فما حدث من خروج الحملات الصليبية من أوروبا ,وتأثيرها الكبير على التغيير الاجتماعي الكبير الذي حصل بعد ذلك لا يخفى على أحد,فقد كان هدف الحملات الصليبية في أساسه اقتصادياً مُتدثّراً برداء الدين بعد أن عانت شعوب تلك المنطقة لحقبة زمنية طويلة من المجاعات والأوبئة والتخلف,ورغم فشل تلك الحروب وعودت الجيوش الأوروبية مهزومة إلى أن انبهارهم بما شاهدوه في البلاد الإسلامية من حضارة وفن وتطوّر اقتصادي وعلمي ترك, آثاره عليهم مما دفعهم إلى العمل على إحداث تغيير كبير جداً في مجتمعاتهم ,استقوه من علوم المسلمين وفنونهم مما أخرجهم من عصور الظلام ولو بعد زمنٍ ليس بالقصير من وقوع الحملات الصليبية.

فالإنسان بطبيعته مخلوقٌ معقّد يشارك في تكوين فكره عوامل وراثية وأخرى موضوعية يصعب تحديدها بدقة ..وهذا ما يحدث قياساً على المجتمع البشري ,فتتفاوت سرعة التغيير من زمنٍ إلى زمن ومن مجتمعٍ إلى آخر,واليوم أصبح التغيير أكثر سرعةً وقوةً وظهوراً,نتيجةً لتسارع رَتم الحياة ,بالإضافة إلى تطوّر علوم التكنولوجيا والتقنية ,وذلك ليستمرّ التوازن في الحياة فالإنتاج السريع يستتبعه سرعة في الزمن على نفس المستوى...

والتغيير يحمل معاني التجدّد والحياة والنمو والتطوّر والإبداع والحركة والديناميكية, فالمجتمع الحيّ يتغيّر بسرعة..بخلاف المجتمع الميّت الذي لا يتغيّر |أو لنقل يتغيّر ببطءٍ شديد نتيجة منع أفراده والذين هم خلاياه المكونين لجسده منعهم أيِّاه لسلوك طرق التغيير والتجديد وسائله.

التغيير لا ينتظر أحداً فهو كالعاصفة الهوجاء التي تأتي على الأخضر واليابس ,وهذا ما يحدث في المجتمع عندما يحدث التغيير فالمركب الذي يقف في وجه العاصفة سيُدمّر ,ومن يجاري العاصفة تقذف به بعيداً ..أما من يسير بسرعتها محاولاً استخدام قوتها في دفع أشرعته المتينة لتوجيه مركبه حيث يريد ,سيصل إلى بر الأمان إلى مراده ومبتغاه.

فلماذا إذاً يهاب البعض التغيير؟

 تراهم يتوجّسون خيفةً من أي فكرةٍ جديدة سواء كانت وافدةً من الخارج أو استحدثها أحد الأبناء...التغيير دائماً محاطٌ لديهم بألف علامة استفهام مسوّرٌ بسياج الريبة ويُقابل بالرفض الشديد ,وفيما هم يستعدّون لرفع شعارات الرفض والتنديد تمرُّ عليهم العاصفة وقد غيّرت كل شيء دون أن يكسبوا منها أي شيءٍ سوى مزيداً من التخلف والرجعية والجمود.

فما الذي يدفعهم لذلك؟

إنهم كثيراً ما يجعلون خوفهم وحرصهم على الدين حجةً للرفض ,وقد يكونون صادقين في ذلك,إذن كيف يدّعون شمولية الإسلام وصلاحيته لكل زمانٍ ومكان بينما هم يظهرونه بخلاف ذلك عند رفضهم للتغيير! ..فطبيعة الحياة كما أسلفنا تحتّم وتفرض علينا التغيير ....وإذا كانت أهواءهم هي التي تدفعهم لذلك الرفض فيمكن أن نقول بأنه نوع من الجمود والاستكانة والركون إلى البقاء على ذات الأوضاع الرتيبة والتي ربما تخدم مصالحهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وقد يسخّرون الدين لخدمة مصالحهم.

وإذا جئنا للفريق الثاني الذي يساير التيّار أيّاً كان اتجاهه ,نجدهم فاقدون للخارطة مشتّتوا الرؤية ,ولا يملكون رسالة سوى البقاء على ظهر المركب حيث لا يدركون إلى أين هم متجهون أو أنهم يعلمون ولكنهم مستسلمون فاقدوا الإرادة والفاعلية,يريدون النجاة بأي طريقة وأي وسيلة وينتظرون الرسوّ على أي أرض...فالأمر لديهم سيّان ,هؤلاء الذين ينادون بالتغيير ويجرونه جرّاً إلى المجتمع دون تفكيرٍ أو وعي فيما كان ما سيبذرونه في تربة المجتمع سينبت بصورةٍ مشوّهة معوّقة أو سليمةٍ صحيحة,فالتغيير لديهم هو هدفٌ بحدِّ ذاته وبأي أسلوبٍ كان ,يصفّقون لكل جديد ويُدهشون لكل غريب.

فكيف سنصل إلى برّ الأمان الذي ننشده دون أن نخلّ بمبدأ الدين ودون أن نعارض سنة الله في الكون وتغيّراته؟

هذا ما يدفعنا إلى العودة للحديث عن المشكلة الفكرية التي يغرق في يمّها المسلمون والتي تحرمهم من فهم الدين وقوانين الكون بالشكل الصحيح...

كون الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة ,وكونه صالحٌ لكل زمانٍ ومكان هذا يحتاج منّا إعادة نظر في تطبيق الإسلام على أرض الواقع بصورة سليمة تتواءم مع هذه القاعدة...

فالملاحظ على المجتمع الإسلامي اليوم عدم قدرته على إيجاد توازن بين تطبيق الدين وبين مستجدّات العصر ومتغيّراته,فإما انقطاع عن الدين وإما انقطاع عن الدنيا ,ونتيجة الفكر الديني المتطرّف أصبحت عجلة سير المجتمع نحو التطوير والنهوض بطيئةً ومتعثّرة.

إن سير المركب مع سرعة العاصفة أمرٌ مهم ,ولكنه يتطلّب قدراً من الحرص حتى لا يحيد المركب عن اتجاهه فيضلً الطريق ,وهذا ما توفّره لنا ثوابت الدين ودعائمه الأساسية من فرائضٍ وعباداتٍ واجبة وسلوكيّاتٍ أخلاقيةٍ إلزامية..والسير مع التيّار يتطلّب أيضاً قدراً من المرونة تأتي من سِعة هذا الدين في مجال الاجتهاد وإنتاج الفكر والإبداع وحرية الرأي ومبدأ الشورى,ثم يأتي بعد ذلك عامل السرعة والزمن والذي يحتاج مزيداً من العمل وبذل الجهد المخطّط والمدروس....

فالهدف واحدٌ وواضح والوسائل متاحةٌ وممكنةٌ ومتنوّعة ,ولكن المحيط ومؤثّراته متغيّرة ومتبدّلة وهذا ما يحتاج قدراً عالياً من التفكير والتخطيط للمستقبل المُتغيّر المجهول ...فهل استعدّينا للمستقبل وخططنا له ,أم أننا ما زلنا نراوح مكاننا بين قابلٍ ورافضٍ للتغيير بينما تأخذ العاصفةُ مجراها..؟

 

arwa7

علا باوزير

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 318 مشاهدة
نشرت فى 16 إبريل 2011 بواسطة arwa7

ساحة النقاش

ahmedjama3

الاسلام والتغير هو عنوان المرحلة القادمة ....وهو ابرز التحديات في القرن الواحد والعشرين

علا عمر باوزير

arwa7
من فكرٍ تمتد لنا آفاقه..وأدبٍ يطيب لنا مذاقه..وقّعت اسمي هنا..كانعكاساتٍ قابلةٍ للتعديل ..وضوءٍ يكون هنا دليل..وعزفٍ لحروفنا يروي أرواحنا الخصبة بالحب والعطاء.. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,755