أنواع القصة القولية الروائية
- القصة القصيرة
- القصة الروائية
- القصة الملحمية
- القصة القومية
* أولا القصة القصيرة
تدور حول شخص أحدث حدثا بديعا مثيرا مشوقا أو مرعبا فجًّا غليظا مقنعا، فى مكان ما وزمان ما، له حاجة يريد أن يحصل عليها ، وهدف يريد تحقيقه من أجليهما فيحدث حدثا أو يقع بسببه حادثة ، وبما أن الإنسان مقدر عليه الابتلاء فسيمتحن فى حاجته وصلابة هدفه ، وعليه لابد أن ينجح ويواصل طريقه ، وهو حتما لا يعيش بمفرده بل فى وسط آخرين وربما لهم نفس الحاجات أو يختلفون ، فينشأ صراع فيعترضونه ، ويصارعونه ، ويحاول التغلب عليهم فيزل ويعانى بسبب هذه الزلة ويتعطل هدفه ويصعب عليه حاجته فتتعقد السبل تعقيدا تاما ، ويحاول قدر جهده التغلب على هذه العقدة ويبذل أقصى ما فى وسعه فلا يستطيع ، إلا أن يمن عليه الله بانفراجة من عنده ، فتتيسر أمامه الطرق ويجتهد أيما اجتهاد وينتصر على مصارعيه ويحقق حاجته ولكن يقف له المصارعون بالمرصاد ، فيمن عليه الله بيسر من تعرف على آخر من بين مصارعيه أو من غيرهم يكتشف حقيقته ويساعده فى بلوغ هدفه ، وعندها يستطيع أن يقرر رأيا من خلال تجربته ، ويدلى بحقيقة عامة من خلاصة ما أحدثه وانتصر وتفوق به فتكون النهاية.
أسس القصة والرواية والملحمة
تتكون من سبع أسس لا غنى عنها لأى قصة :
البداية – الابتلاء – الزلة – العقدة – الانفراجة – التعرف - النهاية
1- البداية
ما من شىء فى الدنيا – غير الله - مخلوق إلا وله بداية ، وأيضا ما تصنعه أنت من قصة فعلية ، أو تكتبه من قصة قولية ، لا بد له من بداية
والبداية تتكون من : بداية - ذروة - نهاية
منذ بدء أحداث القصة ولا شىء يسبقها ، وفيها نعرف ما الموضوع ؟ ما القضية ؟ ومن شخصيات القصة ؟ ومن الشخصية الرئيسية أى البطل ؟ سواء كان إنسانا أو غير ذلك ، المهم أن تكون الشخصية ذاتا واعية لكيانها مستقلة فى إرادتها تتمتع بالاختيار والتفضيل بين الأشياء ؛ لتتحمل نتيجة اختيارها .. ويفضل أن تكون الشخصية إنسانا ؛ لأن الإنسان دون باقي المخلوقات يتمتع بعقل المخ والفهم ، وبالتالي يمتلك الاختيار والتفضيل ويتحمل تبعاتهما ونستطيع الحكم عليه ومحاسبته .. وما حاجة البطل وغايته ؟ ماذا يريد أن يحققه ويناله ويفوز به ؟ وما صفات الشخصيات ؟ وفيها نعرف جميع الشخوص وحاجاتهم ، ويتكشف ويوضح و يخلق الصراع من الحاجات ، ونعرف من جهتا الصراع ؟ وأي الطرق يسلك ؟ وإلى أى قبلة يتجه ؟ والصراع يخلق من خلال تضاد حاجات ألشخصيات ، فكل شخصية تريد أن تفوز وتستحوذ على نفس الشيء . ومن خلال حاجة البطل نخلق الصراع ، وبرغم وجود الصراع إلا أن البطل يواصل طريقه وخط سيره نحو حاجته وهدفه وهو يحاول التغلب على العثرات التي يخلقها له الطرف الآخر.
2- الابتلاء
ما من بشر صالح أو غير ذلك يؤمن بعقيدة سماوية أو لا يؤمن إلا ومبتلى ؛ لأن الابتلاء سنة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل من سنن الله فى خلقه ، أى مختبر وممتحن فى ماله أونفسه ، أوولده أوزوجته أو صحته أو غير ذلك.
وهو عادة حادثة أو حادث يقع للبطل و يؤثر فيه تأثيرا كبيرا ، ولا بد للبطل أن ينجح فيه لا جدال ، وإلا لماذا نسميه ونتوجه بطلا؟ الحدث أو الحادث يجبره على تغيير مسار خط سيره السليم الصحيح الذي يسير فيه باتجاه حاجته التى يريد الحصول عليها وهدفه الذي يريد تحقيقه 0 فإن الابتلاء يقع ليبعده كل البعد عن طريقه ، ويعتبر أزمة كبرى لا يستهان بها ، يجاهد من أجلها البطل جل المجاهدة ، ويبذل فيه أقصى المجهود من أجل التغلب عليه والنجاح فيه.
ويتكون من : بداية – ذروة – نهاية
يجب أن يقع حدث غير متوقع ولكنه حتمي فيغير من سير خط الأحداث وينسجها ويوجهها إلى اتجاه آخر ، عكس حاجة البطل وهدفه ، وبالتالي تأزم الموقف ويصعب على البطل حاجته بأن جعله يغير خط سيره إلى اتجاه آخر مجبر عليه هو لا يريده ولم يكن يقصده ، والطريق الآخر يبعده كل البعد عن حاجته وهدفه
3- الزلة
الزلة غير المقصودة
الزلة غير المقصودة ولا المتعمدة – الغلطة أو الخطأ - هى الباعثة للشفقة والرأفة فينا والمشاركة الوجدانية لمن يعانى وهو لا يستحق هذا العناء0 وهى التى تحدد نوع القصة ، فإن كانت مقصودة تصبح القصة مأساة وبطلها ليس نبيلا وتنتهي بحزن له وفرح لنا ، وإن كانت غير مقصودة تصبح القصة مأسملهاة وبطلها نبيلا وبفرح له ولنا.
الزلة هى الذنب بغير قصد ، وهى الصنيع غير الحسن ولكن بلا سوء نية ، وتعتبر نوعا من التأزم القوى الذي يساعد على خلق العقدة ودرجة من درجاتها 0 وتأتى من الشخصية نفسها .
مسميات الزلة وشروطها :
1- الجرم أو الذنب ، وهو أصغر من الجريمة ، وما دون الرذيلة ، شرط غير المقصودة ، ولذلك لها عفو من الله برفعها عنه منه تعالى من خلال الانفراجة ، التى تعتبر عكس الزلة0 هذا قدر وذاك قدر أيضا0
2- السقطة أى التعثر ، وفى الحديث : لا حليم إلا ذو عثرةِ0 شرط عدم تمام المعرفة وسوء التقدير
3- الهفوة أو الغلطة ، شرط غير المتعمدة ولا المسترسل فيها
4- الخطأ ، شرط عدم سوء النية
مسببات الزلة :
1- الاستعجال أو العجلة ُ لصنيع حسن للناس فلا يكمل على الحسن بل إلى عكس ما انتوى تماما ؛ لصنيعه غير المكتمل
2- الجهل بالشيء و عدم تمام المعرفة ، وقلة الخبرة
3- الاضطراب والقلق وشدة الوطأة
4- النقصان الذي يعترى البشر جميعا ؛ لأنهم لم ولن يصلوا إلى الكمال التام ويعتبر قدرا من الله واقعا لا محالة
5- العجز أى من عدم الوصول إلى الشيء وابتغائه كاملا
6- ضيق النفس بسبب مواجهة المشكلات والعقبات الناتجة عن شدة الابتلاء
7- التعنت أو العناد فى غير محله مما يحمل على الاستكبار
8- التعب والإجهاد المسببان للغيام على العينين فتفعل غير ما تقصد وتنتوى
9- الفلتة وتأتى من غير الروية فى الشيء والسرعة فيه
وتتكون من : بداية – ذروة – نهاية
فيها يتم صنع زلة أو خطأ للبطل تكون سببا فى شقائه ويسبب هذا التأزم الباعث على الشفقة ، والمسببة للتعقيدات والصعاب والموانع التي يواجهها ويريد أن يخرج منها ويجد لها حلا ليكمل طريقه نحو حاجته وهدفه ، فيختلط عليه الأمر ، ولا يمعن التفكير الصائب الصحيح ، وترتبك رؤيته للأشياء ، ولا يحسب حساباته جيدا ، فيتسرع فى الإقدام على خطوة بحسن نية وبثقة أنها خطوة سليمة مجدية فيزل الزلة التى تجلب له مشاكل جمة ، وأزمة كبرى ، وتعقيدا أصعب ، فيناله عقاب كبير يؤلمه ويوجعه ويتضرر منه و يهدد حياته ، وهنا مبعث الشفقة عليه ؛ لأنه صار يواجه مصيرا غير معروف ، وتهدد حياته الفواجع والأخطار والمحن ، وأنه لا يستحق كل ذلك0
الزلة المتعمدة : وتختص بها القصة المأساة السوداء
وفيه تبدأ المواجهة والحزم ومحاولة التغلب على الصعاب ، ومن أولها محاولة حل الحدث غير المتوقع الذي حدث فى نهاية الوحدة الأولى حتى يعتدل الخط وتسير الأحداث نحو خطها المرسوم والمضبوط نحو حاجة البطل ، وما إن تحلها حتى تخلق أخرى وموانع أخرى فى طريق البطل لتزيد من معاناته وصعوبة تحقيق هدفه من أجل خلق جو من التوتر والشفقة والقلق على البطل ، ولسخونة وازدياد الصراع وإحمائه إلى أعلى درجة ممكنة ليخلق بداخلنا شفقة عليه ، مع المحافظة على جعل النتائج المترتبة على هذه الأحداث وتلك الموانع حتمية الوقوع أو محتملة ، وأن تجعل الشخصيات لديها قدر معقول من الاختيار حتى تتحمل نتيجة اختيارها ، لأن نتيجة الاختيار هى التى ستجعلنا نتعاطف مع البطل أو نلقى باللوم عليه ونتشفى فيه ، إنما لو لم يكن أمامه اختيار فكيف نحاسبه وكيف نلومه حتى وإن فشل ، مادام لا يملك الاختيار وهو مجبر على السير فيما هو مقدر عليه ، من قبلك أنت أيها المؤلف لا من الله ، وهذا عكس الواقع والحقيقة ، من أن الإنسان يمتلك حرية الاختيار إلا فى أشياء مقدرة عليه من الله ولا فكاك منها على الإطلاق لأى إنسان مهما كان ، ومنها الابتلاء .
وتنتهي هذه الوحدة أو الفصل بنتائج غير مطمئنة لأننا نشعر ببداية انغلاق الحلول والطرق فى وجه البطل ، وأنه مقدم على مصيبة كبرى وبلية عظيمة ، من خلال الشخصيات المجابهة له التى تعد له المؤامرة تلو المؤامرة ، وتغلق أمامه الأبواب ، وتضع أمامه العراقيل ، وتقف له بالمرصاد ، وتحيك ضده المكائد.
4- العقدة
العقدة بمعناها العام عدم القدرة على الحركة بيسر وسهولة ، وعدم اليسر والسهولة ينتجان من شىء بُذل فيه مجهود ، أو شىء أُدخل عليه فعطله ومنعه حتى تسبب فى التصعيب والتعقيد ، وفى القصة حدث يأتى من الابتلاء والزلة فهما ينتجان التصعيب والتعقيد للحدث المنطلق أصلا بيسر وسهولة ، فتشل حركته وتقيد قدرته وتحد من حركته ولا تكون غير العقدة ، وهى ما تتوسط أشياء قبلها وأشياء بعدها ، وتعقد بينهما برباط قوى كعقد الخيط الرفيع ، وكأن خط الأحداث عبارة عن خيط رفيع له طول معين ، يبدأ من البداية يتم تعقيده عقدة بالابتلاء ، تتلوه عقدة بالزلة ، حتى الوصول إلى الذروة أى التعقيد القوى الكامل التام ، ثم بعدها سلسلة من فك هذه العقدة الواحدة بالانفراجة ، يتلوها التعرف حتى يعود الخيط فى النهاية وقد حلت عقده ، وما يحل هذه العقد هى الحبكة وتتكون من : بداية – ذروة – نهاية
الوصول من مجموع الأحداث والموانع والعوارض السابقة إلى التعقيد التام وفيها يحتار القارئ أو المشاهد ويتحد مع البطل ويفكر معه فى كيفية الخروج من هذه العقدة المستحكمة.
فى الأغلب الأعم يأتى حل العقدة من الله عن طريق الانفراجة واليسر، وهنا يأتى دور جودة الصنع أى الحبكة فتلجئه وتلجئنا ( نحن) إلى الله ، ويعد ذلك ذروة ما تصنع.
5- الانفراجة
الانفراجة تتكون من : بداية – ذروة – نهاية
يقصد بها وقوع الحادثة أو الحدث بعيدا ، ولكن للبطل دخلا فى حله ، وهو الذي يسبر أغواره ، ولذلك يتسبب فى العودة من الاتجاه غير الصحيح الذى أجبر البطل على سلكه ، إلى الاتجاه الصحيح المبشر الذي يشعر منه البطل أنه اقترب من الوصول إلى هدفه وتحقيق حاجته ؛ لأنه عاد إلى الخط المستقيم والطريق السليم الذى رسمه لنفسه من البداية ، وأجبره الابتلاء على تغييره ، ومبنى أيضا على الاحتمال أو الحتمية ، وأنه يسير فى الطريق المقرب الصحيح وتكون البشارة – النجاح فى الاختبار - للبطل نفسه بنفس القدر من البشارة للمتابعين أقصد بهم نحن.
6- التعرف
هنا أى تعرف ينقلنا من الجهل بالشيء إلى العلم به ومعرفته وهو من أهداف التعرف ،وتحقيق التحول من الجهل إلى العلم ، ومن الكراهية إلى الحب ، ومن الفعل إلى عكسه الخ0المهم أن التعرف يقود إلى تحول من الأسوأ إلى الأحسن بكل ما تحمل من معان ، لأن المحك أن البطل مأزوم ، ويُصنع التعرف ليحل له هذا التأزم ، أو على الأقل ييسره له ويعينه لا أن يصعب عليه.
7- النهاية
لا تكون النهاية بالقتل أو الموت ، لأن القصة تبنى بشخصيات أى بشر ، سواء تروى عنهم قولا ، أو هم بشر يمثلون مشاهد القصة عن بشر مفترض أنهم حقيقيون فأنت تتكلم وتستعمل بشرا ، وما داموا بشرا متخيلين أو حقيقيين يسرى عليهم ما يسرى على البشر جميعا0 وهذا ليس شرطا لموت أو قتل البطل فى نهاية القصة ، لا أنا أدلل وأبرهن على أن كل شىء له نهاية ، ولكن القصة قصتك اكتب نهايتها كيف تشاء على النهايتين الحساب والعقاب المفروضين من الله على عباده.
الإنسان بدايته عند مجيئه إلى الدنيا ضعيفة، ثم بلوغه مرحلة القوة والنضج إلى ذروتها وأوجها فتكون تلك هى قوة الوسط ، أو قوة الذروة ، ثم بعد ذلك يكبر شيئا فشيئا وتفتر قواه وتضعف حتى يموت وتكون النهاية، والمخلوقات جميعها شأنها شأن الإنسان0حتى الحضارات العظيمة كلها يجرى عليها نفس الناموس ، نفس القدر حتى الحضارة الإسلامية لم تسلم ولم تستثن من هذا الناموس أو هذه القاعدة الواجبة المفروضة التى لا فكاك منها .
وفيها يجب إيجاد حلول لجميع العقد ولجميع الشخصيات ، ونهايات محددة مغلقة لجميع الأحداث وليست نهايات مفتوحة ، وأن تكون النهايات مزدوجة فالأشرار ينالون العقاب ، والأخيار ينالون الثواب أى السعادة ،
بأن يصل البطل إلى حاجته ويحقق هدفه
واما يفشل ، وإما يموت 0 والفشل أو الموت ليس من العقاب فى شىء 0 ولابد أن تكون النهاية قوية ومؤثرة ومحددة.
نموذج للقصة القصيرة من القرآن
قصة هابيل وقابيل
البداية
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً …[المائدة]حدث مثير ومشوق ومدهش ومفزع ، قابيل يريد أن يتزوج من أخته من بطن واحدة ، وهى لا تجوز له ومحرمة عليه ، حيث الشرع آن ذاك كان يبيح زواج الإخوة من غير بطن واحدة ، وقابيل هو الأكبر من هابيل وأخته أحسن وأجمل ، فأراد قابيل أن يستأثر بها لنفسه عن أخيه هابيل الذى يريد الزواج منها وهى تحل له ، وأمر آدم أن يزوجه إياها فيرفض لأنه مخالف لشرع الله . وأمام إلحاح وتهديد قابيل يطلب منهما أبوهما أن يقربا قربانا لله ومن يتقبل الله قربانه فيتزوج منها وعلامة قبول القرابين - آن ذاك - أن تنزل نار من السماء فتأكلها.
الابتلاء
( فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة] يقدم قابيل حزمة من أردأ زرعه ، ويقدم هابيل جذعا سمينة من أحسن غنمه ، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل مما يعنى أن الله تقبل قربانه ، بينما النار لا تأكل قربات قابيل ، وهى علامة لعدم تقبل قربانه من الله وهى إشارة إلى سقوطه فى الاختبار ، يغضب قابيل وينوى الشر لأخيه ويتوعده، ويتهم أباه من أنه دعا لهابيل دونه ولذلك تقبل منه ولم يدع له لذلك لم يتقبل الله قربانه ، فيبلغ الغضب مبلغه بقابيل ويقدم على …الزلة{لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ .. إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ }المائدة29 ، 28] قابيل يترصد بأخيه ويقول له بحقد وغيظ وغضب : تقبل منك ولم يتقبل منى ، فيقول له هابيل : إنما يتقبل الله من المتقين. قابيل يريد أن يقتل هابيل ، وهابيل بحسن نية يذكى بداخله نار الغيرة والغيظ ويقول له إفراطا فى المسالمة التى تغيظ وتغضب أخاه لئن مددت يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدى لأقتلك ، يفرط هابيل فى السلم والخير والتسامح وهو من غير قصد يشعل نار الحقد والحسد والشر و العدوان فى جوف أخيه ، ويقول له: أنا لا أريد مقاتلتك مع أنى أشد منك وأقوى ولكني لا أريد أن أكسب ذنبا ، فإنى أريد أن تتحمل أنت ذنبي وذنبك ، فيبلغ الغضب مبلغه بقابيل وتدفعه النفس الأمارة بالسوء والشر ويقدم على قتل
الزلة
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ }المائدة30 [المائدة]قابيل يترصد بأخيه ويقول له بحقد وغيظ وغضب : تقبل منك ولم يتقبل منى ، فيقول له هابيل : إنما يتقبل الله من المتقين0 قابيل يريد أن يقتل هابيل ، وهابيل بحسن نية يذكى بداخله نار الغيرة والغيظ ويقول له إفراطا فى المسالمة التى تغيظ وتغضب أخاه لئن مددت يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدى لأقتلك ، يفرط هابيل فى السلم والخير والتسامح وهو من غير قصد يشعل نار الحقد والحسد والشر و العدوان فى جوف أخيه ، ويقول له: أنا لا أريد مقاتلتك مع أنى أشد منك وأقوى ولكني لا أريد أن أكسب ذنبا ، فإنى أريد أن تتحمل أنت ذنبي وذنبك ، فيبلغ الغضب مبلغه بقابيل وتدفعه النفس الأمارة بالسوء والشر ويقدم على قتل أخيه ويقتله ، ويصبح من الخاسرين ؛ لأنه خسر أخاه الوحيد ، ولا يعرف كيف يتصرف فى جثته ويصبح فى...
العقدة
ويصبح فى حيرة شديدة وعقدة كبرى ما لها قرار ولا حل ، إذ إن القتل يعد أول حادثة قتل تقع فى الدنيا ، فمن الطبيعي أن يحتار قابيل فى كيفية التصرف فى جسد أخيه ، ويقول يا ويلي ويا هلاكي كيف أتصرف ؟ وهو يندم على عدم معرفته واهتدائه إلى دفن أخيه ولكن الله ذو فضل على العالمين وإكراما للمقتول بظلم - أو بحق - يفرج عن القاتل حتى لا يمتهن جسد المقتول ، الذي كرمه الله حيا وها هو يكرمه ميتا – إنها أول مرة يقتل إنسان على ظهر الأرض- وتحدث…
الانفراجة
يفرج الله عنه ليسخر منه ويبين له جهله ، عندما يقع حادث بعيد عنه ولكن له صلة ما به يكون سببا فى انفراج عقدته وما يقابله من صعاب {فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ ...[المائدة 31] بأن يبعث الله غرابين فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر ، فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر ، ثم دفنه فيها وواراه الثرى .
التعرف
( قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي ...} [المائدة 31] يستلهم قابيل الدرس ويعرف كيف تصرف الغراب مع الغراب الآخر الذي قتله ، ولذا تعجب كيف له و بهذا العقل –عقل المخ - لم يتوصل إلى هذه المعرفة ، ومن التعرف غير المباشر بما فعله الغراب تعلم قابيل ، ويجد الحل وتكون …النهاية[ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ] [ المائدة 31] ويحفر ويدفن جسد أخيه ويواريه التراب الذي سولت له نفسه وشيطانه بقتله ، فى أول مأساة إنسانية سوداء.
الاستنتاج
1- أول ما يستلفت النظر فى القصة القصيرة أنها تتكون من حدث واحد كامل تام عظيم لتؤدى حاجة واحدة وهدفا واحدا ، لا يعتمد على وحدة الزمان ولا وحدة المكان ، ولكن وحدة الحدث ، وإنما يتجلى الفارق فى طريقة القص التى تعتمد على الاختصار الشديد الموجز المؤدى للمعنى دون إفراط فى الوصف ولا إسهاب فى التصوير ، ولا ترهل ولا رتابة فى السرد ، ولا إسهاب فى الوصف للشخوص ، والأماكن والأقوال02- لم تعتمد مكونات القصة على الوحدة الكاملة للحدث الكامل المكون من بداية وذروة ونهاية0 بل منها ما تكون بداية فقط ، ومنها ما تكون ذروة فقط ، ومنها ما تكون نهاية فقط ، أى اعتمد على ما يسرع بالحدث للوقوع الفعلي العاجل مما يفيد السرعة والاختصار0 3- حدث التغير من السعادة إلى الشقاء عند منتصف القصة ، وهو الحالة الوحيدة الصحيحة لما يجب تناوله لشخصية صاحب النفس الأمارة بالسوء ، تلك الشخصية التى تستهوى جميع المؤلفين بدعوى أن الصالح ليس بمثال ممتاز للتناول ليكون بطلا للقصة لأنه صالح ومفروض أن يكون كذلك ، وهذا ليس صحيحا على الإطلاق ، فكيف يبتلى إلا زيادة فيما هو فيه من نعم حرام ؟!! وكيف سيزل أى يأتى الغلطة وهو يعيش فى الغلط كله بل الخطيئة كلها ، اللهم إلا أن تزيده الزلة علوا وتجبرا وطغيانا ؛ لأن الله عندما يغضب على عبده يزيده فى السوء ويزينه له ، ويزيده فيه ويطمس على قلبه ويختم عليه فلا يعرف الحق بعد ذلك أبدا ، وعجبا للمؤلفين الذين يلجئون فى حل مرض لنهاية هذه الشخصية أن تحدث له مصيبة كبرى تجعله يستفيق ، ومن ثم يتوب ويحاول أن يصلح ما أفسده ولكن بعد ماذا أيها المؤلفون ، فى نهاية القصة ؟!! ما تلجئون له من فعل يعد صحيحا أن يكون فى الوحدة الثالثة من وحدات القصة أى عند الزلة لمن لا يتذكر؟!! 4- حدث التعرف غير المباشر مابين قابيل والغراب ، تعرف بالاستنتاج الصحيح0 حدث التحول من حالة الجهل بالشيء إلى العلم به ، كان يجهل دفن الموتى ، إلى معرفة الدفن05- التحول من الكراهية إلى الحب ، كما هو مفترض ، وهنا تأتى صعوبة التحديد ؛ لأن أحد الطرفين حيوان ، فلا نستطيع أن نجزم إن كان قابيل أحبه أم لا ، مع أن المفترض الحتمى أن يحبه ؛ لأن الغراب ساعده أيما مساعدة فى الخروج من ورطته06- تحققت الانفراجة والتعرف ،مع أن الفاعل – قابيل – قاتل عاص مجرم مذنب ظالم حاقد يحق عليه العقاب ، ومع ذلك فرج الله عنه كربه ، وساعده فى الخروج من العقدة التى أغلقت أمامه جميع الأبواب ، ويسر له التعرف على الغراب الذي علمه ، ولكن ليسخر منه ويعرفه جهله ونقصانه0 7- تحققت أكبر قاعدة مأساة مؤثرة ، ألا وهى أن يهم المحدث بحدثه المفزع ، وهو يعرف من سيقع عليه الحدث ، ويعرف حقيقته ، ومع ذلك يتم الحدث المفزع المؤلم 0 تحقيق الحدث المفزع بين من كتب عليهما المواجهة وإتمامه هو بدرجة ما من الامتياز والحسن فى المأساة فقط وبطلها من أصحاب النفس الأمارة بالسوء0 ولكن التوقف فى اللحظة المناسبة يظل هو الأفضل الممتاز على الإطلاق ويكون فى المأسملهاة وبطلها من أصحاب النفس المطمئنة أو اللوامة؛ لأننا فزعنا وخفنا ولكن بعد ذلك عند التوقف سعدنا وفرحنا وهما أكبر مطهرين ومخلصين لنا من المخاوف والآلام ، والسعادة والفرح علاج نفسى0 8- الاعتماد على وحدة وكمال وقوة الحبكة والصراع والتغير 09- توفر المكان والزمان والأحداث. 10- لم يقرر البطل رأيا صالحا ، ولم يقرر حقيقة عامة ، بل قررهما الطرف الآخر من الصراع وهو الخير التقى المؤمن بالله هابيل ، حيث يقول: من يقتل نفسا ظلما وعدوانا بغير حق فإنما إثمه على الله وهو الرأي العام : لا بد من الخوف من الله قالها هابيل الذي قتل ، فى أكبر درس لنا ولك أنت ؛ فليس من حق إنسان سيئ مترد فى الرذيلة أن يدلى برأي أو يقرر حقيقة ، غير رأى واحد ليس غير وهو الخسارة وحقيقة وهى الندم ؛ لأنه مخطئ ، وهذا يفهم فى سياق القصة التى نحن بصددها ، أن قابيل خسر و ندم ولكن التقرير لم يأت منه هو ، ولكن قررهما صاحب القرار الأعظم الحق العلى القدير الله تبارك وتعالى ، ومادام الله قرر علينا شيئا فلابد أن نطبقه ، وتطبيقه يأتى لما سبق قوله من ندم وخسارة على ما تسوقه أنت من مثال لبطل سيئ مكروه ومرفوض لأن يكون بطلا وليس بمثال صحيح . وستردون قد جاء فى قصص القرآن ، نعم ولكن بشرط ، لاحظ أن التغير حصل عند منتصف القصة لا آخرها عند النهاية كما يكتب الأدباء الآن سواء فى الرواية أو المسلسل ، وسيقولون إن الشر انتصر ولكن اعلم أن ذلك حدث فى بدء الخليقة لكى يعلم الله الإنسان آن ذاك ، لا الآن ، وقد أتم سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - رسالته وعرفنا وتعلمنا منها كل شىء ولم يصبح لبشر بعد ذلك أى حجة على الله من أنه بقى شىء منقوص لم يتعلمه بعد ، فرسالة الإسلام من ضمن ما بها أنها رسالة خاتمة تامة علَّم الله بها جميع الخلائق ما يريد تعليمه وإخباره لنا نحن البشر ، وليس لأحد بعد ذلك حجة على الله ، حاشا لله . 11- إن قابيل الذي تمكن منه شيطانه وانتصر للحسد والحقد والغيرة وقتل أخاه شعر بالندم لهذه الفعلة النكراء. وإنى أختلف مع كل المفسرين الذين قالوا إن قابيل لم يندم على قتل أخيه ، لا وألف لا ، بل ندم أشد الندم ، والدليل الأول: يأتى من تقرير الله تعالى إذ حكم عليه أنه من الخاسرين ، ثم حكم عليه أنه من النادمين ، وهنا يتجلى إعجاز القرآن من التشابه والمثانى ، حيث هنا مثانى فى الصفات نوعها تقابل مفرد بين الخسارة والندم ، وأداة ربط المثانى ( فَأَصْبَحَ) فكما تنصرف الخسارة على قابيل ، ينصرف عليه الندم أيضا ، ومن العقل عقل المخ الذي يوافقه عقل القلب عندي - إذا جاز لنا القول - إن الخسارة لأى واحد منا لابد أن يتبعها ندم ، والندم أقل درجات الحساب . الدليل الثاني من المفسرين أنفسهم الذين قالوا وأقروا أن قابيل حمل أخاه فوق ظهره سنين طويلة لم يتفقوا على عددها ، حيث ذكر ابن كثير وقال : ذكر بعضهم أنه لما قتله حمله على ظهره سنة وقال آخرون حمله مائة سنة ، ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين والسؤال الحتمى – متولد من قولهم - لماذا حمل جيفته فوق ظهره طوال هذه السنين؟ ولماذا كان يبحث عن كيفية المواراة أصلا؟ ولماذا بعث الله له الغراب ليتعلم منه ؟ ولماذا اهتدى مما أرسله الله له من تعلم ؟ كل ما سبق يؤكد أن قابيل ندم على قتل أخيه وحاول أن يستر جسده حتى منَّ عليه الله وستره فى التراب ، إن لم يندم قابيل على قتل أخيه فلماذا عانى وتعب وشقي وحمله فوق ظهره – كما أقر هؤلاء المفسرون أنفسهم ؟ ولم يتركه فى الصحارى تأكل جيفته الطير أو وحوش البرية ؟!!! ثالثا : إن القتل هنا كان قدرا على قابيل لا اختيار فيه ؛ لأن الله أراد أن يعلم هذا المخلوق الجديد وهو الإنسان الذي لتوه يعيش فى دنيا لأول مرة يعتمد فيها على نفسه ؛ حيث كان آدم وحواء يعيشان فى الجنة مرغدين منعمين – ولذا أراد أن يعلمنا كيفية التصرف عند الموت ؛ لأن أحدا قبل هابيل لم يمت ، فأوجب الله على نفسه أن يعلمه و نتعلم نحن منه ؛ ولذلك كان مقدرا على هابيل القتل ، ومقدرا على قابيل أن يكون القاتل ؛ وكان قدرا لله حتى قبل أن ينزل آدم إلى الأرض - قدر على بعض ذريته الفساد والقتل ، ولم يذكر الموت بعد ؛ لأن الموت مقدر على كل الخلائق عدا الخالق ولذلك أعطى سببا للموت أوله القتل لم يكن الإنسان آن ذاك يعلمه قابيل - ولذا لم يذكره إلا بعد أن صار معروفا . بالقلب والمخ والمنطق والغريزة والفطرة السليمة، كيف لا يندم قابيل على قتل أخيه ، وقد خسر والخسارة لأى إنسان كفيلة بأن تجعله يندم . مهما كان الخلاف ومهما كان الحقد ومهما كان الحسد حتما نادم نادم لا محالة ، وأنا لا أعرف كيف انصرف تفسير المفسرين على الندم من أنه لم يتوصل بمعرفته وعقله ولم يهتد إلى الدفن كما عرف الغراب الذي لا عقل له ومسخر من الله لا مخير ، ولم ينصرف إلى الندم على القتل ، لو توصل قابيل إلى الدفن بعقله لم يكن أصبح الدفن عقيدة ، لأن ما سلف نتاج العقل فقط – عقل المخ – ولم يكن لعقل القلب تصديق عليه وحكم ؛ لأنه إذ ذاك لم يكن فى القلب عقيدة ثابتة أعلمها له الله أو علمها من أبيه آدم ، ولكي يجعلها الله عقيدة ساق له الغرابين – وهذا من فعل الله – لكى يلقى فى قلب قابيل عقيدة وهى دفن الموتى، أيندم قابيل على خطأ صغير ، ولا يندم على خطيئة كبرى !! هل هذا معقول ، سيقولون إن الندم أولى بوادر التوبة وأقول نعم ولا أخالفهم ، ولكن هل كل نادم وكل تائب متقبل توبته ؟؟!! ومعصوم من غضب الله وعقابه ؟؟!! فمن الممكن أن ينزل الله عقابه على التائب وهو بذلك يكون نوعا من قبول التوبة عليه. عندما عبد بنو إسرائيل العجل كانت توبة الله عليهم نوعا من العقاب أن يقتلوا أنفسهم كان ذلك شرط التوبة ، وبذلك يتضح أنه لا الندم ولا التوبة شرط ليقبلها الله ، ولا هى شرط بمفازة من عذابه ، والله أعلم.هذه القصة تسمى المأساة السوداء ، وهى أحدى انواع المأساة ، ولا يكون بطلها إلا من أصحاب النفس الأمارة بالسوء.
ساحة النقاش