بعض تصرفات الطفل فطرية، بمعنى أنّه خلق ليتصرف بهذه الطريقة. ولكن هناك عوامل عديدة أخرى تؤثِّر في تصرفاته، إضافة إلى العامل الجيني، منها مثلاً، الأسلوب الذي تتبعه الأُم في تربية وتنشئة الطفل، والأشخاص الذين يصادفهم، والذين قد يؤثرون فيه إلى درجة تقليدهم، ووسائل الإعلام، كالتلفزيون والأفلام السينمائية، والإنترنت.

وللظروف العائلية أهمية أيضاً في سلوك الطفل، كما الضغوط التي يتعرض لها، والتحولات التي قد يشهدها، بما في ذلك الالتحاق بالمدرسة، والمرض في حال أصيب به.

من هنا، لا يمكن الفصل بين تصرفات الطفل وكل هذه المؤثرلات. ومهما كان السبب الأساسي وراء تصرفه، أو الرسالة التي يريد إيصالها إلى الأُم من خلاله، فإن على الأُم أن تتعامل مع الأمور السلبية والإيجابية بحكمة وصبر.

كل شخص فينا تنتابه مشاعر الغضب والعدوانية، بمن في ذلك الطفل. وموجات الاهتياج هذه تعتبر طبيعية وصحية ومتوقعة، خصوصاً من الطفل. وبما أنّه لا يزال صغيراً، فهو لا يملك القدرة على ضبط نفسه والتعبير عن غضبه بطريقة مسالمة، بل على العكس. فهو قد يثور في حال شعوره بالغضب، ويقوم بتصرفات عدائية من ركل وضرب وعض. وعلى الأُم أن تتوقّع مثل هذه التصرفات خلال المراحل الأولى من حياته.

- ثورة لأتفه الأسباب:
إنّ مهارات الطفل اللغوية، وقدرته على التعبير عن مشاعره العاطفية، مثل السعادة والغضب والحزن، لا تكون متطوّرة بشكل جيِّد، عندما يكون في العمر ما بين السنة ونصف السنة والسنتين ونصف السنة. لذلك، فهو يشعر بالإحباط، ويثور لأتفه الأسباب، كأن يحاول أي شخص، الحد من رغبته في لمس أي شيء أو القيام بعمل يرغب فيه. لأنّه يفتقر إلى الإستقلالية، فهو يثور غضباً بسرعة، ويفقد السيطرة على نفسه. وهنا يحتاج إلى الأُم لتتولى زمام الأمور، ولتساعده على ضبط نفسه، والتعبير عن مشاعره بطرق مقبولة ومناسبة لعمره.

ليس من السهل على الأُم القيام بذلك، خصوصاً أنّ الطفل كان قبل هذا العمر الرهيب، محباً ولطيفاً ويتفاعل بشكل جيِّد مع المحيطين به. لذا، قد يعتقد بعض الأهل أنّ الطفل الوديع المحب تحول فجأة إلى وحش. خلال هذه الفترة يجب أن يتركز اهتمام الأُم على وضع حدود لتصرفاته المتهورة حتى لا يؤذي نفسه أو الآخرين، أو إلحاق الضرر بالمنزل، لكن عليها ألا تعاقبه.

- التأديب والعقاب:
وفي حين يعتقد الأهل أنّ التأديب والعقاب هما الشيء نفسه. إلّا أنهما في الحقيقة مختلفان. فالتأديب هو وسيلة للتعليم ولإقامة علاقة جيِّدة بين الطفل والأهل. أثناء تأديب الطفل، على الأُم أن تمتدحه إلى جانب توجييه، بصوت حازم وواضح، بنية تحسين تصرفاته. على العكس من ذلك، العقاب هو عمل سلبي، حيث تقوم الأُم بمحاكمة العواقب السيِّئة لتصرف الطفل، أو عدم إطاعته أوامرها. والعقاب هو جزء من التأديب، لكنّه جزء صغير فقط. ولن يفهم الطفل الهدف من العقاب إلّا بعد أن يبلغ الثالثة من العمر، أو ربّما بعد هذه السن. إن وضع حدود للطفل أفضل بكثير من معاقبته، ومعظم الأطفال يتجاوبون مع الحدود والقوانين الواضحة والهادفة.

على الأم أن تدرك أنّ من المقبول والطبيعي أن يثور ويغضب الطفل أحياناً، لكن من غير الطبيعي أن تتكرر نوبات غضبه، فقد يتسبب في أذية نفسه وغيره. ومعظم الأطفال لا يغضبون إلّا إذا استفزوا، وما لم يكن الطفل متعباً أو واقعاً تحت ضغط كبير، يمكن تهدئته بسهولة. وهو عادة ينسى غضبه بسرعة. وقد يبكي أو يصرخ في وجه الأُم ويجادلها، لكنه لا يلجأ إلى العنف إلّا في حال كان محبطاً جدّاً.

وبعض الأطفال يكونون حسّاسين جدّاً، لذا فهم ينزعجون بسهولة ويغضبون بسرعة. ومعظم هؤلاء يولدون وهم بهذه الصفات، وغالباً ما يكون من الصعب تهدئتهم ومواساتهم ففي المدرسة، يبدون عدائيين نحو الأطفال الآخرين والبالغين، وهم ينفجرون غضباً فجأة من دون أي سبب، وقد يبدون سيِّئ الخلق أو سريعي الانفعال معظم الوقت، أمّا إذا تسببوا في أذية أحد أثناء ثورة غضبهم، فقد يعتذرون إليه وقد لا يعتذرون، ولا يشعرون بمسؤوليتهم عن الأضرار التي يحدثونها، ويلقون باللوم دائماً على الآخرين في حاولة لتبرير أفعالهم.

- إشارات مقلقة:
كل طفل معرض لأن يكون عدوانياً، لفترة من الوقت، خاصة عندما يكون متعباً أو منزعجاً أو واقعاً تحت ضغط كبير، في فترات معيّنة. لكن إذا طالت هذه الفترة لأسابيع عدة، وكانت تصرفاته خلالها عدائية باستمرار على الأُم مراجعة الطبيب. أمّا إذا تكررت تصرفاته السيِّئة بشكل روتيني يومياً، وطالت لفترة تجاوزت الستة أشهر، فقد تعتبر حالته على أنّها مشكلة مستعصية.

إنّ هذا الشكل من التصرف العدائي. يمكن أن يؤدِّي إلى مشاكل إجتماعية وعاطفية خطيرة إذا سمح باستمرارها. فقد يفقد الطفل كل أصدقائه، فيؤثّر ذلك فيه ويزيده غضباً وتوتراً، ويقلل من ثقته بنفسه. هذا إضافة إلى خطر إلحاق الأذى بنفسه وبالآخرين. وفي حال لم يتم وضع حد لمثل هذه التصرفات، يمكن أن تتفاقم المشكلة عند التحاق الطفل بالمدرسة. وعندها قد يطرد من المدرسة. وعندما يفقد الطفل ثقته بنفسه يمكن أن يدمرها في ما بعد، بإدمانه المخدرات أو المشروبات الروحية، وقد يلجأ إلى الانتحار.

لا أحد يعرف أسباب هذا النوع من "سلوك الفوضى المضطرب" فقد يعود السبب إلى تركيبة الطفل البيولوجية أو إلى العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، أو خليط من الاثنين معاً. وفي معظم الحالات يكون الجو العائلي مضطرباً ومتوتراً وضاغطاً، وربّما يكون في العائلة نفسها أفراد آخرون يعانون المشكلة نفسها. ولكن هناك حالات لا يوجد تفسير لها.

- ما الذي تستطيع الأُم فعله؟
إنّ أفضل طريقة لمنع الطفل من القيام بتصرف عدائي، هي توفير حياة منزلية آمنة ومستقرة، ومنحه المزيد من الحب، ومراقبته بشكل دقيق في السنوات الأولى من عمره، وقبل الالتحاق بالمدرسة، وعلى كل مَنْ يعتني بالطفل أن يكون مثالاً جيِّداً له، وأن يلتزم بتطبيق القوانين التي تضعها الأُم.

إنّ الأطفال لا يعرفون قواعد المنزل إلّا إذا تعلموها، وهذه من مسؤوليات الأُمْ المهمة. وبما أنّ الطفل يكون عادة مولعاً باللمس والاستكشاف، لذا على الأُم إزالة كلُّ ما هو ذي قيمة في طريقه، وأن تخصص له مكاناً آمناً ليلعب فيه.

يجب تطبيق القوانين على الطفل بشكل دائم، وليس فقط عندما يسيء التصرف. في العادة، ينظر الطفل إلى الأُم وهو يبتسم عندما يسيء التصرف، فتبتسم له بدورها وتضمه إلى صدرها. مع مرور الوقت، إذا شعر الطفل بأنّه بدلاً من أن يعاقب تم تشجيعه، فإنّه لن يسمع إلى الأُم، ولن يتعلّم القوانين، ولن يغيِّر من سلوكه.

ويفضل دائماً تعليم الطفل السلوك الجيِّد، بدلاً من الإكتفاء بالقول: "توقف عن هذه التصرفات وإلّا...".

وأثناء تعليم الأُم الطفل حسن السلوك، يمكن للأُم الهاؤه بأمور أخرى من حين إلى آخر، من قراءة قصة، أو اللعب أو الرسم معه.. إلخ. لتهدئ من غضبه. لكن عليها ألا تلجأ إلى "رشوته" بتقديم وجبة طعام خفيفة، أو بقطع الحلوى. لأنّ "الرشوة" لتحويل انتباه الطفل وإلهائه عما آثار غضبه، تعتبر من الوسائل الفاشلة والمضرة بصحة الطفل.

- التعبير بالكلام لا بالعنف:
وبما أنّ الطفل الصغير لا يملك القدرة على السيطرة على نفسه، على الأُم أن تعلمه التعبير عن مشاعره بالكلام وليس بالركل أو الضرب أو العض. ومن المهم ان يعرف الفوارق بين الدفاع عن حقوقه واللجوء إلى العنف أو توجيه الإهانات للآخرين عند الشعور بالغضب.

وأفضل طريقة لتعليمه هذه الدروس، هي مراقبته بحذر أثناء لعبه مع أطفال آخرين أو الجدل معهم. فإذا كان النقاش أو الخلاف بينهم محدوداً، يمكن أن تراقب الأُم الوضع من بعيد، وتفسح المجال أمامهم لحل نزاعاتهم وحدهم وعلى طريقتهم. ولكن عليها أن تتدخل فوراً عندما يتحوّل النقاش إلى نزاع جسدي، واستمرهذا النزاع حتى بعدما أمرتهم الأُم بالتوقف عنه. وعليها هنا أن تفرق بينهم وتبقى معهم حتى يهدأوا ويعودوا للعب. أمّا إذا كان النزاع عنيفاً، فعليها إنهاء اللعب فوراً، والتوضيح لهم أنّه من غير المهم من "بدأ" النزاع، فلا عذر أبداً لتصرفهم العدائي، ومحاولة إلحاق الأذى ببعضهم بعضاً.

ولتجنب الأخطار، على الأُم أن تعلم الطفل طرق التعامل مع غضبه وعدم اللجوء إلى التصرف العدائي. عليها أن تعلمه أن يقول "كلا"، بصوت ثابت وواضح عند اشتداد الخلاف، وأن يدير ظهره للمشكل، أو أن يحاول التوصل إلى تسوية بدلاً من القتال. كما أنّ عليها أن تعلمه أنّ حل المشاكل بالكلام فعال وحضاري أكثر من النزاع الجسدي، وأن تمدحه إذا أحسن التصرف، وأن تبين له مدى سرورها، لأنّه أصبح يتصرف مثل شخص بالغ. ولأنّه أصبح يبدي تعاطفاً مع الآخرين.

- طريقة "الوقت المستقطع":
ولا مانع من أن تلجأ الأُم إلى وسيلة "الوقت المستقطع"، كعقاب للطفل عندما يسيء التصرف، لكن يجب عدم اللجوء إليها إلّا بعد استنفاد جميع الوسائل الأخرى. وعند الاضطرار يمكنها وضع الطفل على كرسي في مكان في المنزل، خالٍ من وسائل التسلية والراحة، لفترة قصيرة من الوقت، على أن توضح له باختصار شديد وبكلام واضح سبب معاقبته. في البداية، يجب أن تكون فترة "الوقت المستقطع" قصيرة، خاصة عندما يكون الطفل صغيراً، وأن تنتهي حالما يهدأ الطفل. والهدف من ذلك هو أن يتعلّم الطفل أنّ العزل مرتبط بسوء التصرف. وعند انتهاء "الوقت المستقطع" على الأُم مراقبة الطفل بدقة، وأن تمتدحه في حال أصبح تصرفه جيِّداً.

وعلى الأُم أن تنتبه لتصرفها دائماً، في حضور الطفل. فمن أفضل الوسائل لتعليم الطفل حسن السلوك، ضبطها لأعصابها والسيطرة على غضبها. فإذا عبرت عن غضبها بهدوء وسلام، وبالتأكيد سيتصرف الطفل بالطريقة نفسها، وعندما يكون ثائراً. كما أنّ عليها ألا تخفي مشاعرها عن طفلها. وإذا أرادت تهذيبه، عليها أن تفعل ذلك من دون تردد ولا اعتذار. ومع أن عملية التهذيب غير محببة للأُم، لكنّها ضرورية، فالطفل في حاجة إلى أن يعرف أنّه ارتكب خطأ، حتى يتحمل مسؤولية أفعاله، ويبدي رغبة في تقبل نتائج أخطائه.

المصدر: مقالات النجاح.. البلاغ
Al-Resalah

الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co

  • Currently 120/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
40 تصويتات / 1737 مشاهدة

ساحة النقاش

الرسـالة للتدريب والاستشارات

Al-Resalah
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,028,537