صحفي موريتاني يروي تفاصيل أختطافه والإ عتداء عليه من طرف الشرطة
ما في الأمر أكبرُ مما فيه
فرغت من عملي حيث أعمل، وتوجهت -كالعادة- إلى حيث أقيم، وطريقي المعتادة تمُرُّ بي على ملتقى طرق العيادة المجمعة (بوليكلينيك).
عندما تجاوزته اليوم قليلا، عاينت سيارات مكافحة شغب وهي قادمة من الناحية الشرقية، وفجأة أقبلوا علي أن اركب اركب، فعرفتهم على عملي كصحفي وسألتهم لماذا أركب؟ فدفعوني في اتجاه السيارة وركبت.
خاطبني أحد أفرادهم قائلا إنهم في دورية عادية في المدينة ترصدا للمجرمين، فأخبرته أنني أعرف المنطقة وأحيانا أمر منها خلال الغسق الأخير من الليل الثالثة فجرا ولا أحس لهم أي أثر، فأخبرني أن هذه الدورية يقومون بها أحيانا لمفاجأة المجرمين.
توقفوا قليلا وخرج سائق السيارة -ويبدو لي أنه قائد الدورية- فخاطبهم مشيرا إلي، هذا الشخص بالذات يجب ألا ينزل، وكأنه مسموح للآخرين بالنزول!
ليس في بقية الرحلة شيء كبير يهم حتى وصول المخفر، وكانت سيارات لهم قد دخلت وهي تقل العشرات قبل وصولي السيارة التي تحملني، وكلهم أدخلوا، إلا سيارتنا قيل لمن نزلوا منها أن يعودوا إليها قبل أن يؤمروا بالنزول ثانية.
كان قد جمعني طوال الرحلة حديث جانبي مع أحد الشرطيين معي في الخلف، وبينما كان زملاؤه يعيدون رفاقي في السيارة إليها، أشار إلي بالتوجه إلى الشخص الذي كان يسوق السيارة -ربما هو قائد الفرقة- وعندما هممت بالتوجه إلي، أقبل علي على الأقل عشرة أفراد منهم دفعة واحدة، فقلت لهم إن زميلهم من أشار إلي بالتوجه إلى ذلك الشخص.
تدافعوني بالنهر والزجر والدفع بالأيدي، وفجأة تسلل عنصر منهم من بعيد واعتدى علي بالضرب على الوجه، ثم استمروا بدفعي إلى الداخل، عرفتهم بعملي ثانية وقلت لهم مرارا أنتم مجموعة وأنا فرد، وأحدث الأمر بلبلة أخرجت إلي شخصا كان طيبا للغاية مختلفا عنهم بالكامل، أعتقد أنه رئيس قسم بالمفوضية.
سأل ما الأمر فعرفته على نفسي، ثم استدعاني إلى أحد المكاتب، واعتذر لي عما حصل، ودلني على مكان الوضوء -بمحض تكرم منه- وأعطاني سجادة صليت عليها، وأحسن معاملتي وعبَّر عن خلقٍ رفيع، وبعد دقائق كرر فيها الاعتذار مرارا أخبرني أن بإمكاني الذهاب.
تلك باختصار هي رحلتي هذا المساء، وإن كان من ملاحظات فهي:
-أن المواطن يحتاج الأمن نعم، لكن الخروج في وضح النهار في شارع مأهول بالناس (ماه امبدية اظويگه امظلمة) وانتقاء أشخاص منهم من كان واقفا على طاولته يبيع ما يجمع منه قون يومه، والعامل البسيط القادم من عمله، ليس الطريقة المثلى لإعادة الأمن.
-أن من أفراد الشرطة من يعمل عكس الخط الذي تتبناه الدولة رسميا، فلقد كان لي الشرف بأن درسني في جامعة نواكشوط رئيس للآلية الوطنية لمكافحة التعذيب، فليس في إساءة الخلق في مواطن بريء واستفزازه ثم ضربه من بين من يفترض أنهم الساهرون على أمنه، ما يخدم هذا الخط والتوجه.
- أن لكل قاعدة استثناء، ولقد كان الاستثناء هذا المساء السيد الذي استقبلني في مكتبه، فلقد كان على خلق رفيع، شهادةً مني أحتفظ له بها على هذه الصفحة.
ساحة النقاش