التربية الخلقية

غيابها حالياً و كيفية إثرائها مستقبلاً

فى عصر العولمة الذى يسعى إلى إبراز النموذج الامريكى فى أفضل صورة وإعلاء قدرته ليصبح النموذج الأفضل ، والحلم لكل الأطفال والشباب ، وهذا يدعونا إلى الحرص والحذر ، وأن نتبنى رؤية للمواجهة ، وليست المواجهة قاصرة على فريق منا دون آخر ، فالجميع مطالب بالتكاتف للمواجهة للحفاظ على الأبناء من كل غزو ثقافى وطمس حضارى ، ولعل إستراتيجية المواجهة التى ندعو إلى تبنيها إلا وهى القراءة ، ولا تكون هناك قراءة دون أن يكون هناك كتب،  فالكتب ستظل المصدر الأساسى الذى تستند إليه مختلف وسائل الاتصال الثقافية الأخرى .

ولكن السؤال أى الكتب التي سنعتمد عليها فى مواجهة عصر العولمة ، لا أبالغ لو اعتبرنا جميع الكتب ، ونشير هنا إلى الأنواع المرغوبة من الكتب الجيدة ونذكر الكتب الأدبية .

وهى المنوط بها أن تلعب دورًا أساسيًا فى المواجهة نظراً لما تحظى به من إقبال يمتد من الأطفال إلى البالغين ، فيمكن من خلاله أن نقدم أنماط مختلفة من البطولات وأعمال البطولة وذلك للأبناء لنغرس فى نفوسهم حب البطولة ليعثر كل طفل على نموذجه الذى يتفق مع أكثر ميوله إلحاحاً وبروزاً ، وهذا لا يعنى بالطبع الاقتصار على الكتب الأدبية كوسيلة لتقديم البطولات للأبناء ، ولكن يجب استغلال جميع وسائل الاتصال بالأطفال كالقصة والمسرحية والفيلم والأغنية والاسطوانة وغيرها من البرامج المسموعة والمرئية وإطلاق اسم الأبطال على الأماكن العامة مثل الشوارع والميادين والجامعات والمسارح والمبانى العامة وتحويل مساكنهم إلى متاحف أو عمل متاحف تضم مخلفاتهم .

وأهم من هذا هو إبراز بطولاتنا القوية من مختلف النواحى علمية أو اجتماعية أو دينية أو فنية أو عسكرية ، وإذا رصدنا واقعنا نجد أن أبنائنا يعانون من نقص شديد فى معلوماتهم عن هذه الشخصيات ، وهذا الجهل ليس مسئولية الأبناء بل هو مسئوليتنا جميعًا .

 يقول الدكتور( زكى نجيب محمود) في مقال بعنوان : " تراجم الأعلام " لابد من الترجمة لإعلامنا ، ماضيهم وحاضرهم على السواء ، وذلك لتفعيل وتأصيل التربية الخلقية التى بات واقعها الحالى مثار نقد واتهام من أفراد المجتمع للمجتمع ذاته وينسى من ينقد ويتهم انه جزء من هذا المجتمع ، وانه لا يجب أن يقتصر دوره على النقد والاتهام ، فأصبع الاتهام الذى يشير به إلى المسئول عن غياب التربية الخلقية معه فى نفس اليد أربعة أصابع تشير إلى صاحب الاتهام .

ولعلنى اطرح عليه سؤال هام ماذا صنع صاحب الاتهام لمواجهه هذا الغياب الحالى للتربية الخلقية ، فالمسئولية جماعية ، فهو منا ونحن معه جميعا مسئولين ، وعلى هذا بات رصد الواقع المرير للتربية الخلقية أمر معروف لنا جميعا ، ولكن ما ندعو إليه فى هذا المقال هو كيف نثرى التربية الخلقية لنضمن مستقبل أفضل للأبناء وللتحول إلى مجتمع فاضل بات مهدد فى أغلى ما يملك سلوك وقيم أبنائه .

ونشير إلى أن التربية الخلقية تركز على ركيزتين ، هما " المبدأ " و " المثال " .

أما المبدأ فهو الذى نشير إليه أن نفعل ذلك ولا نفعل ذلك .

وأما الركيزة الثانية فهي " المثال " بمعنى أن تجسد ما نريده من المبادئ فى أشخاص حقيقيين ، عاشوا تلك المبادئ دون أن يقتصر دورهم على ترديد ألفاظ فقط ، أى ربطوا بين النظرية والتطبيق ، وهذا سر من أسرار تخلفنا العظيم .

ولكن السؤال كيف يتم تقديم " المثال " ؟

والإجابة هى أن يقوم كاتب بترجمة لحياة شخص قام بأعمال عظيمة فى تاريخنا القديم أو الحديث ، وذلك كنموذج نعرضه على أبنائنا ليكون نموذج عملى بمثابة التطبيق الفعلى لما ينبغى أن يكون عليه نموذج البطل أو الزعيم أو المفكر أو الأديب أو العالم .

وهذا ما يطلق عليه الترجمة ولابد أن المنهج في كتابه التراجم هو منهج المؤرخ الذى يبحث فى صحة الوقائع والشواهد والأخبار التى بين يديه ليظهرها في صورة أقرب إلى الواقع .

وربما تكون وسيلة أخرى لتقديم النماذج الإيجابية وهى طريقة القصة التى بها جانب من الخيال وعدم التقيد والالتزام بالواقع بحذافيره ، ونشير إلى أهمية أن تكون الترجمة مزيج من القصة والتاريخ حيث تتمتع بأسلوب أدبى ووقائع صادقة من التاريخ  .

ومن المفيد الإشارة إلى أن تكون الترجمة تتميز بحيوية وجمال وتشويق العمل القصصي الناضج وان تقطع صلتها وتتبرأ من جفاف التاريخ .

ونشير هنا إلى نقطة شائكة :

هل يجب أن نظهر الشخصيات بدون سلبيات ومواطن ضعف وأن تظهر كلها كنموذج مثالى للسلوك أمام الأبناء ، ونرى عدم ذكر جوانب ضعف شخصية البطل فى حالة الترجمة له يفيد فى تحقيق الهدف الذى نرغبه من جعل تلك الشخصيات مثالاً ونموذجاً وقدوة لهم فى سلوكهم وقيمهم وأخلاقهم .

وهناك من يعترض على ذلك على اعتبار انه ليس من حق كاتب الترجمة أن يحسن ويضفى هاله على الشخصية التى يكتب عنها ، فنحن جميعا بشر ولسنا ملائكة وفى كل البشر نرى مظاهر قوة وضعف ووصل الأمر إلى درجة الاتهام بالتزوير لكاتب الترجمة لأنه يخفى معلومات هامة تخص الشخصية التى يترجم لها .

  ونقول هذا قد يكون جائز فى حالة كتابة كتب التاريخ , وهذا شكل رئيسى فى حياد مؤلف كاتب التاريخ أى المؤرخ ، ويتم تقييم المؤرخ على مدى موضوعيته ، وعرضه للإحداث بكل دقة وحيادية ، ولكن هذا يختلف – من وجهه نظرنا – عندما نعرض للأبناء ترجمة يجب أن ننتقى المعلومات التى تقدم لهم ، وفى هذا مغايرة للواقع واعتراف حقيقي بعدم ذكر الحقيقة التاريخية .

وهنا اذكر أن الطلاب فى مدارسنا فى عصر العولمة والسماوات المفتوحة تجد أنهم لديهم كم معلومات عن تلك الشخصيات غير المرغبة أو بالتحديد تصل إليهم معلومات ربما تكون حقيقية أو تكون معلومات كاذبة .

وهنا نقف أمام قضية " ماذا يجب أن نقوم به أو لا نقوم به ؟ أين الحقيقة ؟ .

هل نصر على معلوماتنا التى نصبها فى كتب التاريخ لأبنائنا أو نشير إلى الأحداث السيئة والسلبية قبل الايجابية؟

فهل يعقل أن أذكر في كتاب التاريخ الرسمي أن الزعيم الذي هو رمز للامه أنه كان يشرب الخمر ، هل يجوز ذلك ؟ وهنا تختلف الآراء وتتعدد وهذا ما نسعى إليه هل الحقيقة التاريخية حقيقة أم غائبة أم مستحيلة ؟

وقضية التربية الخلقية لن يتم حلها بمقال ، ولن يتم حلها بكلام وكلام ، ولكن الحل أن نمد أيدينا معا من أجل نشر ثقافة الفضيلة ومواجهة اللاأخلاق وسد منابع القيم السيئة ، أن الحل هو التطبيق الفعلى لنشر الأخلاق من خلال الكتب الأدبية الجيدة .

المصدر: بقلم /دكتور ناصر على
  • Currently 193/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
66 تصويتات / 1062 مشاهدة
نشرت فى 7 يناير 2010 بواسطة Drnasser

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

109,229