التعامل الأمثل مع المشكلات
إذا لم تكن جزءاً من الحل .. فأنت جزءٌ من المشكلة ..
( الإجابة التقريبية عن السؤال الصحيح أفضل كثيراً من الإجابة الدقيقة عن السؤال الخطأ ) ( جون و . تركي )
" .. في غزوة حنين خص النبي صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم - وهم أهل مكة - بمزيد من الغنائم والأعطيات يتألف قلوبهم على الإسلام ، فوجد بعض الأنصار في نفوسهم من ذلك ، وقالوا : يغفر الله لرسول الله ، يعطى قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم !!
فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأرسل إلى الأنصار ، فاجتمعوا في مكان أعد لهم ، ولم يدع معهم أحدًا غيرهم ، ثم قام فيهم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : " يا معشر الأنصار ، مقالة بلغتني عنكم ؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي ، وكنتم متفـرقين فألفـكم الله بي ؟ وكنتم عـالة فأغناكم الله بي ( كلما قال لهم من ذلك شيئًا قالوا متفرقين : بلى ، الله ورسوله أَمَنُّ وأفضل ) ثم قال : " ألا تجيبون يا معشر الأنصار ؟ " قالوا : بماذا نجيبك يا رسول الله ؟ لله ولرسوله المن والفضل ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم ولصدقتم : أتيتنا مكذبًا فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريدًا فآويناك ، وعائلاً فآسيناك " ، فصاحوا : بك المن علينا لله ورسوله ، ثم تابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلاً : " أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم من أجل لعاعة من الدنيا تألفت بها قومًا ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ! أما ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رحالكم ؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ، والذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار ، ولو سلك الناس شعبًا وسلكت الأنصار شعبًا لسلكت شعب الأنصار ، وإنكم ستلقون أثرة من بعدى فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار " ، فبكى القوم حتى اخضلت لحاهم ، وقالوا رضينا بالله ورسوله قسمًا ونصيبًا .
أرسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خلال هذا الموقف التربوي ملامح ومعالم التعامل مع المشكلات .. الأمر الذي يدعو كل مشرف ومدير أن يتأسى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتعامل مع المشكلات الإنسانية التي تعترض طريقه .. وطريق فريق عمله ..
الملامح الأساسية للتعامل مع المشكلات :
ونستطيع من خلال هذا الموقف أن نقرأ الملامح الأساسية للتعامل مع المشكلات والتي تبدأ ..
- توقع المشكلات والإيمان بحتميتها حتى تستطيع تقبلها والتعامل معها التعامل الأمثل ..
- عدم معالجة المشكلة بالانفعال والتقريع أو بالعتاب والتوبيخ ..
- جمع أصحاب المشكلة وحدهم .. وعدم وجود أطراف أخرى قد تؤدى إلى تأزم الموقف ..
المصارحة في لب المشكلة ..
- عدم تعجل حل المشكلة .. قبل أن نسوق بين يديها الحوار المقنع المرتب ..
- ترك الفرصة للآخرين لكي يدلـوا بآرائهم حتى يستفرغ ما في نفوسهم " ألا تجيبون يا معشر الأنصار " .
- من الطبيعي والمنطقي أن تتقلب نفوس البشر ولا تثبت على حال .. والتعامل على عكس ذلك ضرب من المثالية يُفْقِدُ المدير والمشرف المعالجة الهادئة .
- لابد من تذكير أصحاب المشكلة بفضلهم على المؤسسة التي ينتمون إليها " أما لو شئتم لقلتم …
- نقد الفكرة لا نقد الأشخاص ..
- تحرى الدقة في الأمر الذي قاد لوقوع المشكلة .. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لما وجد أن الدنيا قد شغلت قلوبهم نقلهم إلى الآخرة ونعيمها ، وحقر الدنيا في أعينهم ، وأيقظ المعاني الطيبة المخدرة في نفوسهم .. ومن ثم لابد من توافر المعلومة الصحيحة حتى يبنى على أساسها تناول المشكلة وحلها ..
- معالجة المشكلة علاجًا إيمانيًا وروحانيًا والتذكير بأمر الآخرة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول لهم " فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " .
- إنهاء المشكلة بالدعاء لأصحابها وبذلك تتفاعل نفوسهم مع الدعاء ..
- استقراء ومعرفة خلفيات أصحاب المشكلة وما يؤثر في منطقهم وعاطفتهم بقوله - صلى الله عليه وسلم - " ووكلتكم إلى إسلامكم " وما قال ذلك إلا لما أيقن أنهم أرق الناس قلوبًا وألينهم عاطفة وأشدهم حبًا للإسلام ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ..
- روى ابن سعد فى طبقاته وابن هشام في سيرته ، أن غـلامًا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه اسمه " جهجهاه بن سعيد الغفاري " تنازع مع " سنان بن وبر الجهني " وهما عند ماء المريسيع في أثناء مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - هنالك ، وكادا أن يقتتلا فصرخ الجهني " يا معشر الأنصار " وصرخ جهجهاه " يا معشر المهاجرين " فسمع بالأمر عبد الله بن أبي سلول فغضب وقال لمن معه : أوفعلوها ؟ قد نافرونا وكاثرونا في دارنا والله ما أعدنا وجلابيب قريش ( يقصد المسلمين من قريش ) إلا كما قالوا : سمن كلبك يأكلك أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، وكان ممن سمع كلامه زيد بن أرقم ، فمشى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره الأمر ، وكان عنده عمر - رضي الله عنه - فقال عمر : يا رسول الله مر عباد بن بشر فليقتله فقال عليه السلام : " فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه " , لا ولكن بالرحيل , وذلك في ساعة لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرتحل فيها , فارتحل الناس - وقد مشى عبدالله بن أبي بن سلول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه , فحلف بالله ما قلت ما قال , ولا تكلمت به , وكان في قومه شريفا عظيما , فقال من حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار من أصحابه : يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل , حَدَباً على ابن أبي بن سلول ودفعا عنه - ، وإنما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبى .
ومن الدلالات الهامة فى التعامل مع هذه المشكلة :
هدوء الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند وصوله خبر عبد الله بن أبي مما يدل دلالة واضحة على حسن القيادة التى يتمتع بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. ومن ثم اتخذ القرار المناسب ..
اشتغال فكر المرؤوسين بأمر آخر من الأساليب الإدارية والتربوية عندما نريد إبعاد فكر المرؤوسين عن المشكلة الواقعة .
اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسلوبًا راقيًا في معالجة الموقف وهو اتخاذ القرار المباشر فى تنفيذه قبل استفحال الأمر وانتشار رقعته .
الإهمال وعدم الرد قد يكون من أنجح العلاجات فى التعامل مع المشكلات وذلك عندما يكون الصمت أبلغ من الكلمات .
فكن أيها المشرف - المدير - بارعًا ولبقًا ، وسيطر على المشكلات من كل جانب وأحسن العرض .. وعالج بحكمة مستعينًا بالله ومقتديًا برسوله - صلى الله عليه وسلم - .
* الهدوء في التعامل مع المشكلات واستشارة المحيطين :
" ومن المواقف في صلح الحديبية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبل على أصحابه .. فقال لهم : " قوموا فانحروا ثم احلقوا " .. وكرر ذلك ثلاثًا - فوجدهم جميعا - وما قام منهم أحد ، فدخل على زوجته أم سلمة وذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت له : يا رسول الله أتحب ذلك اخرج ولا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك فيحلق ، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك : نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل الآخر لفرط الغم " .
" توقع أيها المشرف – أن يتأبى أفراد فريقك على أوامرك خاصة فى وقت الشدة وتراكم الشبهات ..
توقع ألا يكون لكلمتك دويًا فى قلوبهم وعقولهم ولست أحب إليهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه .
وعندما يحدث ذلك - استقبل الأمور بهدوء وروية - ولا تقف موقفًا صلبًا متشددًا ..
إنما اللين فى هذه المواقف وإعطاء القدوة هو خير ضمان لتهدئة الموقف .. حتى يعود صواب فريقك إليهم ..
كما ينبغي أن تحسن استشارة من حولك فى كل وقت ولا سيما وقت الأزمات ..
كيف تتعامل مع المشكلات
- تذكر أن تجاهل المشكلات وعدم المبادرة إلى حلها والتعامل معها التعامل الأمثل يؤدى إلى تفاقم الموقف وتوليد مشكلات أكثر .
- حدد المشكلة التي تريد حلها تمهيدًا لحلها متذكرًا أن التعريف الجيد للمشكلة هو الذي يبين في نفس الوقت اتجاه التغيير المطلوب .
- حدد القوى الدافعة والقوى المعوقة التي تؤثر على المشكلة ..
- حدد برامج للتعامل مع القوى المعوقة مع ذكر اسم المسئول عن هذا البرنامج ودورية التقرير الذي يرفع لمتابعة التنفيذ ..
- حدد برامج للتعامل مع القوى الدافعة لزيادة أثر هذه القوى ..
- اسع للتشاور مع مرؤوسيك في مرحلة تحديد أبعاد المشاكل والتعرف على أسبابها الحقيقية ..
- احرص بشدة على تحرى مدى صدق ودقة المعلومات التي جمعتها ..
- قم بصياغة المشكلة التي تواجهك في العمل بعبارات واضحة ومختصرة .
- اكتسب مهارة التمييز بسهولة بين الظاهرة والمشكلة في أي موقف تواجهه ويتطلب اتخاذ قرار ..
- اجمع المعلومات عن المشكلة التي بين يديك .. وتذكر أن المعلومة قوة ..
تذكر
1- إن المشكلات الكبيرة التي تواجهنا ، لا يمكن حلها بنفس مستوى التفكير الذي أدي إلى إيجاد هذه المشكلات نفسها ( أينشين ) .
2- ( المشكلة المُعَرَّفة جيدا هي مشكلة نصف محلوله ) .
3- هناك بعض الأشياء غير المفيدة ، إن لم تكن خطيرة مثل الإجابة الصحيحة للسؤال الخاطئ .
4- إذا أخبرت بالوجهة التي يجب أن يذهبوا إليها ولم تقل لهم كيف يصلون إلى وجهتهم فستصيبك النتائج بالدهشة .
5- اسع للتشاور مع مرؤوسيك في مرحلة تحديد أبعاد المشاكل والتعرف على أسبابها الحقيقية
احذر
- أن تقفز على النهايات أو تتسرع في البت في المشكلة دون التعرف على جوانبها ودراستها جيدًا .
- أن تخلط بين المشكلة الرئيسية ، والمشكلات الفرعية المترتبة عليها .
- أن تكتفي بمعرفة وجهة نظر واحدة أو جانب واحد من جوانب المشكلة .
- أن لا تلجأ إلى استكشاف بدائل أخرى لحل المشكلة وتذكر أن ذلك سيؤدي إلى نتيجة غير مرغوب فيها وبالتالي إلى قرار غير جيد وغير فعال .
- أن لا تحصل على أكبر قدر من المعلومات ، وتذكر أن ذلك سيؤدى بك إلى عدم تحديد واضح للمشكلة وبالتالي إلى اتخاذ قرار غير جيد .
- أن يكون لديك انحيازًا معينًا يجعلك تجمع المعلومات في اتجاه هذا الطريق .
- أن تهمل الدراسة الكافية والتقييم للحلول البديلة الممكنة في المشكلة المطروحة أمامك ..
- أن تتبع أسلوب النعامة وتهرب من المشكلة التي تواجهها ، أو تلجأ إلى حلول مسكنة .
ساحة النقاش