الأحــوال والمقامـات

تعتبر الأحوال والمقامات عند الصوفية طريق موصل إلى معرفة الله عزوجل، وقد وصفها ابن خلدون في مقدمته بالغاية المطلوبة للسعادة، يقول:  "ولا يزال المريد يترقى من مقام إلى مقام إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة"(1).

ويتفق الصوفية مع ابن خلدون في رأيه بأن الترقي في المقامات ينتهي بصاحبه إلى توحيد الله تعالى ومعرفته، وطالما وصل صاحب المقام إلى هذا فإنه يكون قد تحقق له غاية السعادة والأمن والسلام مع نفسه ومع غيره .

     وكما اتفق رجال الصوفية على أن الأحوال والمقامات طريق موصل إلى الله تعالى ومعرفته، نجدهم قد اختلفوا في عدد هذه الأحوال والمقامات، كما اختلفوا في ترتيبها، وفي حقيقة الأمر نجد أن كل سالك يصف لنا على حدة منازل سيره وحال سلوكه الذي سلكه في الوصول إلى الله تعالى، وعلى الرغم من هذا الاختلاف فيما بينهم فإنهم يقررون "أن الأحوال مواهب والمقامات مكاسب، والأحوال تأتى من الوجود نفسه، والمقامات تحصل ببذل المجهود"(2).

والحال عند القاشاني هو "ما يرد على القلب بمحض الموهبة من غير تعمل كحزن، أو خوف، أو بسط، أو قبض، أو شوق، أو ذوق يزول بظهور صفات النفس، سواء أعقبه المِثل أولاً، فإذا دام وصارا ملكًا يُسمى مقامًا(3)." فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب"(4).

كما حُكي عن إمام العارفين وسيد الطائفة الجنيد (رحمه الله)، أنه قال:" الحال نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم"(5).

أما الحال في اصطلاح أهل الطريقة كما يقول الواسطي (رحمه الله) فيطلق على "ما قام بالقلوب من المواهب الإلهية والجذبات القدسية فيقال حال الخوف، حال الشوق، حال الرجاء ... وأمثال ذلك، ويسمى في عرف أهل الزمان خوارق العادات حالاً أيضًا"(6).

وهو أيضًا "ما أقام العبد به دين الله في قلبه وجوارحه مثل التعظيم لله تعالى والحب له، والمكاشفة بجلاله وإكرامه وعظمه شأنه، والحياء منه الموجب لاستقامة الظاهر وصفاء الباطن ... "(7) .

والمقام عند الطوسي (رحمه الله)(8)" معناه مقام العبد بين يدي الله عز وجل، فيما يقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع إلى الله عز وجل، وقال الله تعالى " ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ "(9) " وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ"(10).

أو هو "ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب، مما يتوصل إليه بنوع تصرف، ويتحقق بضرب تطلب، ومقاساة تكلف، فمقام كل واحد في موضع إقامته عند ذلك"(11).

كما يشترط القشيري على العبد "أن لا يرتقى من مقام إلى مقام آخر ما لم يستوف أحكام هذا المقام، فإن من لا قناعة له لا يصح له التوكل، ومن لا توكل له لا يصح له التسليم، ومن لا توبة له لا تصح له الإنابة، ومن لا ورع له لا يصح له الزهد"(12).

 

كما لا يصح –في رأى القشيري- "منازلة مقام إلا بشهود إقامة الله تعالى إياه بذلك المقام؛ ليصح بناء أمره على قاعدة صحيحة"(13).

وقد جعل الإمام الواسطي للأحوال والمقامات علامات منها:" ما وافق كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وجذب إلى الله، واتصل بالله، وآثرهما قربًا من الله، وعبد الله بذلك الحال، فاتصلت عبودية العابد بذلك الحال بالله، وكان الله عز وجل هو المعبود به والمعظم فيه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو الداعي إليه والعابد له فيه، وكان العبد هو الذليل الفقير الراجع إلى مولاه بالافتقار والالتجاء إليه، كما أنها تُزهِّد صاحبها في الفاني وتُرغِّبه في الباقي، وتُغِّيبه عن الخلق وعمَّا في أيديهم فيتصل غناه بالله وفقره إليه وينفصل عن العالم وعن الأشياء مما سوى الله تعالى "(14).

 

الفرق بين الحال والمقـام:

اتفقت معظم كتب التصوف على أن:

"1- الحــال: معنى يَردُ على القلب من غير تعمد ولا اكتساب.

   المقــام: ما يقام فيه العبد ويتحقق بالعبادات والمجاهدات والمكاشفات.

2- الحــال: تبطن فيه المكاسب وتظهر المواهب.

  المقــام : تبطن فيه المواهب وتظهر المكاسب.

3- الحـال : سُمِّي حالاً لتحوله .

 المقــام  سُمِّي مقامًا لثبوته واستقراره .

4- الحـال : من المواجيـد .

 المقــام : طرق لهذه المواجيد.

5- صاحب الحال : مترقٍّ عن حاله .

 صاحب المقام : متمكن في مقامه .

6- الحال مثل: الطرب، والحزن، والبسط، والقبض، والمراقبة، والقرب ...

  المقام مثل: اليقظة، والتوبة، والورع، والزهد، والفقر، والرضا ..."(15).            

ولكن هل التزم الواسطي في تناوله للمقامات والأحوال بهذا التصور وهذه التفرقة؟ إن استقراء ما كتبه الواسطي في هذا المجال يدل على أنه لم يفصل بين المقامات والأحوال فصلاً واضحًا، ولم يذكر بينهما فروقًا، وساقهما جميعًا في كتبه مع بعضهما، وربما يرجع ذلك إلى أمرين:

أولاً: الفرق التقليدي بين المقام والحال، والمتمثل في أن المقام يُنال بالمجاهدة والكسب، والحال يحصل بالوهب عند الواسطي غير موجود؛ فكل ما ذكره من مقامات وأحوال يعتمد على الوهب الإلهي والتوفيق من عنده سبحانه وتعالى للعبد.

ثانيًا: إن الشيء بعينه قد يكون حالاً ثم يصير مقامًا أو العكس، فربما ترك الواسطي التفرقة بين المقامات والأحوال لذاتية التجربة التي يمر بها السالك وخصوصيتها، ونحا منحى عمليًّا في بيان هذه الدرجات بالشرح والتحليل.


(1) عبد الرحمن بن خلدون: مقدمة ابن خلدون ص 328- دار ابن خلدون بالإسكندرية.

(2) القشيري: الرسالة القشيرية ص 57.

(3) القاشاني: اصطلاحات الصوفية ص 57.

(4) الجرجاني: التعريفات ص 110-111.

(5) الطوسي: اللمع ص 66.

(6) الواسطي: في السلوك –القسم الرابع- لوحة 237 ص ب.

(7) المرجع السابق، نفس الصفحة.

(8) الطوسي: اللمع ص 65.

(9) سورة إبراهيم : من آية 14.

(10) سورة الصافات: 164.

(11) القشيري: الرسالة ص 56، وينظر التعريفات للجرجانى ص 289.

(12) المرجع السابق، ص 56-57.

(13) القشيري: الرسالة القشيرية ص 57.

(14) الواسطي: في السلوك –القسم الرابع- لوحة 237 ص ب.

(15) ينظر القشيري: الرسالة القشيرية ص 56-57، والطوسي: اللمع ص 65-66. 

المصدر: مصطفى فهمي: رسالة ماجستير- كلية دار العلوم -جامعة القاهرة
Dr-mostafafahmy

د/ مصطفى فهمي ...[ 01023455752] [email protected]

ساحة النقاش

مصطفى فهمي

Dr-mostafafahmy
فلسفة الموقع مهتمة بتحديد طريقة الحياة المثالية وليست محاولة لفهم الحياة فقط. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

453,016