رسالة إلى المُعَلِّم أيها المُعَلِّم..يا صانع الأجيال..لله دركالكـاتب : حسام الدين كاظم السامرائي
أعجبتني همة ذلك الشيخ الفاضل الذي يجتهد ويبذل كل وسعه وهو يعلم أطفال الحي سورة الفاتحة، ويقضي معظم يومه وهو يرددها على مسامع الصبية الصغار ليرددوها بدورهم فتثبت في عقولهم فلا ينساها أحدهم فالحفظ في الصغر كالنقش على الحجر، وحين تسأل ذلك الشيخ عن سر اهتمامه في تعليم سورة الفاتحة بالذات فيأتيك الرد المفاجئ إني أعلمهم الفاتحة لأنها أم القرآن ولا تصح صلاة العبد إلا بها وأريد أن يكتب لي أجري في كل ركعة يركعها هذا الصبي حين يكبر ويصلي.
يا الله ما أعظمه من طموح وما أزكاها من همة وما أروعها من رؤية، أن تُعَلِّم وتنتظر أجر ما علَّمته، وتصنع جيلا ترجو أن يكونوا مفاتيح للخير، وهنا دعوة للتأمل فيما رواه الطبراني بسند صحيح عن سهل بن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (عند الله خزائن الخير والشر مفاتيحها الرجال فطوبى لمن جعله مفتاحا للخير ومغلاقا للشر وويل لمن جعله مفتاحأ للشر ومغلاقا للخير).
تأمل في عبارة " مفاتيحها الرجال" وللمفاتيح أسنان وتعرجات تصنعها الحياة وتؤثر فيها الحوادث والأيام، ولك أنت أيها المعلم دورك البارز في صياغة هذه المفاتيح، وأنت من يحدد الوجهة الأساس في لبنة هذا التلميذ فإما أن يكون لك دور في صناعة مفتاح الخير وإما أن تكون عكس ذلك وبالتالي فإن المجتمع هو من سيجني ثمار صناعتك أيها المعلم.
تأمل معي الدور الذي تقدمه مفاتيح الخير، وعلى رأسهم الأنبياء حيث قال - جل وعلا -: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ)، أيديهم تتقدم دائما بالخير فهم مفاتيح لها، وقال - سبحانه - في إسماعيل: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) إنه مفتاح للخير في أهله، وقال - عز وجل - عن عيسى: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) فهو مفتاح مبارك للخير حيث كان، وكذا بقية الأنبياء لأنهم تخرجوا جميعا من المدرسة الإلهية، فأدبهم رب العزة - جل وعلا - فأحسن تأديبهم وتعليمهم.
بالمقابل تأمل في دور الإنسان إذا أصبح مفتاحا للشر، فإبليس أول من عصى وسن سنة التكبر والاعتراض على الله وله نصيب كل متكبر ومعرض عن الله شرعه، وقابيل ابن آدم الأول الذي قتل أخاه ظلماً له نصيب من الإثم على كل نفس تقتل ظلماً لأنه أول من أصل لهذه الفعلة الشنيعة، وقوم لوط لهم السبق في باب الشر الذي فتحوه يوم أن قال - جل وعلا - موبخاً القوم على لسان نبي الله لوط: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ) فما من معصية من هذا القبيل إلا وكان عليهم وزر منها وحتى تقوم الساعة لأنهم كانوا مفاتيح للشر في باب فساد الأخلاق.
انظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - المعلم الأول للصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين كيف نجح في صياغة وصناعة جيل من مفاتيح الخير، تأمل في أبي بكر حيث كان أول من أمر بجمع المصحف، تأمل في الفاروق حيث أنه أول من جمع الناس على صلاة التراويح، تأمل في عثمان حيث أنه أول من جمع الناس على مصحف واحد.
فكم هو ذلك الخير الذي نزل بالأمة من هذه الثلة المؤمنة، وكم هو الأجر والفضل الذي سيعود على نبي هذه الأمة بسبب تخريج وتعليم وصناعة مثل هؤلاء الرجال.
أيها المُعَلِّم.. أنت من يصنع مفاتيح الخير ومفاتيح الشر، والأمة هي من ستجني ثمار تلك المفاتيح، فلك أن تختار، أتريد أمة يملؤها الخير والإحسان والفضل والعلم والأدب والأخلاق والرقي والتطور والحضارة؟ أم تريد أمة مائعة فاسدة جائعة خانعة مستكينة مسلوبة الإرادة؟
أيها المربون.. أبناؤنا أمانة في أعناقكم فإن أحسنتم رعايتها وصناعتها استغفرت لكم حيتان البحر وطيور البر هكذا علمنا رسولنا - عليه الصلاة والسلام -، والناس صنفان قادة هدى وقادة ضلال، فعن الهدى قال - سبحانه -: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) وعن الضلال قال جلا وعلا: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ).
فما أحوج أمتنا إلى قادة الخير ودعاة الخير ورجال الخير، وهم صناعتك أيها المُعَلِّم فلله درك.
ساحة النقاش