عندما يتعرض الحق لمحاولات طمس الهوية وتشويهها، ومحو الوجود والانتماء الذي يمارسه حق القوة، بأساليب خطيرة ومتعددة وغير مشروعة، تتصدى قوة الحق بما تملك من إمكانات ووسائل مشروعة لحق القوة الغاشمة· 
وهذا ما حدث للشعب العربي الفلسطيني الذي لم يتعرض شعب مثله في التاريخ لمحاولات إبادة شاملة منظمة، وطمس لذاكرته وتزييفها وإلغائها من الذهنية العالمية، واعتبار كل ما أنتجه من حضارة إنسانية زاهية، خلال تاريخه الطويل، نتاجاً (إسرائيلياً)· 
فقد أزيلت القرى الفلسطينية من الوجود، وألغيت أسماء الجبال والأودية والأنهار والمدن والسهول والمواقع العربية، واستعيض عنها بأسماء عبرية مصطنعة· 
ويحاول الاحتلال الإسرائيلي تدمير المؤسسات التعليمية والثقافية ومراكز البحوث العلمية والمعلومات وخاصة الجامعات، وتدمير العقلية العلمية وتجهيل أبناء الشعب العربي الفلسطيني، وذلك عن طريق الإغلاق القسري للمؤسسات التعليمية، وعلى رأسها الجامعات الفلسطينية كجزء من الحملة الصهيونية لطمس الحقائق في فلسطين ومحاولة إثبات مزاعم الصهيونية· 
فهب الشعب العربي الفلسطيني كله، يشرح قضيته، ويعمل على تنوير الرأي العام العربي والدولي بحقائقها، وإظهار الحق العربي في فلسطين، وابراز دعائمه التاريخية والقانونية والسياسية والقومية· واستخدم لذلك وسائل متعددة مشروعة· 
حيث تصدت الجغرافيا والهوية وعلماء فلسطين ورجالاتها والمدارس والجامعات والمكتبات والأرشيف ووقفيات الكتب والمكتبات والمكتشفات الآثارية لهذا التزييف، وأظهرت الجانب الثقافي والمعرفي والاقتصادي والاجتماعي والعمراني المتطور الذي يمثل ذاكرة الشعب الفلسطيني المتجذر في أرضه منذ وجد الإنسان· 
أما القدس أولى القبلتين، ومسجدها الأقصى ثالث الحرمين الشريفين، وفن عمارته العربية الإسلامية، فهي أكبر شاهد تاريخي على الحق العربي، وأبرز معالم الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال الاسرائيلي· ولذلك فهي هدف لمحاولات إسرائيل الرامية إلى تهويدها، ونسف مسجدها الأقصى وتدميره· 
وشاركت وثائق بيت المقدس وخاصة سجلات المحكمة الشرعية والسجلات العثمانية، وبيت الشرق الذي يعد أحد المعالم الهامة في القدس سياسياً وثقافياً ومعلوماتياً في الدفاع عن عروبة القدس ضد حملات التضليل والإنكار والتزييف التي تمارسها إسرائيل· 
وساهمت النقود المعدنية والورقية الفلسطينية والطوابع والختم البريدي كوثائق تبرز تطور المدن والممالك القائمة في العهود الخالية، في إثبات الحقائق العربية، وإعادة كتابة التاريخ الحقيقي للشعب الفلسطيني بعيداً عن الزيف الصهيوني· 
أما ذاكرة الوطن الشفوية فكانت جزءاً هاماً من تاريخ القضية الفلسطينية، حيث واكبت الشعب الفلسطيني في مراحل حياته، وكانت رصيداً وطنياً هاماً توارثته الأجيال اللاحقة وحرصت على التمسك بالحق في الأرض والدار، حيث الوطن الفلسطيني هو الحلم الفلسطيني الأكبر الذي لابد من تحقيقه· 
وبرهنت الأغنية الشعبية كجزء من تراث الشعب الفلسطيني وذاكرته، على أصالة هذا الشعب ومدى التصاقه بوطنه وأرضه وامتداد جذوره فيها وبمن حوله من المحيط العربي· وأخيراً، يبقى الشاهد الأساسي التاريخي على عروبة فلسطين هذا الصمود البطولي لشعبها العربي الذي سطر عبر تاريخه الطويل ولا يزال يسطر بانتفاضته الباسلة أروع ملاحم التضحية والصمود والتمسك بالحقوق الوطنية وعدم التفريط بها· 
ووفاء من النادي العربي للمعلومات لتضحيات شعب فلسطين، وصموده الأسطوري، وانسجاماً مع توجهات النادي وحرصا ً منه على أن تبقى في الذاكرة الإنسانية قضية العرب الأولى (فلسطين) فقد خصص هذا العدد من مجلته (العربية 3000) للحديث عن ذاكرة شعب يقاوم من خلال المكتبات والمؤسسات التوثيقية في فلسطين وكل أشكال الحياة، التي تصارع أعتى القوى العالمية، من أجل إبراز قوة الحق الذي يشهد أن فلسطين منذ أن سكنها الإنسان، كانت وما تزال ملكاً لأصحابها العرب الفلسطينيون وأن أي احتلال لها مهما طال، سيبقى عابراً· 
وقوة الحق هذه التي يؤمن بها شعب فلسطين هي التي تتصدى اليوم لحق القوة الذي تمارسه الحركة الصهيونية وإسرائيل وكل القوى المؤيدة لهم· 

رئيس النادي العربي للمعلومات
    د. عبد المجيد الرفاعي

المصدر: دليل المجلات العلمية
  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 251 مشاهدة
نشرت فى 1 أغسطس 2010 بواسطة altaebabdo

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,434