إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ، وخلق فيه النفس والجسد والروح ... ولكي يستقر الإنسان يجب أن يتم الإشباع الحقيقي لكل ركن من هذه الأركان الثلاثة و يجب أن يتناسق هذا الإشباع مع بعضه البعض ... هنا يتحقق الاستقرار الحقيقي لهذا الإنسان

النفس والجسد و الروح

يقول الدكتور مصطفى محمود إن علاقة نفس كل منا بروحه و جسده هي أشبه بعلاقة ذرة الحديد بالمجال المغناطيسي ذي القطبين. والذي يحدث للنفس دائما هو حالة استقطاب، إما انجذاب و هبوط إلى الجسد إلى حمأة الواقع و طين الغرائز والشهوات، و هذا هو ما يحدث للنفس الجسدانية الحيوانية حينما تشاكل الطين و تجانس التراب في كثافتها، و إما انجذاب و صعود إلى الروح إلى سماوات المثال و القيم و الأخلاق الربانية، و هو ما يحدث للنفس حينما تشاكل الروح و تجانسها في لطفها و شفافيتها.. و النفس طوال الحياة في حركة و تذبذب و استقطاب بين القطب الروحي و بين القطب الجسدي.. مرة تطغى عليها ناريتها و طينتها، ومرة تغلبها شفافيتها و طهارتها.
والجسد و الروح هما مجال الامتحان والابتلاء، فتبتلى النفس وتمتحن بهاتين القوتين الجاذبتين إلى أسفل و إلى أعلى لتخرج سرها، و تفصح عن حقيقتها و رتبتها و ليظهر خيرها و شرها.
و من هنا نفهم أن حقيقة الإنسان هي نفسه، و الذي يولد و يبعث و يحاسب هو نفسه، و الذي يمتحن و يبتلى هو نفسه، و ما يجري عليه من الأحوال و الأحزان و الأشواق هي نفسه.. أما جسده و روحه فهما مجرد مجال تماما مثل الأرض و السماوات في كونهما مجال حركة بالنسبة للإنسان لإظهار مواهبه و ملكاته.. فكلما أعطى الله لهذه النفس عضلات جسدا كذلك أعطاها روحا لتحيا، و تعمل و تكشف عن سرها و مكنونها و تباشر خيرها وشرها.

ما هية النفس؟

النفس هي ذات الإنسان المعنوية الشاعرة، وهي نور إلهي مركزها في الصدر وأشعتها سارية بواسطة الأعصاب في سائر أنحاء الجسد، وهذه النفس المسجونة في الجسد إنما تتعرّف بما يحيط بها من الأشياء بواسطة الحواس، فمن طريق العين تُبصر، وعن طريق الأذن تسمع وبالأنف تشمّ وبواسطة الجلد تحس وتلمس، وباللسان تذوق طعوم الأشياء.

والنفس  هي المخاطبة دوماً في القرآن، و هي المتهمة في القرآن بالشح و الوسواس و الفجور و الطبيعة الأمارة، فهي يمكن أن تتزكى و تتطهر، فتوصف بأنها لوامة و ملهمة و مطمئنة وراضية و مرضية.)يأيتها النفس المطمئنة* ارجعي إلى ربك راضية مرضية* فادخلي في عبادي* وادخلي جنتي( الفجر : 27-30. وهي المكلَّفة بالسير في طريق الحق، وهي التي تتألم عندما تُعالج وتُداوى، وهي التي تتنعّم في الجنان فلا تبغي عنها حولا. وسمِّيت بالنفس لقيمتها النفيسة.

) و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل و كنا ذريةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون، و كذلك نفصل الآيات و لعلهم يرجعون( الأعراف : 172-174.

فذلك مشهد أحضرت فيه الأنفس قبل أن تلابس أجسادها بالميلاد، و ليس لأحد عذر بأن يكفر بعلة كفر أبيه، فقد كان لكل نفس مشهد مستقل طالعت فيه الربوبية ... و بهذا استقرت حقيقة الربوبية فطرتنا جميعاً.

أوصاف النفس

توصف النفس بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها ، فإذا سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات ، سميت النفس المطمئنة . قال الله تعالى في مثلها )يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ( سورة الفجر : 27. وإذا لم يتم سكونها ، ولكنها صارت مدافعة للنفس الشهوانية ومعترضة عليها سميت النفس اللوامة ، لأنها تلوم صاحبها عند تقصيره في عبادة مولاه . قال تعالى ) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ( سورة القيامة : 2، وإن تركت الاعتراض وأذعنت وأطاعت لمقتضى الشهوات ودواعي الشيطان ، سميت النفس الأمارة بالسوء . قال تعالى إخباراً عن يوسف  أو امرأة العزيز )وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ( سورة يوسف : 53.

حقوق النفس

 

 لقد عنى الإسلام عناية فائقة بالنفس الإنسانية ، وجعل الإنسان محل عناية الله دائماً ، فلقد خلق الله الإنسان حيث سواه بيده ونفخ فيه من روحه ، وكرّمه بالعقل ، وجعله خليفة له في أرضه ، وأسجد له ملائكته، وزوده بمنهج يسير على مقتضاه حتى لا يضل ولا يشقى، إلى غير ذلك من نواحي التكريم ، ولقد بيّن القرآن الكريم المهمة الأساسية لوجود الإنسان وهى خلافته في الأرض ،وعمارتها , ولأجل ذلك أوجب حقوقا للنفس  فعليك أن تستوفيها في طاعة الله. وتستعين بالله على ذلك لأداء حق النفس عليك، وأن عليك حقوقاً أهمها أن تستوفيها في مرضاة الله وطاعته، ولا تجعل للشيطان عليها سبيلاً، وبذلك تنقذها من المخاطر والمهالك، وتنجيها من شر عظيم،  لذلك أقسم القرآن بالنفس وتسويتها فقال الله تعالى  ) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(الشمس :7 –8. وأن الله أعطاها  العقل لتميز بين الفجور والتقوى  فمن زكى نفسه فاز ومن لم يزكها خاب وخسر وبين الله أن من آثر الحياة الدنيا ولم يحفظ نفسه ويصونها من العطب وطغى  فمصيره إلى النار , ومن صانها وقام بحقوقها التي أوجبها الله في طاعته فإن الجنة مأواه قال تعالى ) فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى( النازعـات:37-41.

 

نوران رضوان

 

 

  • Currently 97/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
32 تصويتات / 884 مشاهدة
نشرت فى 18 يوليو 2010 بواسطة NouranRadwan

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

22,862