تراتيل في محراب الوطن
أنا من هُنــــاكَ لبستُ ثوبَ هَناكَ
ومَلَأْتُهُ حُبـًّا وطُهْرَ ثَراكا
وشبعتُ من قمحِ البيادرِ وارتوى
قلبي بِفَيْضٍ من فُراتِكَ ذاكا
الطّهرُ فــي خَدّيْكَ وردٌ مشرقٌ
كم بَثَّ في صدرِ الزّمــانِ شَذاكا
والصّخرُ إنْ ساءَلْتُهُ، ضَحِكَ الثّرى
فَـ على جَبينِ الصّخرِ سالَ نَداكا
أنا من هُناكَ أقمتُ عرسَ وِلادتي
ناغيتُ أوّلَ أحرفي بمَداكا
وخَضَبْتُ بالطّينِ الحَنونِ طفولتي
ودعوتُ باسْمِ اللهِ أنْ يرعاكا
كانَتْ تُقَبِّلُني النّســـائِمُ في الكرى
والمهدُ يرقصُ لا يريدُ فكاكا
لو أنَّ أمّي هَدهَدَتْ لي خافِقـــًا
تَحنو عليَّ بعَطفِها يُمْناكا
أرنو إلى البدرِ المُعَلَّقِ في السّمـا
فَأَمُدُّ بَعضي كي أرومَ عُلاكا
فأراكَ تضحكُ كَلّمـــا أضحكتَني
واليوم يبكي خافقي لِبُكاكا
قد كنتَ في حضنِ السّنين مُنَعَّمـًا
يشفي قلوبَ المُتعبيـــنَ هَواكا
في غوطَتيكَ الدّفءُ يبعثُ بالهنا
واليوم تبكي غوطتاكَ ضِياكا
إنّي لَأَسمعُ نبضَ قلبِكَ باكيـًا
وأرى أنينَكَ قد كَواهُ جَواكا
أتنفّسُ المعنى شهيــــقَ مواجعٍ
أبكي إذا ما اغْرَوْرَقَتْ عَينـــاكا
ولقد لبستُ الثّوبَ ثوبـــًا أسودًا
فَتِّشْ جيوبي لن تَرى إلّاكـا
خذني إليكَ ففي غيابكَ متعبٌ
أثقَلْتَني شوقــــًا إلى لُقيـــاكا
هذي حروفي قد بَكَتْكَ بِلَهفَةٍ
وبدعوةٍ لَهَجَتْ إلى مَولاكا
فإذا تَجَمْهَرَتِ الدّمــــوعُ بِوَصْلِنا
دَعني أُقَبِّلْ مُقْلَتَيْكَ وَ فاكا
فَعسى إذا نادى الإيــــابُ لِشَوقِنا
تزهو وتضحكُ في اللقـاءِ عَساكا
أدهم النمريني.