توافر كميات هائلة من العسل الرفيع شجّع الممارسين انتعـــاش تـربـيــة النـحــل في البلــيـــدة
توافر كميات هائلة من العسل الرفيع شجّع الممارسينانتعـــاش تـربـيــة النـحــل في البلــيـــدةتشتهر مدينة البليدة بمهنة النحالة فيها، حيث يتخذ الآلاف من تربية النحل مصدرا للعيش بعاصمة الورود، ما جعل البليدة تغطي لوحدها 60 % من احتياجات السوق الوطنية، ما يدل على الانتشار الواسع لحرفة النحالة في منطقة تتمتع بثروة نباتية غابية وتتوفر على مساحات واسعة من مختلف الأزهار.يشير نحالون “للسلام” إلى تنامي حرفة النحّالة في عروس المتيجة، سيما مع توافر عدة أنواع من العسل الرفيع كعسل السدرة والهضاب العليا، تتألق حرفة النحالة بثرائها ومزاياها ما يدفع عموم الحرفيين والخبراء إلى المطالبة بترقيتها أكثر عن طريق تكثيف التعاونيات وتأسيس تنظيمات تفعّل النحالين، فضلا عن إعطاء الأفضلية لتسويق العسل المحلي. يقول نعيم (43 عاما) وهو أحد النحالين الخواص: “أمارس حرفة النحالة بدافع من الحب الشديد، ولا أجد راحتي إلا عندما أراني أغدو جيئة وذهابا بين صناديق النحل”، ويضيف محمد (62 عاما) النحّال منذ قرابة نصف قرن، ورئيس جمعية لمربيي النحل، أنّ البليدة محظوظة جغرافيا كونها تمتلك سهل المتيجة الغني عن التعريف، وكذا احتوائها على غطاء غابي كثيف، إلى جانب ملائمة المناخ السائد في الجزائر لممارسة هذا النشاط.من جهته، يركّز سعيد (35 عاما) على أهمية وجود مصانع للشمع، ما يعدّ بحسبه “مكسبا مهما لكل من يريد ولوج عالم النحالة”، ويعزو محدثنا ذلك إلى كون الشمع الجيد يقدّم خدمات لفائدة النحالين الراغبين في تحويل الشمع المتوفر لديهم إلى صفائح شمعية قابلة للتصفيف في صناديق تربية النحل مقابل دفع ثمن التحويل فقط.ويلفت سعيد أيضا إلى أنّ الشمع المستورد وإن كان ذا سعر أقل، إلاّ أنه لا يرقى من حيث مكوناته إلى مصاف الشمع الطبيعي المُنتج محليا والذي يستعمله النحالون المحترفون، كون الشمع المستورد يحتوي على مواد بترولية كالبرافين والملونات والعطور الصناعية. وعلى غرار نظيراتها تعاني حرفة النحالة من مشكلات يبرزها طارق (38 سنة) وعبد الحميد (42 عاما) وزميلهما أبو بكر (39 عاما)، في افتقاد حرفتهم رغم مكانتها لتنظيم يدافع عن مصالح النحالين، ويدعو الثلاثة باسم النحالين لإيجاد هيئة محلية تجمعهم من أجل توسيع دائرة التشاور واقتراح الحلول لمختلف انشغالات مربيي النحل وكذا جعل الهيئة المذكورة وسيلة اتصال دائمة بين المعنيين، مع الإشارة إلى أنّ جمعية مربي النحل (المتيجة) تضم منخرطين مهنيين وجامعيين، كما تربطها علاقات مع جمعيات من فرنسا، ايطاليا، بلجيكا، المملكة العربية السعودية، اليمن وسوريا.وحفاظا على الحرفة تماما مثل ما تقتضيه حتمية تطويرها، يدعو عمي لحسن (71 عاما) عميد النحالين الجزائريين، إلى إيلاء التكوين أهمية قصوى حتى يكون هناك مردود أحسن للنحالين، وذلك عن طريق زيادة الحجم الساعي للتكوين وحتى إنشاء معهد خاص بتريية النحل يسمح للشباب بالحصول على شهادات معترف بها تعطيهم الحق في الدعم، دون الحاجة إلى شرط حيازتهم على عدد معين من صناديقالنحل. ويتفق لحسن ومحمد وغيرهما من كبار ناشطي النحالة، على حساسية تسوية مشكلة التخزين، حيث يُفترض ترك المنتوج في مستوى تبريد (بين 14 و20 درجة) حتى يحافظ العسل على شكله وقيمته الغذائية، فضلا عن أهمية توفير مستخلصات النحل من النوع الذي بإمكانه حمل 40 صفيحة لفائدة النحالين الذين يمارسون نشاطا ضخما.بدوره، يشدّد فاروق (35 عاما) وهو أحد المنتجين الخواص الذي يبيع العسل في محل له، أنّ إحدى مشاكل النحالين هي قطع الأرض، حيث إما ان يدفع النحّالون الثمن لملاّك الأراضي من أجل وضع الصناديق عليها، أو يقتسمون الغلة معهم.كما يشتكي نحالون من كون العسل المحلي لا يتم تشجيعه رغم جودته، حيث يقوم البعض بالترويج لصالح العسل المستورد ويُزعم أنّ الأخير عسل طبيعي، علما أنّ هناك نوعين من العسل المستورد يعرفان رواجا كبيرا، وهما في حقيقة الأمر “يتم إنتاجهما صناعيا من سكاروز الذرة، ثم تتم معالجتهما بعد ذلك”. بالمقابل، تؤكد الجهات المختصة أنّها تعمل على مساعدة النحالين تقنيا وماديا في معالجة المشاكل التي يعانون منها مثل الأمراض التي تصيب النحل على غرار تعفن الحضن بنوعيه الأوروبي و الأمريكي، وهذا الأخير هو الأخطر وكذا حلم الفاروا، إضافة إلى مكافحة أعداء النحل مثل “عثة الشمع” وهي فراشة تتغذى على الشمع الموجود بالصندوق. ويشير ناصر الأعوج، إلى أنّ التقلبات الجوية ونقص المهنية والتكوين لدى بعض النحالين واستعمال المبيدات التي تقتل النحل وسرقة صناديق النحل، تشكل كلها تحديات أمام النحالين في مجال تطبيق عقود النجاعة، ملفتا إلى استفادة العشرات من أصحاب المشاتل من الدعم، تماما مثل تجهيز 27 ألف خلية بمختلف المستلزمات. وفي مقام رئيس، تتموقع تعاونية لتربية النحل التي يديرها الطاهر مجاجي، كنموذج لتجارب مثمرة في ميدان النحالة بالجزائر، ويبلغ عمر هذه التعاونية 33 سنة، اختصت منذ سبعينيات القرن الماضي بإنتاج عسل السدرة “ذي النوعية الرفيعة”، إضافة إلى لعبها دورا كبيرا على المستوى المحلي بفضل سياسة التكوين التي تتبعها وأعانت على تأطير مئات المتربصين، مثلما تتوفر هذه التعاونية على أجهزة مختلفة الأحجام لاستخلاص العسل، وكل الأدوات الصغيرة كالقفازات وألبسة النحالين وأدوات الصيانة والتنظيف.وتسوق التعاونية التي يقع مقرها بمحافظة البليدة، عدة أنواع من العسل ومنتوجها مطابق للمواصفات القانونية وخاضع للتحاليل الفيزيو-كيميائية، وبإمكان نحاليها أيضا اقتناء صفائح الشمع وخلايا النحل ومنتجات الخلايا (العسل وغبار الطلع والغذاء الملكي)، ويقرّ الطاهر مجاجي مدير التعاونية أنّ الأخيرة تمكنت من الحصول على التكنولوجيا، بفضل مبادلاتها مع الأجانب وكذا سعيها الدائم إلى إدخال الجديد كالتلقيح الاصطناعي للملكات ووسائل تحسين المردودية بالتعاون مع كل من اتحاد النحالين العرب واتحاد نحالي البحر المتوسط وكذا الفيدرالية العالمية لتربية النحل.وقصد التكفل الأفضل بالنحالين، يدعو ناصر الأعوج، إلى النسج على منوال التعاونية المذكورة، وانتظام مواطنيه الحرفيين ضمن تعاونيات تمكنهم من توسيع رقعة إنتاج العسل وما يتولد عن ذلك من موارد، ويعتبر الأعوج أنّ التعاونية هي الإطار الأمثل لتبادل الخبرات وتطوير الحرفة وكذا الإسهام في تسيير النحالين لنشاطهم وخلق التوازن بين مختلف المناطق، ناهيك عن توزيع أصناف العسل المنتج حسب الغطاء النباتي لكل منطقة. وتفيد دراسة ميدانية حديثة – تلقت “السلام” نسخة منها – أنّ مناطق الانتجاع (المناطق التي يتنقل إليها النحالون في موسم الإزهار) كثيرة وتدر عسل الحمضيات، وينادي معدو الدراسة إلى تشجيع الانتجاع من أجل تنويع المنتوج من جهة وعدم ترك المناطق المملوءة بالأزهار بدون استغلال، مشيرة إلى تجربة ألمانيا واستعمالها مقطورات خاصة لتربية النحل تتنقل في كامل البلد طيلة السنة. ويضاعف النحل مردود الأشجار كونه يساهم في تلقيحها بواسطة حبوب الطلع التي تعلق بأرجله، وهو ما يتلقى عنه النحالون في الدول الأوروبية منحا مقابل كل خلية. إلى ذلك، تستمر ببلدية حمام ملوان الواقعة شرق البليدة فعاليات معرض النحل الذي تنظمه جمعية مربي النحل “متيجة”، بهذه المناسبة، أبرز حميدو لطرش عضو الجمعية المذكورة للسلام، حجم الصعوبات التي تواجه مربي النحل، سيما مع اتساع رقعة الحرائق التي أتت على الاخضر واليابس بالمناطق الجبلية. بالمقابل، أشار لطرش إلى اتساع نشاط المربين خلال السنوات الأخيرة، حيث لم يعد الأمر مقصورا على مناطق بعينها، بل تجاوزه ليستوعب مربين من ولايتي تيبازة وبومرداس، ولم يبق نشاط الجمعية المذكورة مقتصرا على النشاط المحلي حيث بادرت الجمعية بالانضمام إلى جمعية مربي “النحل العرب” وهو تنظيم يتكفل بتكوين كل من يرغب في ممارسة هذه المهنة.كما نوّه المتحدث بالنوعية الممتازة لثروة الجزائر من العسل، ما يجعل البلاد تحتل مركزا متقدما بشهادة مخابر وطنية وأخرى دولية مثل المخبر الفرنسي “نيتاك” الذي أثبت جودة المنتوج الجزائري على المستوى العالمي، ما جعل الكيلوغرام الواحد يربو سعره في دول أجنبية عن المائة دولار للكيلوغرام الواحد. ويبذل مربو النحل مجهودات جبّارة يضطرون معها إلى نقل الصناديق في كل فترة زمنية من منطقة الى أخرى قصد الحصول على نوعيات جيدة.بواسطة السلام اليوم / ع. شريف 03/09/2012
ساحة النقاش