حرصت على حضور بعض الحفلات الموسيقية والغنائية، حيث شاهدت فرقة المالوف التي تقدم فن المالوف والموشحات. وشاهدت كذلك فرقة الفنون الشعبية التي قدمت ثلاث عشرة رقصة فولكلورية ليبية. وسأقصر الحديث في هذا الموضوع على فرقة الفنون الشعبية ورقصاتها التعبيرية الجملية، تاركا موضوع فرقة المالوف إلى وقت آخر.

فرقة الفنون الشعبية:
تأسست فرقة الفنون الشعبية الليبية في أواخر سنة 1963، وهي تابعة لأدارة الفنون والثقافة بوزارة الاعلام في القطر الليبي.
وتضم الفرقة ما يزيد على الخمسين عنصرا فنيا بين عازفين وراقصين، من بينهم خمسة عناصر نسائية. ويحتوي برنامج الفرقة على أكثر من ثلاثين رقصة شعبية، ولديها العديد من الرقصات التي هي قيد التنفيذ.
وتعتمد الفرقة في نشاطها الفني على الفولكلور الليبي الأصيل، ولا يوجد لديها إلا القليل من الرقصات التعبيرية الموضوعة. وقد قدمت الفرقة منذ تكوينها لحد الآن العديد من العروض الفنية.
وقد شاركت فرقة الفنون الشعبية الليبية في مهرجان قرطاج الدولي الذي عقد في تونس عام 1965، ونالت الجائزة الأولى لأحسن راقص، وكانت في الترتيب الثالث بين مجموعة الدول المشاركة وهي:
تركيا واليونان وايطاليا وبلغاريا والمانيا الاتحادية وغانا وتونس.
وقد قامت فرقة الفنون الشعبية الليبية بعدة جولات فنية، زارت فيها كلا من مالطا وايطاليا وبلجيكا وهولندا وتونس، وقدمت فيها عروضا فنية رائعة، وفيما يلي شرح لأهم الرقصات الفولكلورية التي قدمتها فرقة الفنون الشعبية.

رقصة الاستقبال:
وموطنها غدامس وغات وتونين. وتقام هذه الرقصة بمناسبة الافراح والأعياد الدينية وغيرها، وذلك عندما تدعو إحدى القبائل جاراتها لمشاركتها في احتفالاتها في المناسبات السالفة الذكر. ويتقابل مجموعة من شبان القبيلة الداعية والمدعوة، ويقدمون هذه الرقصة عادة في بداية الاحتفال، كتعبير عن الفرحة باللقاء والاستقبال الحار للزوار.

رقصة الربيع:
للربيع في البادية روعة خاصة وجمال بديع، وهو فصل محبب إلى نفوس سكانها، حيث ينتعش الجو، وتكتسي الطبيعة حلة مزهرة جميلة، وتتفتح فيه القلوب للحب. وتبدأ الأعراس تجمع بين الأحبة في بيوت الزوجية.
وتعبر هذه الرقصة الشعبية عن فرحة القوم بقدوم الربيع، وعن ملاقاته بما يستحقه من حفاوة وبهجة وسرور.
رقصة الرعاة:
وتمثل هذه الرقصة الشعبية فرح الرعاة ومرحهم في المراعي، فنشاهد في بداية الرقصة كيف يتقابل إثنان من الرعاة قريبا من أغنامهما. وما أن يبدأ الرقص، حتى تنضم إليهما مجموعة أخرى من الرعاة ليشاركوا في الرقص في حركات سريعة تواكب النغمات الشعبية التي يتغنى بها الرعاة عادة لتمضية الوقت، ولإحداث جو من البهجة تدفعهم لمتابعة عملهم الشاق بحماس.
وتعتمد الرقصة على الحركات الأساسية التي يقوم بها الراعي عندما يسوق قطيعه إلى المرعى، وكذلك يتضمن الرقص بعض التقاليد المعروفة لدى مزاولة حرفة الرعي، مثل الصيحات الخاصة بإبعاد الذئب، وسقي الماشية وغيرها.
ويصاحب الرقصة عزف على الآت الزكرة والدبدحة والدف، وهي الآت إيقاعية.
رقصة الرماح:
رقصة الرماح موطنها غات، وغدامس، وجميع مناطق التوارق. حيث صيد الحيوانات البرية هو عمل من الأعمال الرئيسية التي يقوم بها أهل التوارق القدماء لتوفير غذائهم. كما أن أرضهم الشاسعة العامرة بالغزال وغيره، تغريهم بمتعة الصيد ومزاولته.
وهذه الرقصة الشعبية تمثل استعداد أفراد القبيلة لرحلة صيد جماعية. فتصور تجمع الصيادين وخروجهم إلى الرحلة، وتطويقهم الحيوان ثم إصابته برماحهم. وأخيرا تعبر الرقصة عن إحتفاء القوم بالغنيمة، ورجوعهم إلى القبيلة مسرورين.

رقصة الدراس:
ورقصة الدراس موطنها غات، وغدامس، وتونين. وتعبر عن الطريقة التقليدية لدرس الحبوب. وتمثل موسم العمل الجماعي بعد حصاد المحاصيل الزراعية.
ويصاحب هذه الرقصة عزف على آلة الطبل الإيقاعية. كما ينشد الراقصون أغنية يرتبط اداؤها بقوة الحركة وهدوئها. ويرتدي الراقصون عادة اللباس التارقي المعروف في المناطق المذكورة آنفا.
رقصة التارقي العجوز:
وهي رقصة لتارقي عجوز، يمر من أمامه مجموعة من الشباب الذين يرقصون بحركات رشيقة على أنغام الغيطة، فينفعل بما يشاهده. ويحاول الرقص، فتكون حركاته في البداية بطيئة وغير متناسقة، غير أنه ما أن ينسجم مع النغم، ويسترد به شبابه وحيويته، حتى يتفوق على منافسة الشباب، الذين يغادرون المكان، بعد أن يشعروا بضعفهم أمام خصمهم العجوز.
رقصة العلجية:
وموطنها تاجورا وبعض المناطق الساحلية المجاورة. والعلجية (وتعني الجارية) رقصة تقدم عادة في مناسبات الزواج ببلدة تاجورا.
وفي القديم كان يقوم بدور الجارية رجل يرتدي اللباس النسائي المعروف في المنطقة، ويصاحبه في الرقص شيخ يقوم بحركات مضحكة، تضفي على العرس جوا من البهجة. وقد نظمت هذه الرقصة الشعبية على نفس الأنغام التي كانت تقدم، وتصاحبها الآت الزكرة، والدبدحة والدف، وهي الآت موسيقية شعبية ايقاعية.

رقصة الدفوف:
وهي رقصة مستوحاة من الفرق الصوفية، وهي عبارة عن مجموعة إيقاعات مقتبسة من نفس الإيقاعات المعروفة عن الطرق الصوفية، كإيقاع الفيتورية والعجمية والمخمسة الخ. وقد نظمت جميعها في رقصة متناسقة ذات إيقاعات لطيفة، وحركات رشيقة بمصاحبة أنغام الزكرة.

رقصة السلطان:
تقدم هذه الرقصة عادة في مناسبات الأفراح الكبيرة في هذه المناطق قديما، حيث تؤدى في مراسم العرس بين الرجال والنساء على السواء، بحيث تقدم بين النساء بصورة منفردة، بينما تحضر النساء حفلة الرجال كمتفرجات ومشجعات.
وتعبر الرقصة عن الاحتفاء بالعريس، ويصاحب الرقصة العزف على الآت الغيطة، والدف، الدنقة. وهي آلات موسيقية شعبية إيقاعية. ورقصة السلطان موطنها مناطق غدامس وتونين وغات.

رقصة السيف:
وموطنها غات وبقية مناطق التوارق بالجنوب الليبي. وتقدم هذه الرقصة عادة بمناسبة الأفراح، وذلك عندما يقيم العريس الخيمة التي يجتمع فيها اصدقاؤه من الشباب خلال الاسبوع الأول من العرس. وعادة ما يضع العريس التارقي السيف أمامه، بينما يقوم اصدقاؤه بألعاب مسلية تضفي على العرس سمات الغبطة والفرح. ومن ضمن ما يقوم به الشباب، هذه الرقصة، التي تمثل المبارزة العريقة بالسيوف.
وتقدم هذه الرقصة على الآلة الإيقاعية المحببة لدى التوارق، وهي (الطبل). والتي تستعمل في كثير من الأغراض. وعندما تشتد المبارزة، يقوم العريس بمشاركة اصدقائه بالرقص، حيث يقدم أجمل الحركات.
أما عن الآلات التي تصاحب الرقصة، فهي الغيطة، والدنقة، والطبل، والدف.

رقصة البحارة:
وموطنها المناطق الساحلية. وتعبر هذه الرقصة عن الطريقة التقليدية لصناعة ورتق شبكة الصيد والطراحة، وكذلك الطريقة الليبية الصميمة لصيد الأسماك. وقد نظمت هذه الرقصة بحركات جماعية متماسكة تظهر عمل الصيادين الشاق، وتعاونهم، وتقيدهم بأوامر الريس. ويصاحب الرقصة العزف على الآلات الايقاعية التالية: الغيطة، والدف، والدنقة، والدربوكة.

رقصة البرادة (الجرة):

رقصة البرادة، هي الرقصة المعروفة برقصة الجرة، وموطنها الأرياف المجاورة للمدن.
تقدم هذه الرقصة عادة في مناسبات الأفراح، حيث تقوم أحدى الفتيات بالرقص وعلى رأسها برادة (جرة)، لتعبر عن مقدرتها في الرقص، وقيامها بحركات صعبة الأداء، يخيل للمشاهد عندها أن الجرة ستقع، ولكن براعة الراقصة وحفاظها على توازنها يجعل الجرة في أمان من الوقوع.
وتقدم هذه الرقصة بمصاحبة العزف على الآلات الموسيقية التالية:ـ الزكرة، الدنقة، الدف.


رقصة الكسكا:


وهي رقصة شعبية تدور حول فتاة ترد بئرا، فيصدها أحد الرجال عن الورود بحجة أن البئر ملك القبيلة وحدها. وترجع الفتاة مكسورة الخاطر إلى أهلها، وتقص عليهم ما حدث. فتثور ثائرتهم، ويندفعون لمهاجمة القبيلة الأخرى، والتي تأخذ بدورها استعدادها لمقابلة المهاجمين. ويلتقي الخصمان في معركة تعبر عنها الرقصة بحركاتها العنيفة، وضرباتها القوية السريعة.
ويسمع شيخ القبيلتين بالحادث، وهو رجل مسن يتسم بالحكمة والرزانة والتعقل، فيغضب للحماقة التي ارتكبتها القبيلتان. ويسرع إلى مكان المعركة لإطفاء نار الفتنة بين الإخوة، وما أن يصل حتى يندفع نحو الفريقين في إنفعال وغضب، فيخجل أفراد القبيلتين، وينصاعون لأوامر الشيخ الذي يحمل له القوم كل احترام وتقدير، ويعود الصفاء يرفرف عليهم، والمحبة تجمع قلوبهم.
وتبدأ الرقصة من جديد هادئة منسابة رشيقة، تعبر عن الفرحة والسرور، بعودة الوئام بين الجيران.
إن الرقصات التي تقدمها فرقة الفنون الشعبية الليبية، كانت تعتمد على التقاليد التي تحتاج إلى تفهم عميق من الراقصين والراقصات، وهذا ما لمسناه من خلال حسن الاداء، ودقة العمل الفني المتماسك، بحيث قدمت تلك الرقصات في إطار فني جذاب، فيه كل السمات والملامح الفنية التي تميز الفولكلور الليبي الأصيل.

  • Currently 221/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
74 تصويتات / 3056 مشاهدة
نشرت فى 20 ديسمبر 2009 بواسطة amtala

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

20,828