الأطفال من القضايا التى تحظى باهتمام كبير على مستوى العالم لما للطفل من أهمية كونه نواة لأي مجتمع ، ولذلك نرى الجهود تحشد لإتاحة الفرصة له فى كافة الاحتياجات لينال حقوقه الأساسية، وينشأ النشأة السليمة اللائقة في محيط أسري ومجتمعي متكامل، واليتيم طفل ليس كغيره من الأطفال ، وهو طفل اليوم وهو رجل الغد، وستكون سلوكياته المستقبلية أسيرة التربية التي تلقاها في صغره، فإذا أخذ حظه من التربية السليمة في صغره أينعت ثمارها وارفة في غده على مجتمعه وأصبح نموذجاً جيداً وعضواً فاعلاً فى بيئته .
ولذلك ليس من الغريب أن نجد ديننا الحنيف يحثنا على رعاية اليتيم والاهتمام بشئونه ، فديننا شامل وشريعتنا توجهنا لكل ماهو فيه خير لنا ، وكفالة اليتيم من أعظم أبواب الخير التي تحثنا الشريعة الإسلامية عليها، وقد جاءت آيات القرآن الكريم دالة على بيانفضل رعاية اليتيم وعظم أجر كافله، فقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} .
وقال تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .
كما وردت أحاديث كثيرة فيفضل كفالة اليتيم والإحسان إليه منها: عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة " وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى.
وفى أول جمعة من شهر ابريل تحتفل محافظات مصر والعالم العربي بيوم اليتيم، حيث يقوم العديد من الأفراد في هذا اليوم بالتوجه إلى دور الأيتام لاستضافة بعض الاطفال، وإعداد جولات ترفيهية لهم واسعادهم ، وترجع فكرة تأسيس يوم اليتيم فى مصر إلى عام 2004 بدعوة من دار الأورمان للأيتام لعمل حملة قومية لإرشاد الناس لمساعدة الأيتام ورعايتهم ، وتطورت تلك الفكرة حتى أصبح كل مصرى فى عام 2006 يحتفل بيوم اليتيم.
وعندما سئل الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية عن هذا اليوم قال: القرآن الكريم والسنة النبوية فيهما الوصية باليتيم، وقد جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثواباً كبيراً لمن يضع يده على رأس اليتيم، فعندما نضع أيدينا على رأس اليتيم لنا بكل شعرة حسنة؛ لأننا ندخل السرور إلى قلبه.
وليس الأمر إثبات حالة، أقدم هدية لليتيم على أنها واجب وانتهى الأمر حتى يقول الناس بأني ذهبت وفعلت، هذا ليس له علاقة بإدخال السرور على هذا القلب، أنا أريد أن أدخل السرور عليه بأية طريقة كانت، وليست بالضرورة طريقة مادية، ليس الأمر كلما أنفقت أكثر ستكون هناك سعادة أكثر.
وأضاف المفتى : الاحتفال بيوم اليتيم ليس بدعة، ففي القرآن الكريم {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} فهناك يوم نجعله لليتيم، بعض الناس يتحرج أن يسميه عيد اليتيم لأن كلمة العيد مختصة بعيد الفطر وعيد الأضحى، فلا ضرر فى ذلك فالأسماء في أيدينا ولكن العبرة بالمعاني.
وترى الدكتورة عبلة الكحلاوي أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أنه شىء مستحب جداً علينا الحفاظ عليه وتقويته فى نفوسنا ونفوس أبنائنا ، فكافل اليتيم رفيق سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم- في الجنة ، لأن النبي أشهر يتيم في الإنسانية ، واليتيم هو الذي فقد أباه أو العائل، فمن يرعي اليتيم أجره عظيم عند الله سبحانه وتعالي.
يقول تعالى: "الم يجدك يتيما فأوى" وقد عمل النبي عليه الصلاة والسلام بهذه الوصاية فقد بلغ من عنايته باليتيم أن بشر كافليه بأنهم رفقاؤه في جنة عرضها السموات والأرض حين قال : " أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة " وأشار باصبعيه السبابة والوسطى ، كما بشر النبي من أحسن إلى اليتيم ولو بمسح رأسه ابتغاء وجه الله بحسنات كثيرة حين قال: " من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات ، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين".
وأضافت : لقد مدح النبي نساء قريش لرعايتهن اليتامى: " خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ،أحناه على يتيم في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده" ، واوصى الله تعالى بالإحسان إلى اليتيم الذي ترك له والده مالا برعاية هذا المال وتنميته وتثميره وعدم الاعتداء عليه بأي صورة من الصور ، فقال : {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}. وقال : { وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}.
ويوضح الشيخ فرحات السعيد المنجى من علماء الأزهر الشريف أن القرآن الكريم تناول اليتيم في 23 آية مختلفة، وكلها اتفقت على وجوب رعاية اليتيم وجعل هذا الأمر من أهم الأمور الواجبة على المسلمين،فضلا عن كثرة التوصية باليتيم ، فقد أمرنا الله تعالى بالإحسان إلى اليتيم فقال عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى}، وقال عز وجل: { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}.
يقول الشيخ فرحات: دين الإسلام دين الرحمة فرحمته شملت جميع الخلائق ولا سيما الضعفاء والمساكين الذين لا حول لهم ولا قوة ، فرعايتهم والعناية بهم عمل صالح وسبب للنصر والرزق ، وقد أولى الإسلام لليتيم عناية خاصة وبين ما يجب نحوه من كفالة وإحسان وحذر من ظلمه والإساءة إليه وجعل الله الإحسان إليه ورعايته عملاً عظيماً جزاؤه الجنة ، وهذا الأمر يُشعر اليتيم أنه إن كان قد فقد أباه فقد وجد في الرحماء أباء يعطفون عليه ويجودون بالإحسان إليه ،فلا تنكسر نفسه ولا يشعر بذلة أو حزن حينما يرى كل ولد بجوار أبيه يقبل بفرح إليه ويرتمي في أحضانه.
ويضيف الشيخ : اذا تأملنا الآيات والأحاديث الواردة في شأن إكرام اليتيم والعطف عليه والإحسان إليه لوجدنا أنها تضع اليتيم الغريب بعد الأقرباء في الأهمية فما بالك باليتيم إذا كان قريباً ،وحذر الإسلام تحذيراً شديداً من التصرف بمال اليتيم إلا بما يعود عليه بالمصلحة والمنفعة قال الله تعالى : {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} فإذا بلغ أشده فيجب أن يسلم له جميع ماله ولا يجوز للوصي أن يبخس أو يأخذ منه شيئاً إلا بطيبة نفس من اليتيم بعد أن يبلغ أشده ويحصل رشده ،فكل تصرف في مال اليتيم لا يقع في دائرة ما هو أحسن فهو محظور ومنهى عنه.
ويقول الدكتور مبروك عطية من علماء الأزهر : خير البيوت بيت فيه يتيم يحسن إليه ،وشر البيوت بيت فيه يتيم يساء إليه ،لقد نهانا الله جل وعلا عن ازدراء اليتيم وإهانته وفهره قال تعالى : {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ } لأنه ضعيف ،وجعل الاستخفاف به والجفاء نحوه من علامات التكذيب بهذا الدين ،قال تعالى : {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} ، اتقوا الله في أولادكم وفى من تحت أيديكم من اليتامى وربوهم على طاعة الله ، يقول رسولنا الكريم :"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ".
ويضيف دكتور مبروك: للأسف يوجد من هو يتيم رغم أن أبواه على قيد الحياة ، فترى أحياناً بعض الأولاد وكأنهم في عداد اليتامى لا يعرف أحدهم من آداب الإسلام إلا القليل وقد لا يعرف المسجد ولا الصلاة فيه وذلك بسبب انشغال الوالدين بالناحية المادية وعدم تفرغهم لتربية أولادهم وتوجيههم والإهتمام بأمرهم ، ويبرر بعض الآباء بأنه يوفر للولد حياة كريمة ومستقبلا مشرقاً ، أنا اقول له أنك موهوم ، فلا ينبغي للوالد ولا الوالدة أن يغفلو عن توجيه الأولاد فإنهم عن ذلك محاسبون وسوف يسألون {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيم} ،فإهمال الأولاد والإنشغال عنهم يجعلهم بمنزلة الأيتام حتى يصل الأمر ببعضهم إلى أن يكون من نزلاء دور التوجيه والملاحظة.
ساحة النقاش