بائع الرطب

 

تأليف: ندى  أمين الأعور

 

          لم يرث فهيم عن والديه سوى مزمارا قديما حلو النغمات. فحمله وشرد في أزقة المدينة، يعزف ألحانه للأطفال في الشوارع والساحات. كان الفتى يقتات على ما يجده في أكوام القمامة من فضلات الطعام. وينام في جوف صخرة كبيرة تقع في ارض بائرة بالقرب من سوق الخضار.

 

          ذات يوم بينما كان فهيم يتناول الطعام، إذ به يسمع نداء بائع جوّال. كان الرجل يروج لبضاعته مناديا:

 

          سكاكر العجب!

          سكاكر العجب!...

       ثمار في الطبيعة

          غذاء من رطب

          سكاكر العجب!

          سكاكر العجب!

        حلاوتها مزيج

          من سكّر العنب

          من سكّر الفواكه

ومن سكّر القصب

        سكاكر العجب!

          سكاكر العجب!

تولّد النشاط

تجدّد الشباب

تهدئ الأعصاب

وتزيل الكرب!!!

        سكاكر العجب!

          سكاكر العجب!...

 

نفخ فهيم بمزماره ملحّنا نداء البائع. ففرح الرجل وأطربه اللحن. اقترب من الموسيقي الصغير، وسلّم عليه. دعى الفتى البائع إلى مشاركته الطعام. فتمنّع الرجل مظهرا امتعاضه من الأكل الفاسد الذي كان فهيم يلتهمه بشراهة.

 

<!--فتى مثلك بحاجة إلى طعام مغذ كي ينمو ويكبر! ستشاركني طعامي وسوف أقصّ عليك حكايتي. فأنا كنت شريدا مثلك ذات يوم.....

قال الرجل.

 

فسأله فهيم:

<!--وهل يحتوي تمرك على غذاء آخر غير أنواع السكاكر التي كنت تتحدّث عنها في ندائك؟؟

 

<!--اجل. اجل. إن التمر يحتوي على الفوسفور والمعادن والفيتامينات أيضا.

 

 

دار الحديث وفهيم يشارك الرجل طعام الغداء. فإذا بالبائع

يقص على الفتى سيرة حافلة. فهو كان طفلا يوم توفي والديه. وقد أرسله عمه مع قافلة من العمال إلى مدينة بعيدة كي يشتغل كصانع أو أجير.

 

أضاع الفتى القافلة على الطريق، وجلس في ظلّ شجرة

نخيل على شاطئ النهر. اخذ يفكر في مصيره البائس، فإذا بنملة تقود جيشها وتسير على الأرض بكل عزم.

 

<!--إلى أين تسيرين أيتها النملة؟

سألها.

 

<!--إلى حيث ابني بيتا جديدا. فأنا بنّاءة قديرة!

أجابت.

 

<!--هل لك أن تعلميني فن البناء؟ فأنا وحيد وأريد أن

ابتني لنفسي كوخا صغيرا في وسط بستان للنخيل.

 

          علّمت النملة البائع فن البناء. فجمع سعف النخيل المتيبسة وصنع منها كوخا وسريرا ومنضدة وكرسيا وحصيرا وعدة أطباق.

 

<!--وماذا كنت تأكل أيها البائع؟ 

سأل فهيم.

 

          -كنت آكل البلح والتمر والنباتات البرية والأزهار.

أجاب البائع.

 

فسأله فهيم بدهشة:

          - أحقا انك كنت تأكل الأزهار؟

 

أجاب البائع:

<!--اجل. هكذا تعرفت بالنحلة التي أطعمتني العسل ودلّكت ثقوب كوخي بالشمع كي لا تدخله الأمطار في فصل الشتاء.

 

اكمل البائع حديثه فأخبر فهيم بأنه كان يهم بقطف زهرة نرجس كي يأكلها ذات يوم. فإذا بالنحلة تظهر له وتقول:

 

<!--إن قطفت الزهرة وأكلتها منعت عني الطعام أيها الصديق. ما رأيك أن تترك الأزهار لي وتأكل أنت من العسل الذي أنتجه أنا؟

 

وافق البائع على العرض السخي ودعى النحلة إلى زيارته

في كوخه. ولما رأت الثقوب الكثيرة في السقف والحيطان سدّتها بالشمع الذي تفرزه من غدد في بطنها.

 

<!--ومنذ متى أصبحت بائعا للرطب؟

تساءل فهيم.

 

<!--منذ أدركت ما للرطب من قيمة غذائية.

أجاب الرجل.

 

          انتهت الحكاية وانتهى فهيم والبائع من تناول الطعام. فسارا سوية واخذ البائع ينادي والموسيقي الصغير يرافق النداء بالعزف على المزمار..........

سكاكر العجب!

سكاكر العجب!

مناجم المعادن

تجدها في الرطب

تدخل فمك

تقوي دمك

تشد من أزرك

تزيل عن جسمك

عوارض التعب

للبصر دواء

يحفظ بريق العين

للسمع دواء

لو شيش الأذنين

لأمراض الكبد

لتشقق الشفتين

لتقصّف الأظافر

للصانع الماهر

زاد للمسافر

يا جائع اقترب.......

 

 

 

المصدر: قصة للأولاد بقلم ندى أمين الاعور
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 188 مشاهدة
نشرت فى 20 مارس 2022 بواسطة Nadamine

ند ى أمين الاعور

Nadamine
الشهادات العلمية تموز، 1988 الجامعة الأميركية في بيروت، بيروت، لبنان ماجستير في الآداب الخبرات المهنية شباط 1995 –حزيران 2001 مؤسسة ومنسقة نشاطات النادي البيئي المدرسي "بلو اند غرين" ، مدرسة يسوع ومريم، الربوة، لبنان. حزيران 1999 - نيسان 2001 مديرة البرامج، شريكة المركز الدولي للتنمية، المتحف، شارع اوتيل ديو، بناية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

124,479