" الولاء " هو الإنتماء لكيان ما سواء بالفكر أو العاطفة أو بالعمل ، وهو مفهوم طالما أرهق المؤسسات .. فبناء الولاء أو صناعة الولاء لدى الشركة أو المؤسسة كان دائماً يتطلب جهداً كبيراً من إدارة الموارد البشرية داخل المؤسسات الكبرى لإدارة مشاعر الموظفين وضمان بقاء حبهم للمؤسسة وعملهم من أجل مصلحتها .. واللعب على المشاعر فى صناعة الولاء كان الأكثر تأثيراً فى مخاطبة العقول .. فعلى سبيل المثال تفضل بعض الشركات مكافأة موظفيها بالرحلات الترفيهية بدلاً من أن تمنحهم مكافأت مالية ، ذلك لأن الرحلة تترك صورتها المبهجة فى ذاكرة الموظف ، فترتبط هذه الذكرى السعيدة بعلاقته بالشركة مما يدعم الولاء العاطفى وحب المؤسسة ، بينما صرف المكافأت المالية قد يكون أكثر عملية وأكثر مخاطبة للعقل لكنه لا يترك نفس التأثير .

فالولاء عاطفة وطاقة وشعورية قد تبدأ بالإقتناع العقلى ولكنها تستمر وتشتعل بالمشاعر وهى كلمة تعشق السفر والتنقل بين الكيانات المختلفة ، فهناك الولاء للأسرة وهو الولاء الفطرى الذى تدعمه العشرة والمصير المشترك ، والولاء للشركة وهو غالباً ما ينتهى بإنتهاء علاقة الموظف بالشركة وقد تمتد بقاياه اذا لم يجد بديلاً , والولاء للوطن وهو أشهر أنواع الولاء ، والولاء للفكر كالعقائد والديانات والأيدلوجيات المختلفة وهو من أعلى درجات الولاء ، والولاء للجماعة كجماعة الإخوان المسلمين أو الجماعات الدينية مثلاً وهو من الدرجات العالية ايضاً من الولاء خاصة اذا إرتبط بالعقيدة أو الدين ، وهناك الولاء للفرق الرياضية وهو ولاء إنفعالى من الدرجة الأولى ووهم نصنعه بداخلنا ونستمتع به ، فلو سألت أحد مشجعى الأهلى مثلاً ماذا إذا تغير مجلس إدارة الأهلى وجاء مجلس إدارة نادى الزمالك ليدير الأهلى هل ستظل تشجع الأهلى ؟ ولو بالغنا فى التخيل .. ماذا إذا انتقل كل لاعبى الزمالك للعب فى النادى الأهلى والعكس ... فهل ستظل تشجع الأهلى ؟ ولو أسهبنا فى التصور ماذا إذا انتقل مقر النادى الأهلى إلى مكان نادى الزمالك مثلاً ، فهل ستظل تشجع الأهلى ؟ أعتقد أن الإجابة ستكون بنعم على معظم هذه الإسئلة وإذا سألتته بعد ذلك : إذن أنت ماذا تشجع ؟ ستجده يشجع إسم الفريق حتى وإن تغيرت كل المكونات الأخرى للكيان الذى ينتمى إليه بمشاعره والذى لا تعود عليه أى فائده مادية من فوزه أو تألقه ... مما يؤكد إنفعالية الولاء الذى نسمح له بإختراق مشاعرنا ونربيه كالطفل بداخلنا حتى يكبر .

وللولاء درجات تبدأ من حب الإنسان للشئ بمجرد إحساس وشعور مثل حب المغتربين لأوطانهم حتى وإن تركوها وهو فى حالة غضب ورفض الكثير من الأوضاع فيها ، ويمتد ليصبح عملاً من أجل الشئ بل وتقديماً للتضحية فى بعض الأحيان مثلما حدث فى ثورة الخامس والعشرين من يناير حيث إرتفعت لحظة الولاء فى ميدان التحرير إلى أعلى درجاتها ، مثلما يحدث عند الفدائى الذى يضحى بحياته من أجل فكرة أو كيان يقتنع به ويدين له بالولاء . 

ومن أكثر الأشياء التى تدعم الولاء وتقويه هى وجود هدف مشترك حيث يمتزج الولاء للمؤسسة بالولاء للذات وكلما قويت قيمة ذلك الهدف .. كلما قوى الولاء للمؤسسة ، وتبذل الشركات جهداً كبيراً فى ربط الهدف المؤسسى بالأهداف الشخصية لموظفيها ، حتى تضمن الولاء المتحرك فى إتجاه الهدف الجماعى المشترك .

أما عن أكثر الأشياء التى تؤثر سلباً على الولاء ، بل وتقضى عليه فى بعض الأحيان ، فهو عدم الإحساس بالعدل ، حيث يولد طاقة سلبية وإنحيازاً للذات تتعارض مع الولاء للمؤسسة ، وهناك العديد من الشركات التى تمنح رواتب باهظة ولكن هذه الرواتب تفقد تأثيرها النفسى مع الوقت إذا استشعر الموظف أنه قد يستحق راتباً أكبر مقارنة بأحد زملائه ، لذا فكان الهم الأكبر لمديرى الشركات هو وضع مقاييس تقييمية دقيقة ومعلنة ومفهومة بالطبع وذلك للتأكيد على إحساس الموظفين بالعدل حتى لا يتسرب إليهم الإحباط مما يؤثر على إنتاجيتهم وولائهم للمؤسسة . وقد قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير للمطالبة بالعدل كمطلب أول قبل رغيف الخبز ، مما يؤكد مرارة مذاق عدم الإحساس بالعدل ، ويجب على الحكومات أن تدعم دائماً لدى المواطن الإحساس بالعدالة مما يرفع من درجة ولائه العملى ويجعله يحتمل أصعب الظروف التى تمر بها بلاده . ويقدم الصبر والعمل من أجلها . ويجب أن تدرك الحكومات أنه لكى تؤكد الولاء لدى الناس لا يكفى فقط أن تطبق العدالة ولكن يجب أن تجعلهم يستشعرونها 

المصدر: د.عصام خليفة
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 379 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2013 بواسطة DrEssamKhalifa

عدد زيارات الموقع

3,572