تعريف الفساد الإداري:
مفهوم واسع ومطاطي في الوقت نفسه فقد يكون ذلك من خلال إنتشار الرشوة أو المحسوبية أو التزوير أو تعيين الأقارب والأصدقاء في مناصب إدارية لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية, أو يكون ذلك بعدم مواكبة التطوير وتحجيم إدارات بحجة التوفير, مما يعني ثقل كاهل الموظفين في الإدارات الأخرى واستغلال ذلك في الرشوة.
وتتجلى ظاهرة الفساد بمجموعة من السلوكيات التي يقوم بها بعض من يتولون المناصب العامة، وبالرغم من التشابه أحيانا والتداخل فيما بينها إلا أنه يمكن إجمالها بالرشوة والمحسوبية والمحاباة ونهب المال العام والإبتزاز.
وبالرغم من أن الأسباب الرئيسية لظهور الفساد وانتشاره متشابهة في معظم المجتمعات إلا انه يمكن ملاحظة خصوصية في تفسير ظاهرة الفساد بين شعب وآخر تبعا لإختلاف الثقافات والقيم السائدة، كما تختلف النظرة إلى هذه الظاهرة بإختلاف الزاوية التي ينظر إليها من خلالها, وذلك ما بين رؤية سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية، وهو ما يبرر الإختلاف في تحديد مفهوم الفساد. ([1])
إن مكافحة الفساد تستدعي تحديدا لهذا المفهوم كما تستدعي بيانا لأسباب انتشاره في المجتمع، وتوضيح أبرز صوره وأشكاله، والآثار السياسية والإقتصادية والإجتماعية المترتبة عليه، وسبل مكافحته، وبلورة رأي عام مضاد له وبناء إرادة سياسية لمواجهته، وتبني إستراتيجيات لذلك تتناسب وطبيعة كل مجتمع. لذا وجب علينا تحديد مفهوم الفساد.
فالفساد الإداري مفهوم واسع لا يمكن أن يحويه تعريف واحد ولذلك ينظر إلى الفساد من خلال المفهوم الواسع وهو الإخلال بشرف الوظيفة ومهنيتها وبالقيم والمعتقدات التي يؤمن بها الشخص. ولأن الفساد يعد من الجرائم المجهولة ومن الجرائم التي يصعب الوقوف عليها والإتفاق على هذا الامر عادة يكون حذرا جدا ولا يكون مباشرة, ولأن الفساد غالبا ما يكون عن وسطاء والتلاعب بالمال العام لا يكون مباشرا وإنما عن طريق التبرير.
والفساد الاداري بشكل عام له عدة أبعاد وعدة أشكال, وقد ننظر إليه من خلال انتشار الرشوة وانتشار المحسوبية واستغلال المركز الوظيفي والتزوير في أوراق رسمية سواءا في إنتخابات أو التدخل في الإنتخابات أو غير ذلك, ومن الفساد أيضا تعيين الأقارب والأصدقاء في مناصب إدارية ومحسوبية لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية, وأن يكون الشخص غير مؤهل لتولي ذلك المنصب. والفساد الإداري منتشر بشكل عام وله علاقة وطيدة بالفساد المالي. ولأن انتشار الفساد الإداري يؤدي إلى انتشار الفساد المالي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ([2])
فهنالك من يقول بأنه خروج عـن القانون والنظام (عدم الإلتزام بهما) أو استغلال غيابهما من أجل تحقيق مصالح سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية للفرد أو لجماعة معينة، بينما يعرفه آخرون بأنه قيام الموظف العام وبطرق غير سوية بإرتكاب ما يعد إهدارا لواجبات وظيفته فهو سلوك يخالف الواجبات الرسمية للمنصب العام تطلعا إلى تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية.
أما الور قة المرجعية لوزارة التنمية الإدارية، فقد عرفت الفساد بأنه: "عمل يقوم به موظف عام، أو خاص، أو مواطن يتم من خلاله خرق القواعد، والأنظمة، والإجراءات والمبادئ المعمول بها، أو الإنحراف عنها والتي تحكم الإنجاز المقبول للواجبات الوظيفية بقصد الحصول، أو توقع الحصول على عائد، أو ربح شخصي، أو جماعي".([3])
والفساد الإداري هو: إساءة استغلال السلطة المرتبطة بمنصب معين بهدف تحقيق مصالح شخصية على حساب المصالح العامة كإصدار قرارات لتحقيق مصالح شخصية، والتربح. ([4])
وتعاريف الفساد هنا تؤكد على مخالفة قواعد القانون من قبل الموظفين ووجوب النظر إلى الفساد من خلال محدداته القانونية، وهذا التحديد القانوني للفساد له خاصيته الإيجابية، بحيث من السهولة بمكان تمييز أنماط الفساد عن غيره، فكل سلوك (تصرف) مخالف للقانون يشكل نوعا من الفساد.
ويعني ذلك أن الفساد الإداري يحتوي علي قدر من الإنحراف المتعمد في تنفيذ العمل الإداري المناط بالشخص، غير أن ثمة انحرافًا إداريًا يتجاوز فيه الموظف القانون وسلطانه الممنوحة دون قصد سيئ بسبب الإهمال واللامبالاة، وهذا الانحراف لا يرقي إلي مستوي الفساد الإداري، ولكنه انحراف يعاقب عليه القانون وقد يؤدي في النهاية إذا لم يعالج إلي فساد أداري. ([5])
والفساد الإدارى هو استخدام السلطة العامة من أجل كسب أو ربح شخص أو من أجل تحقيق هيبة أو مكانة اجتماعية أو من أجل تحقيق منفعة لجماعة أو طبقة ما بالطريقة التى يترتب عليها خرق القانون أو مخالفة التشريع ومعايير السلوك الأخلاقى, وبذلك يتضمن الفساد انتهاك للواجب العام وانحراف عن المعايير الأخلاقية فى التعامل, ومن ثم يعد هذا السلوك غير مشروع من ناحية وغير قانونى من ناحية أخرى.([6])
فحسب تعريف الدكتور سالم القحطاني يقول بأنه مفهوم واسع جدا لا يمكن أن يحويه تعريف واحد وهو الإخلال بشرف ومهنية الوظيفة وبالقيم والمعتقدات التي يؤمن بها الشخص, وهذا المفهوم العام للفساد الإداري, والواقع ينظر إلى الفساد الإداري من خلال ثلاثة مراحل تطور خلالها الفساد إلى أن أصبح اليوم ليس فسادا على مستوى المنطقة وإنما على العالم: ([7])
المرحلة الأولى: التي تطور فيها الفساد هي عندما كانت هناك قيم وكان ينظر الى من كان يخالفها على أنه إرتكب جريمة فساد.
المرحلة الثانية: ظهر في هذه المرحلة النظم والقوانين وأصبح من يخالفها سواء في الأعمال أو في الممارسات أو في الإدارة أنه ارتكب جريمة فساد إداري. ولم تعد القيم بالنسبة لبعض المهمتين بالنظم والقوانين ذات قيمة كبيرة وإنما فقط يركزون على مخالفه الأنظمة والقوانين وهذا ما نراه فقط في الدول غير الإسلامية, حيث أن البلدان الإسلامية تركز على القيم والمعتقدات.
أما المرحلة الثالثة: وهي الخلط ما بين القيم والمعتقدات وما بين الأنظمة والقوانين, حيث أن الفساد الإداري لم يخالف الأنظمة ولا القيم وهو عملية مستمرة وليست منقطعة, لأن الشخص عندما يدخل في بيئة الفساد فإنه يدمن الفساد وانهدمت القيم والمعتقدات التي يؤمن بها وعرف كيفية إختراق النظام, وبالتالي أصبح الفساد منهجا مستمرا لهذا الشخص, ومن هنا ننظر للفساد الإداري على إنه مفهوم واسع.
والفساد الإداري عند البعض هو الإساءة لإستخدام السلطة أو استغلالها لأغراض شخصية, ويجب ان يكون تعين الموظف لا ينطلق من مبدأ إقليمي أومبدأ قبلي أو علاقات عائلية, وإنما يجب أن ينطلق من مبدأ التأهيل والخبره, وهذا على مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب, وللأسف أن الموجود الأن بعكس هذا المبدأ حيت يتم تعين من هو غير مؤهل ولا يوجد لديه خبرة في الموقع الذي يتعين فيه. ([8])
وجاء في تعريف منظمة الشفافية الدولية للفساد الإداري بأنه (كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته). ([9])
وقد عرف البنك الدولى الفساد الإدارى فى تقريره الصادر عام 1996م بأنه سوء استخدام السلطة من أجل مكسب خاص, يتحقق حينما يتقبل موظف رسمى رشوة أو يطلبها ويستجديها أو يبتزها, وقد يكون ذلك مقترنا بسوء استخدام السلطة حينما يقدم المواطنين الرشاوى عن قصد التحايل على السياسات العامة والقوانين أو اللوائح للحصول على مغنم شخصى حتى لو لم يحدث تقديم رشوة وذلك عن طريق محاباة الأقارب أو التوصية بهم أو سرقة موارد وأملاك الدولة أو تبديدها.([10])
إن تعدد التعاريف حول معنى الفساد الإداري قد يعزى إلى اختلاف المدارس الفلسفية التي تناولت هذا الموضوع, وقد يعود هذا الإختلاف بسبب إختلاف أفكار وثقافات وتوجهات رواد هذه المدارس من الكتاب والعلماء والباحثين. إلا أن أغلب التعاريف جاءت متفقة وبشكل كبير على سوء هذه الظاهرة والآثار السلبية التي تتركها في كل مستويات الحكومة ومؤسساتها وهياكلها التنظيمية وتعتبر هذه الظاهرة وبائية في معظم دول العالم. ([11])
مما سبق يمكن تعريف خاص بالفساد الإداري في الوظيفة العامه بأنه سلوك منحرف أو فعل غير مشروع يرتكبه الموظف العام أثناء وظيفته أم خارجه أو إخلاله بالإلتزامات والقواعد القانونيه الواجب اتباعها, سواء يترتب عليه إلحاق ضرر بالغير أم لم يترتب عليه ضرر بغية تحقيق المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة.
يترافق الفساد الإداري أحيانًا كثيرة ببعض مظاهر التخلف الإداري مثل: تأخير المعاملات والتغيب عن العمل وسوء استغلال الوقت والعصبية ضد المتعاملين مع الجهاز الإداري وغيرها من المشاكل الإدارية، مما يؤدي إلى ظهور شعور عام لدى العناصر الصالحة في النظام أو الجهاز الإداري بعدم الراحة وفقدان الحافز على العمل الجاد وخدمتهم من أذى العناصر الفاسدة خاصة إذا كانوا من أصحاب القرار في الجهاز الإداري، مما يؤثر ذلك على مصلحة المجتمع بأكمله. ([12])
وجدير بالذكر أن من الأهمية بمكان التفريق بين "الفساد" و"الإفساد"، فالأول ظاهرة عادية طالما كانت في حدها الأدنى وشأنه شأن الجريمة التي لا تقض مضجع المجتمع طالما كانت في مستويات متدنية، بيد أن الإفساد هو سياسة تهدف إلى نشر الفساد بين غير الملوثين به وذلك لغرض تشويه المجتمع فيصبح الفاسد فردًا من أبناء الشعب لأن كل واحد من الجميع إما أن يرتشي مث ً لا أو يقدم الرشوة أو يكون راشيًا (وسيطًا)، ويصبح الفساد ظاهرة عامة لا يمكن مقاومتها. فالإفساد هو محاولة من دهاقنة الفساد إلى توحيد السلطة أو الإدارة مع المجتمع، فيصبح الفساد ظاهرة مقبولة اجتماعيًا وسياسيًا وإداريًا كما هو حال الرذيلة التي تحاول أن تعمّ الجميع فلا يبقى للفضيلة من دور يذكر!! ([13])
([1]) الفساد الإداري في الوظيفة العامة, ص 8, حمزة حسن شيخو الطائي, مرجع سبق ذكره.
([2]) الفساد الإداري في الوظيفة العامة, ص 9, حمزة حسن شيخو الطائي, مرجع سبق ذكره.
([3]) الفساد الإداري وعلاجه في الفقة الإسلامي, ص 45, محمود محمد عطية معابرة, مرجع سبق ذكره.
([4]) الفساد الإداري مفهومه ومظاهره وأسبابه، ص 18, ياسر خالد بركات الوائلي, دار مصر العربية للنشر, القاهرة, مصر, 2007م.
([5]) الفساد الإداري- المسببات والعلاج: دراسة تطبيقية على المستشفيات الكبرى في قطاع غزة, ص 10, يوسف عبد عطية بحر, مجلة جامعة الأزهر بغزة، سلسلة العلوم الإنسانية، المجلد: 13، العدد: 2, غزة, فلسطين, 2011م.
([6]) الفساد الإدارى ومجتمع المستقبل, ص 43– 44, السيد على شتا, مكتبة ومطبعة الإشعاع الفنية, الطبعة الأولى, الإسكندرية, مصر, 1999م.
([7]) الفساد الإداري في الوظيفة العامة, ص 9, حمزة حسن شيخو الطائي, مرجع سبق ذكره.
([8]) الفساد الإداري في الوظيفة العامة, ص 10, حمزة حسن شيخو الطائي, مرجع سبق ذكره.
([9]) تأثر الفساد على الأداء الإقتصادي للحكومة، ص 2, مفيد دنون يونس، مجلة تنمية الرافدين، كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة الموصل, العدد: 101، المجلد: 32، العراق، 2010م.
([10]) التحول الإقتصادى والفساد الإدارى, ص 3, حسن الشامى, المنظمة العربية للتنمية الإدارية, القاهرة, مصر, 1999م.
([11]) الفساد الإداري في الوظيفة العامة, ص 11, حمزة حسن شيخو الطائي, مرجع سبق ذكره.
([12]) التدابير القانونية لمكافحة الفساد, المؤتمر العربي الدولي لمكافحة الفساد, ص 1, عبد الحفيظ عبد القادر الشيخلي, المحور الرابع: الإرتقاء بنظم وأجهزة العدالة الإجتماعية, مركز الدراسات والبحوث, قسم الندوات واللقاءات العلمية, الرياض, السعودية, 6- 8 أكتوبر 2003م.
([13]) الفساد الإداري وعلاجه في الفقة الإسلامي, ص 69, محمود محمد عطية معابرة, مرجع سبق ذكره.