من اقوى أسباب التوتر الذى يسود المشهد المصرى اليوم هو عدم وجود رؤية ،و تمرير الرؤية من القيادة الى الشارع – او ما يسمى بصناعة الرؤية - ليس بالشىء اليسير، فهو يحتاج اولا الى المصداقية التى هى شرط اساسى للقيادة و التى ينهار مفهوم القيادة تماما ان لم تتحقق،و العكس – فكلما اكتسب القائد شيئا من المصداقية كلما تأكدت أحقيته فى القيادة ، و تجسدت قدراته القيادية. و الخطوة الثانية فى تمرير الرؤية بعد- التأكيد على مفهوم المصداقية – هى اختيار ما يحتاجه الشارع بالفعل ليتم به صياغة الرؤية، فالتعريف المؤسسى للرؤية هو" ماذا نريد ان نكون غدا " ، و غالبا ما يتحرك الشارع فى اتجاه ما يحتاجه او ما يجيده ، لذا فكان لزاما على القائد إشراك الشارع فى صناعة الرؤية لكى تكتمل بمفهومها المؤسسى و لكى يتأكد ولاء الشارع للفكرة و تبنيه لها لأنه يستشعر انه هو صاحب الفكرة و صانع الرؤية. و بالتالى اصبح مطلوبا من القيادة ان تكون قريبة من الشارع بجميع طبقاته و سائر طوائفه ، و مختلف ايدلوجياته ، اصبح مطلوبا من القائد ان يتقمص جميع الأدوار ، و ينظر الى الأحداث برؤى مختلفة تحمل خيال الطفل و حكمة الشيخ و سيكولوجية المرأة ،و طموح الرجال، و تمر من خلال تمسك المتدين ، وتحرر الليبرالى و بساطة رجل الشارع الذى لم تمسه قيود التصنيفات، على القائد ان يصنع رؤية مشتركة بين المسلم و المسيحى و السلفى و الصوفى و العلمانى و الاخوانى ...و كل من يعيش على ارض هذه البلدة، فالرؤية ان لم تكن عاملا مشتركا بين الأطياف المختلفة ؛ فقدت فاعليتها و تحولت الى مصدر للصراع بين اصحاب الرؤى المختلفة. الرؤية يجب ان تتحول الى هدف مشترك ، محدد بفترة زمنية ، و يجب ان يتحول الهدف الى أهداف اقرب أو ما يطلق عليها "أهداف قصيرة المدى " ، ثم يتم توزيع الأهداف على الفئات المختلفة ثم على الأفراد حيث تتحول هذه الأهداف الى مهمات يقوم بها الأفراد ، و على مستوى العمل المؤسسى يمكن السيطرة و التحكم فى تحقيق الهدف بوسائل عدة مثل الحوافز المالية أو الترقى، اما على مستوى الدول ، فالصورة مختلفة ، و التحكم أصعب ، حيث لا توجد حوافز مادية و لا ترقيات ، و لا وسائل للعقاب ايضا، فالحافز الحقيقى و الرئيسى هو ايمان الناس بقيمة ذلك الهدف ، و عقيدتهم فى أهمية تحقيقه ،و المحرك الأساسى انفعالى وليس ماديا ، و من هنا كان للاقتناع أهمية ، و للاعتقاد وزن و قيمة، وهناك العديد من الرؤى التى يمكن تمريرها الى الشارع المصرى و التى يمكن ان تتحول الى هدف حقيقي و التى لا يختلف عليها طيف او جماعة مثل الخروج من الأزمة الاقتصادية ، أو الاستقرار الأمنى ، او الموقع السياسى لمصر على الساحة العربية و الشرق اوسطية أو اصلاح التعليم و اعادة بناء الانسان المصرى .....الخ .و معظمها – ان لم يكن جميعها – يمثل احتياجا حقيقيا للمصرين و لا يختلف عليه احد ، و بالتالى يمكن تمريره كرؤية بسهولة اذا صدقت القيادة و اذا امتلكت المصداقية.
و يراعى فى تمرير اى رؤية الوضوح و الشفافية حتى يمكن تفهمها بسهولة من المواطن البسيط ، كما يراعى قطع الشك باليقين عن طريق اتخاذ خطوات أولية حقيقية ، و هنا يطلب من القيادة دائما المبادرة ، و التحرك فى المقدمة حتى يتشجع الاخرون ، و يتأكد ايمانهم بالهدف، فإذا تطلب الأمر مثلا ترشيد الاستهلاك ، يكون القائد أول من يرشد استهلاك مؤسساته و إذا تطلب استقرارا أمنيا ؛ يكون أول من يحترم النظام و يطبق القانون ، على القائد أن يكون فى المقدمة ، ليس فقط على كرسى الحكم و إنما فى اتخاذ الخطوات الصعبة و قفزات التغيير.
لكى تصنع رؤية بمفهومها المؤسسى ؛ لابد من قيادة تمتلك المصداقية و المبادرة و الإحساس باحتياج الشارع؛ حتى تتحول الرؤية الى هدف و الهدف الى عمل و العمل الى نتائج حقيقية تخرجنا مما نحن فيه.