ما الإنسان إلا أنه تراكمات معرفية و تراكمات للخبرات تشكل شخصيته و تكون حصيلته المعرفية التي ينظر إلى الكون من خلالها ؟!! من هنا كان لزاماً على الإنسان أن يستغل وقته في كل ما هو مفيد لزيادة خبرته و معرفته و بناء تصور عام و شامل يتميز به عن غيره و عن السائد و عما ينتشر حوله من أفكار و أطروحات، ليستقل بذاته و يستطيع القفز من فوق حفرة التبعية و الأفكار السائدة. فهذه العمليات لا تكون بالراحة و السكون الاطمئنان إلى أن الزمن سيعلم أو أن الشهادة الجامعية تغني عن التوسع و التعمق في كل ما هو جديد، و في المعارف الأخرى، فالتخصص مطلوب و لكن ليس وحده، إذ يجب أن تكون الثقافة داعمه، فالثقافة هي التي تحدد ملامح الإنسان و شخصيته، و بالتالي هي التي تجعله مؤهلاً لأن ينظر بمرآته و عيونه هو لا بمرآة أو عيون غيره، فينجو من التبعية التي رانت على عقولنا، فنحن قوم وقفت بنا عقارب الساعة عند القرون الوسطى و لم يسع بعدها أي إنسان إلا ما رحم ربي على محاولة زحزحة هذه العقارب و لو قليلاً إلى الأمام، إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه من التخلف والرجعية نظراً إلى أننا لم نسع إلى تغيير منظومتنا الفكرية التي تحكمنا، و التي تسيطر على عقولنا و التي تمنعنا من أن نخطو لو خطوة واحدة إلى الأمام.
من هنا كان لزاماً على الإنسان أن يعمل وبكل ما يمتلك من جهد على زيادة ثقافته وفي المجالات كافة، فالتخصص وحده لا يعظي الإنسان الثقافة اللازمة للتعرف على نواميس الكون وعلى ما مرت به البشرية من أفكار، وبالأصل لن يعطي الإنسان القدرة على التعرف على الطريقة التي تكون بها العقل البشري، وأخيراً فهو بالقطع لن يعطيه القدرة على الوقوف على مكامن الخلل الذي أنتج مثل هذه العقليات.
أهم وسيلة لزيادة الثقافة هي الواظبة على القراءة وفي كافة المجالات، حيث أن المختصون قد وضعوا حداً أدنى لكيفية تثقيف النفس عن طريق قراءة كتابين شهرياً أحدهما يكون في مجال التخصص والآخر في أي مجال آخر يختاره الإنسان. وهناك أيضاً طريقة أخرى لزيادة الثقافة، وهي عن طريق الاستماع الدائم للمحاضرات الفكرية الندوات العلمية لمختلف المفكرين والباحثين والمؤرخين، فهذا من شأنه أيضاً أن يضيف إلى الإنسان ثقافة واسعة. أما من أهم الوسائل التي تحول بين الإنسان وبين ازدياد ثقافته هي مسألة عدم تقبل وسماع الرأي الآخر، فالإنسان يجب أن يمتلك القدرة على أن يستمع إلى كافة الآراء حتى تلك الآراء التي تنتقد منهجه وثوابته، فبذلك يستطيع التعمق أكثر وأن يجدد أفكاره باستمرار بعيداً عن الجمود والانغلاقية.