في عالم اليوم يطلع علينا كل نهار بصرعات وصخب تسويقي هائل يفوق ما أصدره أسطورة أعمال الاستعراض الأميريكيّ فينياس بارنوم خلال حياته الحافلة كلّها.
ومثل دودةً تبتلع ذيلها، تتغذّى وحوش التسويق الإنترنتيّ على أنفسها، فتجد معظم ما ينشر على الإنترنت في شأن التسويق مصمّماً لمساعدتك في تسويق منتجات وخدمات تباع وتقدّم حصرياً عبر الإنترنت.
وماذا يعني هذا الكلام لمحترفٍ مستقل يهدفُ حضوره على الشبكة العنكبوتية أساساً إلى بيع منتجاته أو خدماته الخاصة؟
كما تعرف، تقدّم معظم خدمات المحترفين الاختصاصيين بالطرق التقليدية، أي عبر أشخاص تلتقي بهم وجهاً لوجه أوعلى الأقلّ صوتاً لصوت.
وفي أحسن الأحوال تعني حفلة الصخب التسويقي المستمرّة على الإنترنت أنّ المحترف المستقلّ يغرق أو يرتبك في خضمّ الحجم الهائل من نصائح التسويق المتدفّقة، وفي أسوأ الأحوال تضلّله تلك النصائح وتقوده إلى مآزق خطيرة.
القضيةُ هي أنّ تسويق خدماتك الاحترافية الخاصة ليس كتسويق منتج استهلاكي، وهو ليس مطابقاً أيضاً لتسويق خدمات شركةٍ غير مميزةٍ شخصياً.
لا يمكنك أن تبيع الاستشارات الإدارية كما تبيع خدمات استضافة المواقع. ولا يمكنك بيع تدريب القيادات كما تبيع كتاباً إليكترونياً. إن حاولتَ تسويق نفسك على الإنترنت باتباع النصائح المصمّمة لمنتجات وخدمات الإنترنت فإنّك تخطئ في حق نفسك خطأً فادحاً.
الخرافة1- نجاحك يبدأ من موقعك الإلكتروني الرائع
في الواقع، يبدأ نجاحك من الخدمة الموضّحة معالمها توضيحاً دقيقاً. إن لم تكن لديك صورةٌ فائقة الوضوح عمّن تستهدفهم بتسويقك، وماذا تبيع لهم، فإنّ أفضل موقعٍ في العالم لن يستطيع أن يجلب لك العملاء.
قبل أن تفكّر مجرّد تفكير في إنشاء موقعك الإليكترونيّ يجب أن تعرّف سوقك المستهدفة، وأن تحدّد كيفية توصيفك لاختصاصك الاحترافيّ، وللفوائد المحدّدة التي يقدّمها عملك للمتعاملين معك.
محتوى موقعك الإليكترونيّ أهم بكثير من تصميمه. أجل ينبغي أن يكون لديك موقعٌ ذو مظهر احترافيّ رفيع، ولكنّ التصاميم الخلابة والألوان والصور الجذابة لن تفيد فائدةً معتبرةً تقارن بتلك التي يحقّقها الشرح الواضح لمبررات التعامل معك.
إنّ تقديم مواد مفيدة مثل المقالات، والتقييمات، ونماذج خبرتك الأخرى سيقطع في إقناع زبائنك المحتملين بالتعامل معك شوطاً بعيداً لا يمكن أن تقطعه الافتتاحيات الفلاشيّة والقوائم التفاعلية.
الخرافة 2- مزيدٌ من المرور يعني بالتأكيد مزيداً من الأرباح
إن النتيجة الوحيدة التي يضمنها تصاعد المرور في موقعك هي زيادة استخدام "عرض الحزمة bandwidth" المخصصة لحساب استضافتك.
وإذاً قبل أن تنفق المال على إعلانات البنرات، والمشاركة في الدلائل directories، والإدراج في قوائم "الدفع بالنقرة" لتأمين المزيد من الزوار لموقعك، ينبغي أن تكون واثقاً من أنّ هؤلاء الزائرين سيجدون ما يجعلهم يتعاملون معك.
اطلب من زملائك وعملائك الحاليين تفحّص موقعك وتزويدك بملاحظاتهم. هل يفهمون بوضوح ماذا تقدّم؟ هل يرون فوائد ملموسةً لجمهورك المستهدف؟ وعدّل موقعك بناءً على تلك الآراء.
وبعد إعداد موقعك ادعُ شخصياً بعض العملاء المحتملين إلى زيارته، ثمّ تفحّص تفاعلهم بعد فترة من الزيارة. ترى هل أصبح هؤلاء العملاء المحتملون أكثر ميلاً للتعامل معك بعد زيارتهم للموقع؟ إن كانت الإجابة نعم فأنت على الطريق الصحيح، وإن كانت غير ذلك فلا بدّ من مزيدٍ من المراجعة والتصحيح.
الخرافة 3- من أجل قائمتك البريدية الضخمة افعل أي شيء
لا جدال في أنّ قائمة "المنضمّين إلى لائحة تلقّي بريدك opt-in mailing list" عنصر تسويقيّ قيّم. ولكن يجدر الانتباه هنا إلى أن نوعية الأسماء في القائمة أهمّ بكثير من عددها.
إنّ الحصول على الأسماء من خلال ما يفشيه بعض الناس عن الآخرين، أو تبادل القوائم مع شركاء، أو شراء القوائم، نادراً ما يتيح لك عملاء محتملين مؤهّلين للتعامل معك ومهتمّين حقاً بالخدمات التي تعرضها.
بالتأكيد، عليك أن تدعو زوّار موقعك وكل من تقابلهم إلى الانضمام إلى قائمتك البريدية وتعرضَ عليهم شيئاً مقابل ذلك. مقالةٌ مجانية حسنة الإعداد، أو تقرير مفيد، أو تسجيل صوتي تثقيفيّ يمكن أن يعمل أيّ منها كمحفّز مشاركة فعّال.
لكن انتبه: مهما كان اختيارك فإنّه يجب أن يبقى متصلاً اتصالاً مباشراً بالخدمات التي تقدّمها، وأن يساهم في تعزيز اعتماديتك الاحترافية. وتذكر: إن الأسماء التي تحصل عليها من وسائل التحايل الترويجية، أو من مصادر غير معروفة نادراً ما يخرج منها زبائن تمكن الاستفادة منهم.
الخرافة 4- الكلمات المنفوخة والصياغة الخلّابة هي مفتاح المبيعات السحريّ
إن نصوص الموقع المنفوخة بالكلمات الكبيرة والتعابير الآسرة والوعود المعسولة قد تكون مجديةً في بيع المنتجات المعلوماتية info-products (مواد تعريفية أو حلول مبسّطة)، أو مناهج الدراسة الذاتية في المنزل، ولكن يستحيل الاتكال عليها في توليد الثقة.
لن تقنع أحداً بالتعامل معك كاستشاري إداريّ أو مدرّب أو مصمّم أو مستشار ماليّ إن كنت تتحدّث بلغة "ليست واحدة! ولا اثنتين! بل ثلاث تقدمات مجانية قيمة ستجدها لدينا.." وكأنّك تسوّق لطقم سكاكين المطبخ الجديد في إعلان تلفزيوني آخر الليل.
إنّ شخصيتك التي يعبر عنها تسويقك ينبغي أن تعكس الاحترافية ذاتها التي سيلمسها العملاء في عملك الحقيقيّ. إن كانت كتابة مواد التسويق ليست من نقاط القوّة المتميّزة لديك فعليك بالتأكيد أن تستأجر خدمات كاتبٍ محترف. واحرص على أن يكون من تستعين به متخصصاً حاذقاً في الكتابة للاختصاصيين المشابهين لك.
إنّ المحتوى النصّي على موقعك ينبغي أن يولّد مشاعر الثقة بقدراتك، ويوصّل للقرّاء ما تتحلّى به من اعتماديّة ومؤهلات قويّة.
الخرافة 5- ببساطة: اتبع وصفة الثراء الرائجة وستصبح ثرياً
إن الوصفة الوحيدة المضمونة التي أعرفها لتحقيق الثروة من العمل على الإنترنت هي بيع وصفات الثراء المضمونة!
ويا للعجب! هناك جمهور ضخم من الزبائن الواقفين بانتظار كلّ حيلة ثراء سريع يتم اختراعها، ولا يكادُ يغيّر في الأمر شيئاً حقيقة أن حفنةً نادرةً من الناس يحقّقون الثراء من العمل على الإنترنت.
نعم الإنترنت واسطةٌ لتسويق الخدمات الاحترافية التخصصية تختلف عن الأساليب التقليدية من اتصالات هاتفية ورسائل ولقاءات شخصيّة، ولكن ذلك لا يعني أيّ تغيير في مبادئ النجاح الراسخة منذ القدم وحتى الأزل.
ليس هناك وصفةٌ عجائبية لتحقيق النجاح بين عشية وضحاها.إن سرّ اجتذاب العملاء والنجاح في التعامل معهم يبقى كما كان منذ القديم: بناء العلاقات، وجعلُ الناس يعرفونك، ويحبّونك، ويثقون بك.
إن كان موقعك الإلكترونيّ، ومقالات مجلّتك الإلكترونية ezine، وشبكتك الاجتماعية، وفعالياتك الأخرى على الإنترنت تساهم في بناء علاقات ثقة بعيدة المدى مع العملاء المحتملين ومصادر دلالة العملاء فستجدُ لك عملاً مزدهراً على الإنترنت.
لكن إن كنت تقذف برسالتك رشاً على كلّ من تصادفه أمامك، متوجّهاً إلى الربح السريع فإنّ الإنترنت لن تجلب لك عملاً أكثر مما يجلبه لك الوقوف على الرصيف وبيدك مذياعٌ ضخمٌ تنادي به على كل من يمر بك.
ساحة النقاش