الفرد أساس الأسرة المسلمة، والأسرة المسلمة أساس المجتمع المسلم، ونجاح الأسرة أكبر من نجاح الأفراد؛ لأن كثيراً من الأسر فيها أفراد متميزون، وهذا شيء مطلوب، لكن المهم هو نجاح الأسرة بما هي أسرة، أي بالروح التي تسودها، والعلاقات التي تربط بينها، وبالإضافة التي تشكلها بالنسبة إلى المجتمع. أُمّة الإسلام في حاجة ماسّة إلى أكبر عدد ممكن من الناجحين أفراداً وأسراً؛ لأنّها تعاني من الكثير الكثير من المشكلات، ومكانتها بين الأُمم أقل بكثير مما تستحقه، وما يليق بها، ولعلي أشير في سياق ما نعنيه بتفوق الأسرة المسلمة إلى النقاط الآتية:

  • التمسك بتعاليم الشريعة الغراء نصاً وروحاً يؤدِّي بإذن الله تعالى إلى النجاح والتفوق في الحياة، تصوَّروا معي أسرة: تلتزم بالواجبات الشرعية، وليس فيها مدخن ولا مدمن، ويعطف فيها الكبير على الصغير، ويحترم فيها الصغير الكبير، وتنام في وقت مبكر، ويسودها الهدوء والنظام والجدية والحرص على الوقت وحب العلم.. كيف يكون حالها؟ لاشك في أنّها بتلك المواصفات والسلوكيات قد وضعت نفسها على طريق التقدّم والتفوق؛ وأنا أؤمن إيماناً مطلقاً بأن كل مظهر من مظاهر الطاعة موصول بشكل من أشكال النجاح والتفوق، كما أن كل مظهر من مظاهر المعصية موصول بشكل من أشكال الفشل والإخفاق، وهذا ميزان يمكن أن نزين به كل الأمور.
  • تمجيد الإنجاز، والعمل الصامت، والتشجيع عليه، وإظهار الإعجاب به والمكافأة عليه...، كل ذلك من تقاليد الأسرة الناجحة. إنّ كل تقدّم يحققه أي فرد من أفراد الأسرة المسلمة هو باعتبارٍ ما تقدم وإنجاز للأسرة كلها، ومن ثمّ فإن على الأسرة كلّها أن تُظهر سرورها بما يحرزه أي واحد من أفرادها، وأن تحتفل به، ونحن نعرف أنّ الإنسان مهما بلغت إمكاناته، ومهما تراكمت نجاحاته، ومهما كانت ثقته بنفسه عظيمة، فإنّه سيظل يشعر بالحاجة إلى الثناء والتقدير، وهذا ما لا يصح أن نبخل به.
  • حل الخلافات الأسرية من غير الحاجة إلى تدخل خارجي: هذا من مهمات الأسرة المسلمة والنجاح فيه من علامات تفوقها. كل البيوت فيها خلافات، والأسر العظيمة هي التي لا تشغل الأهل والأصدقاء، وتزعجهم بمشكلاتها الخاصة. الأبوان مطالبان بالقيام بهذه المهمة على نحو رئيس، وكذلك الأولاد الكبار، وأعتقد أنّ الاهتمام بما يحدث داخل الأسرة ومتابعته باستمرار كافٍ لتحقيق ذلك.
  • محاولة السكن في منطقة جيِّدة، وليس في هذا دعوة إلى النخبوية، ولا تلميح بالدونية لأي شيء وإنّما المقصود أن لا يسكن المرء في منطقة منهارة، فمدن الصفيح على سبيل المثال هي بيئات نموذجية لإنتشار الجريمة والرذيلة والمخدرات واليأس والأمراض بكل أنواعها، وبعض المناطق يكون أهلها مصابين بما يشبه (الهوس) ببعض الأشياء السيِّئة، وبعضها لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الخدمات.. المهم أن ننتبه إلى شيء آخر، هو توفر المدارس والجامعات الجيِّدة، إذ إنّ المدارس الضعيفة تسيء إلى عقلية الطفل ومستقبله وخلقه وتشوه شخصيته؛ ومازالت الأسر المهتمة من زمن قديم وإلى يومنا هذا تهاجر بأبنائها من القرى والبوادي إلى المدن الكبرى من أجل تعليمهم، وهذا عمل عظيم.
  • حتى تحصل الأسرة على النجاح؛ فإنّ عليها أن تجعل من (الجدية) سمة عامة لتعاملها مع الأشياء، وقد أخذ الله تعالى الميثاق على بني إسرائيل أن يأخذوا التوراة بقوة أي بجد وعزم وهمة، فقال سبحانه: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 63)... فالجدية تعني الاهتمام بكل شيء، والتدقيق في الصغيرة والكبيرة، هذا أب سمع عن أحد أولاده أنّه يمشي مع مراهقين غير جيِّدين، فلم يتهاون بالأمر، وإنّما جلس مع ابنه، وقال له: يا بني من هم هؤلاء الذين تخرج معهم في الأسبوع مرّتين وثلاث مرّات؟ فقال الابن: أبناء حيِّنا، وبعضهم زملاء في المدرسة. هنا أخذ الأب يسأل عن أسمائهم وأهليهم.. وأخذ يسأل عن أسر أولئك الفتيان، ويحاول معرفة انطباعات الناس عنهم، ولما عرف أنّهم فعلاً سيئون، فاتح ابنه في الموضوع، واتفقا على إنهاء تلك العلاقة خلال ثلاثة أسابيع، والجدية تعني كذلك الاستماع إلى الأبناء باهتمام، ومحاولة فهم مشكلاتهم وأشكال معاناتهم؛ لأنّ الطفل قد يعاني من أمور عديدة، ولا يجد أي معيّن له عليها؛ لأنّه يستحي أو يخاف من التحدّث بها مع أبويه، ومن هنا: فإن على الأبوين معرفة ما يقلقه ويزعجه، ويسيء إليه، أضعف إلى كل ذلك: أن من الصعب أنْ نَصِفَ أي أسرة بالجدية إذا لم تتعامل مع الوقت كما يتعامل الشحيح مع الدينار والدرهم. الجدية في الإستفادة من الوقت تعني التفكير في أسلوب العمل الذي ينتج المرء من خلاله الإنتاج الوفير في أقصر مدة ممكنة، كما أنّها تعني: تقليل أوقات اللهو والنوم إلى الحد الأدنى أو على مقدار الحاجة الحقيقية، وتعني الجدية كذلك: ترتيب الأولويات، وعدم إنفاق الوقت في الأشياء التافهة، وتضييع الأشياء المهمة، وان الأسرة التي تهتم بالوقت يساعد أفرادها بعضهم على الإستفادة من أوقاتهم من خلال التعاون والمعاونة، وسيادة روح الفريق.
  • الأسرة الناجحة في زماننا هي أسرة متعلمة وغير هذا نادر جدّاً. نحن لا نحتاج اليوم إلى تعليم، وإنما إلى تعليم ممتاز ليس بالمقاييس المحلية، وإنّما بالمقاييس العالمية، والبداية في هذا أن يدرك الأبوان أنّ رأس مال الجيل الجديد هو ما لديه من معرفة متطوّرة، وتدريب عال، وعليهما بعد هذا أن يخططا لتوفير المال المطلوب لذلك، فالتعليم الممتاز اليوم صار عالي التكلفة، وإن كان التعليم الرديء أعظم منه تكلفة، وإنّما على المدى البعيد، وعلى الأسرة أن تساعد الأبناء على السفر والترحال في سبيل طلب العلم، وإنّما أقول هذا الكلام؛ لأنّ هناك الكثير من الأسر التي لا تسمح لأبنائها بالسفر والغربة بسبب تعلقها بهم، أو بسبب الخوف عليهم من الفساد. أما الخوف من الفساد شيء مشروع ومفهوم، ولكن لابدّ من البحث عن سفر آمن بالنسبة للأبناء حتى تتسع مداركهم، ويكتسبوا المعرفة المتقدمة من مصادر ممتازة، وإلى جانب التعليم في مكان جيِّد هناك شيء آخر، هو تشجيع الموهبة لدى الأبناء ورعايتها، وهذه مسألة في غاية الأهمية، حيث إن لدى كل طفل نقاط قوة وموهبة في شيء ما، وحين نكتشف ذلك الشيء ندعمه، ونشجعه على تنميته، فإننا بذلك نضعه على طريق العظمة – بإذن الله تعالى –، ونقدم له خدمة لا تعدِلها خدمة أخرى، وكثيراً ما يُظهر الطفل في الثالثة عشرة من عمره هواية معيّنة، أو ميلاً إلى مادة من المواد، أو تخصص من التخصصات، والمطلوب حينئذ تشجيعه، وتقديم الدعم له. وهنا شيء مهم، وهو أنّ المهم ليس التخصص الذي يميل إليه الفتى، وإنّما موقعه في ذلك التخصص مستقبلاً، فإداري ممتاز أفضل بكثير من طبيب عادي، ومؤرخ من الطراز الرفيع أفضل من عشرة مهندسين عاديين.. وهكذا.

إذا رزق الله تعالى الأسرة طفلاً موهوباً، فليقرأ الأبوان كتاباً أو كتابين في أساليب رعاية الموهوبين، وليتعاونا مع أستاذته في الاهتمام به وتوجيهه، وليحاول والده جمعه مع الأساتذة البارزين في الهواية أو الإختصاص الذي يميل إليه، فهذا يولّد لديه حافزاً إضافياً، ومن المهم جدّاً أن نذكر هنا أنّ الأسرة مطالبة بالقيام بدورها ودور المدرسة في إكتشاف مواهب الأبناء وتنميتها، وذلك لأن معظم المدارس لدينا لا تقوم بهذا الدور؛ مع الأسف الشديد!

المصدر: مقالات النجاح.. البلاغ
Al-Resalah

الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co

  • Currently 91/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
32 تصويتات / 2545 مشاهدة

ساحة النقاش

syr2255

السلام عليكم ورحمه الله
هل من الممكن معرفة كاتب المقال

الرسـالة للتدريب والاستشارات

Al-Resalah
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,039,358