رابطة شباب قرية تفهنا العزب
استطاعت ثورة الخامس والعشرين من يناير تحقيق مطلبها الرئيسي والمتمثل في إسقاط رموز النظام الفاسد من أجل بدء عهد جديد في مصر جديدة يحاول جميعنا أن يجعلها خالية من أوجه الفساد... ولكن ماذا بعد؟!
القضية في رأيي ليست قضية أشخاص أو أفراد بعينهم، ولا أعلم إذا كان فتح ملفات فساد رموز الحكم سوف يؤدي في النهاية إلى عقاب حقيقي ورادع لكل من أجرم في حق الشعب المصري أم لا، ولكن الذي أعلمه وأعيه جيداً أننا نحتاج إلى تغيير في الثقافات والمفاهيم والسلوكيات.
وسوف أدلل على مقولتي تلك بمثل واحد لمسته بنفسي في الأيام القليلة الماضية، فقد لاحظت مشهداً يومياً منذ اندلاع الثورة، مشهد يتمثل في خروج تظاهرات ووقفات احتجاجية للعديد من الأفراد العاملين في الشركات أو الوظائف الحكومية، من أجل ركوب الموجة والمطالبة بحقوق ضائعة لهم سواء من حيث إعادة تقييم المرتبات أو الثبيت في الوظائف أو المساواة مع زملاء آخرين في نفس المهنة أو من مهن مختلفة...
كل تلك المطالب أراها حقوق مشروعة.. ولكن من وجهة نظري أري الوقت غير مناسب للاستجابة السريعة لتلك المطالب...
فالطبيعي أن مطالب مثل هذه تستغرق وقتاً للبت فيها، و كذلك إعادة هيكلة البناء الخاص بكل مؤسسة وجهة حكومية لاستيعاب كل هؤلاء الأفراد يستغرق وقتاً أطول..
وهل من المعقول أن ميزانية دولة معدة مسبقاً، يمكن لها أن تستوعب كل تلك التغيرات وفي تلك الظروف وبالشكل السريع الذي يريده الجميع؟
ناهيك عن أننا لابد أن نفكر هل يحتاج الوطن إلى كفاءات تجلس على مكاتب حكومية ولا تضيف شيئاً فعلياً؟؟
وهل هؤلاء هم كفاءات بالفعل؟!
هل نريد التغيير في كل شيء حولنا ولا نريد التغيير في ذواتنا وأفكارنا؟!
هل لا زلنا نتحدث بثقافة "إن فاتك الميري"؟ ....
علينا أن نعي مسئوليتنا تجاه الوطن....
علينا قبل البدء بالمطالبة بحقوقنا أن نؤدي واجباتنا..
علينا محاولة تطوير قدراتنا وتمكين أنفسنا من بناء كوادر تستطيع خلق سوق عمل لنفسها، ولا تنتظر مظاهرات من أجل المطالبة بالتعيين في وظائف حكومية..
هل سنشعر جميعنا بالراحة والهدوء إذا حصل كل منا على وظيفة في المؤسسات الحكومية، بغض النظر عن مدى مساهمتنا في بناء وطن يحتاج إلى الاجتهاد في هذه المرحلة أكثر من أي وقت سابق؟
علينا أيضاً التخلص من فساد القوانين..
إن هرم الفساد الذي بدأت رموزه تتهاوى؛ أمامنا وقت طويل لكي نصل إلى قاعدته التي تمتد وتتشعب لتصل إلى كل مكان في أرض مصر، ومن الصعب أن يتم القضاء على رموز الفساد في غضون عدة أسابيع أو شهور، فالملفات كثيرة والأشخاص أكثر وكلها متشابكة بشكل أو بأكثر مع بعضها البعض.
وعلينا أن نتذكر أن البناء بعد الهدم يتطلب مجهوداً أكبر من البناء للمرة الأولى، فنحن نتخلص ليس فقط من هيكل وقواعد؛ ولكننا نتخلص أيضاً من مجموعة من المفاهيم الراسخة في مجتمع يعاني أغلبه من الفقر والجهل، وحتى الذين حصلوا على قسط من التعليم، فهم في ذات الوقت يعاني أغلبهم من قلة الوعي اللازم من أجل التعامل الحكيم مع ظروف المرحلة القادمة، فيخطئ من يتخيل أن نظام فاسد استمر لعقود، يمكن أن يتم إصلاحه على أسس أكثر عدالة في خلال عدة شهور.
ولذا فعلينا جميعاً التكاتف والتعاون الفعلي لبناء وطن أكثر تحضراً وأكثر انضباطاً وأكثر إنتاجاً، وطن نجتهد فيه لنخلق الفرص التي تناسبنا، و نتخلص فيه من مفاهيم الاستكانة والاتكالية وانتظار أن يمن علينا الآخرين بحقوقنا.