بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

بسم الله الرحمن الرحيم

( قصـــة قصيـــــــرة )

حــروب الصمـت فـــــي الظـــلال !!

التصادم كان وجهاَ لوجه .. ثم حروف عفو واعتذار .. وعجالة في الرحيل .. لم يلتقي بالشك أول مرة .. ولكن تواتر الحدث قد جلب الانتباه والعجب .. وقد تكررت الطارئة بنفس المنوال .. والظن منه كان بريئاً .. حيث الاعتقاد بأن للصدفة دور .. ولكن من المعلوم أن الصدف فوضوية لا تعرف الانضباط .. ولا توافق المكان بنفس القياس .. كما لا توافق الزمان بنفس اللحظات .. والمحك في حدث يجري بنمط ينسخ الذات كصور الكربون .. كان يجاري الحدث ويقبل الاعتذار تلو الاعتذار .. ثم أشتكى في نفسه منزعجاً .. وتلك الواقعة والتصادم والاعتذار قد تكون مقبولة لمرة واحدة .. وقد تكون للمرة الثانية .. ولكن لا يعقل أن تنسخ الذات في جولات ثالثة ورابعة وأخرى .. وعندها كان لا بد أن ينزعج قليلاً ويرفض الإذعان .. وخاصة وأن كل جولة كانت تطابق العادة بتكرار وعناد .. فبدأت في الخاطرة علامات السؤال والاستفهام .. ما الذي يحدث هنالك ؟.. وما الذي يحاط الأمر بالأسرار ؟.. وملامح الشك أخذت تشاقق النفس .. حيث أن العلامات تؤكد بأن تلك الأحداث لم تكن وليدة العفويةً .. بل ثمرة تخطيط وتدبير وإصرار .. فهنالك من يوجد حدثا ويدبر أمراً .. وإذا صدق الحدس فالأمر جد خطير .. وقد أفنى الماضي من عمره على ما يرام .. بعيداً عن لهفة الأعداء والخصوم .. وبعيداً عن تجاذب العملاء والسلطات .. وظل مجهول الهوية للعامة يجلب التكهنات .. ولكن تلك غيمة بدأت تتكاثف وتحجب معالم الصفاء .. وهنالك أعين بدأت تراقبه في الخفاء .. وتلك الأسرار في جعبته بمنتهى القدسية والخطورة .. غير أنها مدعومة ومحاطة بالوقاية والحماية المشددة .. والإفراط في المعلومات يعني الحروب والدمار .. فالكثير من الجهات يهمها الشأن .


قالت ألسن العامة عنه الكثير والكثير .. قيل أنه عميل في الموساد الإسرائيلي .. وقيل أنه يتاجر في الأسلحة .. وقيل أنه يتاجر في البشر .. وقيل أنه يتاجر في الممنوعات .. وقيل أنه عضو في عصابات المافيا الدولية .. وقيل أنه عضو في جماعات متخصصة في غسيل العملات المشبوهة .. وقيل عنه ما قيل .. ولكن الحقيقة ظلت مجهولة لسنوات وسنوات .. وتلك مجرد تكهنات مردها الغرائب في سلوكياته من وقت لأخر .. أحيانا يكون ذلك الثري البذخ .. يعيش حياة الترف .. ويتفوق على أغنى الأغنياء في البلد .. وذلك دون أن يزاول مهنة أو تجارة تبرر ذلك الترف والرفاهية .. وأحياناً يكون ذلك الفقير المعدم .. الذي يتمثل بمظاهر العوز والفاقة .. في مرحلة من عمره أعفى اللحية .. ثم أشاع بأنه حرم ملامسة يد النساء الأجنبيات عند التحية .. في حينها قيل عنه ما قيل .. حيث أوصموه بالتطرف الديني .. واتهموه بأنه أصبح عضواً في جماعة تكفيرية متطرفة .. وأنه أصبح من كبار الإرهابيين في العالم .. ولكنه لم يلتزم بالحال طويلاً .. حيث عاد فجأة ليزيل اللحية ويتراجع في مراسيم التحية للنساء الأجنبيات .. وعندها لم تسكت الألسن أيضاً .. بل قيل عنه مرتد يزاول الإلحاد .. وعلماني يحارب العقيدة .. كان يكثر السفر لخارج البلاد .. ولكن دون إعلان وإشهار .. فجأة يختفي عن الأعين لشهور .. ثم فجأة يتواجد بالجوار .. ولا يتجرأ أحد أن يواجهه بالسؤال .. وكانت فيه صفات متناقضة بدرجة العجب .. فهو ذلك العطوف الكريم حيال الفقراء والمساكين .. حيث كان يغدق عليهم بالصدقات والعطايا المجدية في الطرقات والأسواق .. ثم هو ذلك البخيل الذي لا يدخل داره أحد .. وعلاقاته الاجتماعية كانت محدودة للغاية .. وشبه معدومة .. ولا يتعامل إلا مع قلة من الأفراد في حدود الضرورة .. وتلك صور من السلوكيات التي عادةً توجد التكهنات بين أفراد المجتمع .


في الشارع أمام منزله كان يتواجد كشك لبيع الصحف والمجلات .. وصاحب الكشك كان يبدو عليه الفاقة والتواضع .. وفي كثير من الأحيان كانت عينه تلتقي بعين صاحب الكشك عند خروجه أو دخوله للمنزل .. ولكن دون حروف أو تحيات تقال .. كان لا يبالي بصاحب الكشك كثيراً .. بل يظنه مجرد عامل فقير يكابد من أجل قوت يومه .. وصاحب الكشك بدوره كان لا يبالي به كثيرا .. مجرد ساكن بالجوار .. وفي ذلك اليوم خرج في موعده للتجوال في سوق المدينة .. ثم جرت المواجهة والتصادم كالعادة .. في نفس المكان المعهود .. وفي نفس الزمان بالساعة والدقيقة .. ثم كانت مراسيم الاعتذار المعهودة .. ولكنه رفض قبول الاعتذار هذه المرة .. وأمسك بتلابيب الرجل .. طالبا الإيضاح والتفسير فوراً .. فإذا بزمرة من الأفراد الأقوياء يحيطونه من كل الجوانب وينذرونه بالمقاومة .. وعند ذلك تراجع وتراخت قبضة يديه .. ثم ترك الرجل ليرحل .. فإذا بأفراد الزمرة يتفرقون عنه مبتعدين دون أية إيضاحات أو تبرير .. وكأن شيئاً لم يحدث .. وقف هنالك لبرهة حائراً مذهولا ومتردداً .. ثم عاد فورا لداره .. وعندما أراد أن يفتح باب منزله ناداه صاحب الكشك بالاسم قائلاً : يا فلان غادر المدينة فورا .. فإنهم سوف يعتدون عليك هذه الليلة في الثانية عند منتصف الليل .. فنظر إلى صاحب الكشك متعجبا وحائرا .. وقال له من أنت وكيف تعرف بالأمر ؟؟ .. فأجابه : أنا مثلك صاحب رتبة عالية في جهاز الأمن القومي .. وكان علينا تحذيرك وحمايتك من عملاء الموساد الإسرائيلي الذين يتواجدون الآن بكثافة في المدينة .. وأنت مراقب ومطلوب لدى الصهاينة منذ فترة ليست بالقصيرة .. حيث يتهمونك بتوريد الأسلحة لحماس في قطاع غزة عن طريق البحر الأحمر والسودان .. ويريدون أن يعرفوا خطواتك القادمة .. كما يريدون أن يعرفوا مصادر الأسلحة .. ونحن في الجهاز أدرى بمهنتك الحقيقية .. وتلك مهنة هامة تدخل ضمن أسرار الدولة .. ولا يجوز كشفها بأي حال من الأحوال .. وخدماتك الطويلة في تلك المهنة تشرف الوطن كثيراَ .. وحاليا فإن الجهاز لا يريد القبض على أفراد الموساد وكشف سيرتهم .. لأن الجهات العليا ما زالت لديها النقص في بعض المعلومات .. وتريد أن تعرف كامل عناصر الموساد داخل الوطن .. ولذلك نريد منكم مغادرة الدار والاختباء مؤقتاً .. وعدم المبيت بالدار .. وذلك حتى لا تتعرض للأذى والتعذيب .. عند ذلك دخل الرجل داره وهو مذهول من تطورات الأحوال .. ومتعجبا من صاحب الكشك الذي لم يحسب له ذلك المقام والمقدار .. ثم في عجالة أخذ بعض الأغراض وخرج من الدار .. ولكنه بمهارته المهنية استطاع أن يختبئ في مكان قريب ويراقب الدار .. وفي تمام الثانية مساءاً وصلت سيارة وفيها فرقة من الأفراد الذين كانوا يلتزمون بالهدوء التام .. ثم فجأة تسلقوا الدار من الجهات الأربعة .. وبعد دقائق معدودة تجمعوا مرة أخرى أمام الدار والخيبة بادرة في أعينهم .. وقد علموا أن الصيد قد فر من الشباك .. ولكن فجأة لحقهم أحد الرجال الذين تأخروا بالداخل وهو يحمل ورقة في يده .. وكان فرحا ومسروراً .. وقد وجد تلك الورقة في مكان أمين وفيها معلومات هامة للغاية .. وعندها عادوا سريعا من حيث أتوا .. أما صاحبنا فقد مكث في مكانه حتى غادروا واختفوا .. ثم اتصل تلفونيا بالجهة المسئولة عن وظيفته فأرشدوه إلى مكان المبيت .. وفي الصباح كان عليه أن يغادر المدينة متنكرا بطريقة متقنة إلى مدينة أخرى .


في اليوم التالي تناقلت الأنباء أن الطائرات الإسرائيلية بدون طيار قصفت رتلاً من السيارات بمنطقة البحر الأحمر .. كانت في طريقها إلى حماس بغزة وهي تحمل السلاح .. ولكن فجأة تراجعت المزاعم الإسرائيلية .. حين اكتشفت أن خدعة كبرى قد جرت عليهم في تلك المرة .. حيث أن تلك السيارات كانت تحمل مجرد دمى وكراتين .. والخطة كانت لمجرد التمويه في إنجاز عملية كبرى لترحيل السلاح إلى غزة من مكان آخر .. وقد تمت العملية بنجاح كبير .. وذلك الفشل أوجع الموساد كثيراً .. والذي التزم الصمت وأخفى الفشل المرير .. ويبدو أن اللوم الشديد قد وقع على رجال الموساد الذين فشلوا في الحصول على المعلومات الصحيحة بمراقبة الرجل الأول المتهم بتوريد السلاح لحماس .. والذي هرب في اللحظة الأخيرة .. أما عملاء جهاز الأمن فقد تمكنوا من وضع الورقة في دار الرجل وفيها تلك المعلومات المزيفة عن صفقة كبيرة للسلاح في طريقها إلى حماس .. فكانت المهارة في التكتيك الذي خدع الموساد .. بذلك القدر الذي يوازي مهارة العدو نفسه .. بل يتفوق عليه .


ومازالت الدوائر دائرة حيث الحروب في الخفاء .. وحيث الأبطال في الظلام .. مجهولي الهوية .. قد يقال عنهم أعداء وهم أصدقاء وأبرياء .. وقد يقال عنهم سفهاء وهم أتقياء .. وقد يقال عنهم بخلاء وهم كرماء .. وقد يقال عنهم أثرياء وهم فقراء .. في مرحلة قد تلزمهم الأحوال بإعفاء اللحاء .. وفي مرحلة أخرى قد تلزمهم الأحوال بان يكونوا بذقون ملساء .. وفي مرحلة قد تلزمهم الأحوال عند التحية بعدم ملامسة النساء .. وفي مرحلة أخرى قد تلزمهم الأحوال بمعانقة الحسناء .. والذين لا يعرفون حقائق هؤلاء الأبطال يطلقون عليهم اسم العملاء .. ومهما يقال عنهم من الصفات يكفي أنهم للأوطان فداء .

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 280 مشاهدة
نشرت فى 26 نوفمبر 2017 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

765,513