إن في المال لحقا سوى الزكاة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد :

فالزكاة حق ، وجب شرعاً للفقراء والمساكين أن يتقاضوه من أموال الأغنياء وهذا الحق يبدأ بفئاتها المعروفة  على النقدين والأنعام و الزروع و التجارات ، وقد بين القرآن  الكريم أن أداء الزكاة من سمات البررة ، وإنه مجلب لرحمة الله تعالى قال تعالى :( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) و (البقرة: من الآية177) . وقال تعالى : ( وَوَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ) رَ(لأعراف: من الآية156) .

غير أنه قد تزيد فئات هذه الحقوق ولا يفي مال الزكاة ومن ثم كان هناك حق في المال سوى الزكاة ؟

أولاً : فى المال حق فوق الزكاة :

قال أبو محمد بن حزم : " 

وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ، ويجبرهم السلطان على ذلك وإن لم تقم الزكوات بهم ، ولا في سائر أموال المسلمين بهم ، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه ، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة . قال تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) (الإسراء: من الآية26) وقال تعالى : ( ووَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) يْنِ (النساء: من الآية36) .

فأوجب تعالى حق المساكين ، وما ملكت اليمين ، مع حق ذى القربى وافترض الإحسان إلى الأبوين وذي القربى والمساكين والإحسان يقتضى كل ما ذكرنا ، ومنعه إساءة بلا شك " المحلى لأبن حزم 6 / 156 .فإذا لم يف مال الزكاة بحقوق الفقراء جاز لولى الأمر أن يأخذ من مال الأغنياء بقدر ما يسع الفقراء .

ثانياً : أنواعه :

هذا الحق نوعان :

أو لهما خاص بالأهل والأقربين واليتامى والمساكين قال تعالى : ( ْيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌأ) (البقرة:215) ، وقال تعالى : ( ... وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ  ) (البقرة: من الآية219)

قال الجوهري :

عفو المال :{ ما يفضل عن النفقة ، وكلاهما جائز فى اللغة } وقال السجستانى :

أي تعطون عفو أموالكم ، فتتصدقون بما فضل من أقواتكم وأقوات عيالكم .

وقد روى مسلم بسنده عن أبى هريرة أن :

رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عندي دينار قال:أنفقه على أهلك ، قال : عندي آخر قال : أنفقه على أهلك قال عندي ثالث قال: أنفقه على ولدك .

النوع الثاني : وهو حق عام ، وهو لا يكون إلا إذا نزلت بالمجتمع حالات اضطرارية تحتاج إلى كثير من الأموال التي يعجز بيت المال عن مواجهتها وهنا جاز لولى الأمر أن يفرض على أصحاب الأموال بقدر ما يسع هذه الضرورة ولا سيما إذا كانت المصلحة عامة قال أبو حامد الغزالي في المستصفى " 17/303 - 304 " { إذا خلت أيدي الجنود من الأموال ، ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر ، وطيف من ذلك دخول العدو بلاد الإسلام ، أو ثورات الفتنة من قبل أهل الشر ، جاز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند ، لأنا نعلم أنه إذا تعارض شران أو ضرران ، دفع اشد الضررين وأعظم الشرين ، وما يؤديه كل واحد منهم قليل بالإضافة إلى ما يخاطر به من نفسه وماله ، وكذلك إذا كان هناك ما يؤدى إلى دفع الشرور وبما يشهد لهذا أن لولى الأمر عمارة القنوات ، وإخراج أجرة الطبيب وثمن الأدوية ولذا قال القرطبى : { اتفق العلماء أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة ، يجب صرف المال إليها ، وقال مالك : يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم } جامع القرآن للقرطبى 2/223 .

وقال العلامة المناوى في فيض القدير : في المال حق سوى الزكاة كفكاك الأسير وإطعام المضطر ، وسقى الظمآن ، وعدم منع الماء والملح والنار ، وإنقاذ محترم أشرف على الهلاك ونحو ذلك .

ثالثاً : الأدلة على هذا الحق :

قال تعالى :

(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومَِ) (المعا رج 24 :25) .

وقال تعالى : (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَم) (المدثر 42 :44).

ومن السنة :

قوله صلى الله عليه وسلم :

" من لا يرحم الناس لا يرحمه الله " لارواه مسلم عن جرير ، قال ابن حزم : ومن كان على فضلة ورأى المسلم أخاه عرياناً ضائقاً فلم يغثه فما رحمه بلا شك

وفى حديث ابن عمر

رضي الله عنه { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه } ، وعن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر" ، وعن أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أطعموا الجائع وفكوا العانى " وعمدة المسألة حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن في المال لحقا سوى الزكاة " رواه الترمذي في سننه .وقد صح عن الشعبي ومجاهد وطاووس وغيرهم كلهم يقول : " في المال حق سوى الزكاة " .وقال عمر رضي الله عنه :

 { لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على الفقراء المهاجرين } " رواه ابن حجر " وكان على يقول : { أن الله تعالى فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفى فقراءهم ، فإن جاعوا أو عروا وجهدوا فبمنع الأغنياء ، وحق على الله تعالى أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذبهم عذاباً أليماً } " مجمع الزوائد للهيثمى 3/62 " .

وخلاصة القول :

فإنه يتعين إذا لم تف أموال الزكاة بمواجهة أعباء المجتمع المسلم وسد حاجاته أن يؤخذ من أموال الأغنياء ما يفي بهذه الأعباء وما يفرضه ولى الأمر لأجل هذا يصير دينا وحقاً مستحقاً وشروط فأما الشروط فهي متمثلة في :

أ - وجود حاجة عامة . ب- عدم وجود سعة فى بيت المال .ج- أن يؤخذ من المال بقدر الحاجة

د- أن يؤخذ بالعدل والسوية  هـ- أن يصرف المال فيما جمع له.( ذكرها الغزالي في المستصفى والجوينى في الغياثى والشاطبى في الاعتصام) .<!--mstheme-->

<!--mstheme-->

        

<!--mstheme--><!--msthemelist-->

<!--mstheme-->

وأما الضوابط :

فهي أن الضرورة تقدر بقدرها ، وأن الضرر الخاص يتحمل لأجل ومنع الضرر العام والضرر الأشد يزال بالأخف ، وأن الضرر لا يزال بالضرر .

ومن ثم كان في المال حق سوى الزكاة سداً للحاجة ودفعاً للضرورة مع عدم إلحاق الضرر الأكبر بأصحاب الأموال حتى لا يتحولوا إلى فقراء .

 

والله تعالى أعلى واعلم ،،،،

 

إعداد/لجنة الدعوة

المصدر: محمد سليم
alber-altkwa

ثورة 25 يناير انتصار لإرادة الشعب المصرى وبداية عهد جديد - نحمل الخير لمصر

  • Currently 73/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
23 تصويتات / 914 مشاهدة

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

824,249

كافل اليتيم مع النبى فى الجنة

عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما ) رواه البخاري قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: [قال ابن بطال : حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك]"
قال الله تعالى : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }البقرة 
                        كفالة اليتيم