بقوله: "كان لا يقبل كلمة (نعم) كإجابة". فلا يروي ظمأه إلا الغوص في التفاصيل والمحاولة الدائبة للفهم العميق لكل حقيقة مجهولة.
أولاً: احتفظ معك دائماً بمذكرة أو دفتر ملاحظات:
حيث تستطيع تسجيل أفكارك، وانطباعاتك، وتساؤلاتك حول مسألة ما أو أمر معين في لحظتها. وكم تذكر أن فكرة مبدعة خطرت لك لم تقيدها بالكتابة، ثم لم تستطع تذكرها فيما بعد!.
هذا بالإضافة إلى أن الفكرة التي تسجلها في وقت نشوءها سوف تحمل معها الحالة النفسية والبيئة التي ظهرت فيها هذه الفكرة.
يمكنك أن تستخدم أي نوع من الدفاتر سواءً زهيدة الثمن أو الملونة منها، ولكن المهم أن تحملها معك أينما ذهبت، وأن تكتب فيها باستمرار. كما يمكن أن تخصص ملفاً معيناً على جهازك الحاسوبي الشخصي لكي تسجل فيه ملاحظاتك وأفكارك.
هذا ما كان يفعله العالم الشهير ليونارد دافينشي ،الذي ترك بصمته المميزة على عدد من العلوم. يمتلك الباحثون ما يقارب سبعة آلاف صفحة على شكل دفاتر ملاحظات لهذا العالم. ومع ذلك، يُجمع معظم الباحثين على أن هذه التركة تمثل نصف ما سجله دافينشي من ملاحظات خلال حياته.
بعد أن درس أحد الباحثين دفاتر ملاحظات هذا العالم الفضولي، أشار إلى أنها تحوي ملاحظات حول مختلف الموضوعات، مكتوبة على عجل ودون ترتيب، وأحياناً في نفس الصفحة. كما قد تجد نفس الملاحظة في أكثر من موضع أو قسم. وبالإضافة إلى الملاحظات الكتابية، يحوي دفتر ملاحظات هذا العالم على رسومات، وتصاميم، ومخططات متنوعة وغير ذلك.
كان (دافينشي) يسجل في دفتره ملاحظاته ,أسئلته، وأحلامه، وآراء لعلماء عصره الذين يقدرهم، ومقاطع شعرية، ونكتاً أيضا.
قبل أن انتقل إلى العنصر الثاني، دعوني أنبه إلى ماشعر به أحد الأصدقاء عندما بدأ يطبق هذه الفكرة. يقول : "كان ينتابني حالة من القلق أو التردد أو الخوف عندما أبدأ بتسجيل ملاحظتي!. كنت دائما أتساءل إن كان ما أكتبه صحيحاً أو مهماً أو ذا قيمة".
وهذه نقطة هامة، فعندما تكتب يجب أن تشعر بكل هدوء وأريحية وأن تكتب أي شيء، ودون ميل إلى تقييم أو نقد ما كتبت. لأن الفكرة المبدعة- كما يقرر المبدعون- لا تأتي إلا بعد كتابة عدد هائل من الأفكار العادية أو حتى السخيفة!.
لقد مضى وقت طويل ونحن في تردد وشك من قدرتنا على الإبداع والإبتكار، من قدرتنا على إنجاز شيء مهم، من قدرتنا على أن نترك بصمة مؤثرة في الدنيا قبل أن نمضي منها. لقد آن الأوان لأن تنطلق وتحلق في الآفاق. لقد أن الأوان لكي تسجل أسمك ضمن قائمة المميّزين الذين أضحت الدنيا بعد ولادتهم عالماً مختلفاً.
ثانياً: تكمن مهارة الفضول في القدرة على ابتداع الأسئلة.
فالعقول العظيمة تطرح دوماً أسئلة عظيمة ومحيّرة. هذه الأسئلة هي شرارة الإشتعال للبحث وراء الحقيقة والغوص في أوعية المعرفة. وهي التي ستمنحك وضوحاً وفهماً وعمقاً للقضية التي تبحثها أو تدرسها.
يقول برنارد شو: (بعض الناس يرون الأشياء كما هي عليه ويقولون: لماذا؟ إنني بأشياء لم تحدث قط وأقول لم لا؟!)
تمتلك الأسئلة الجيدة طاقة هائلة في استثارة الفكر، كما تلهم بالفرص الجديدة. هذا ما يخبرنا به العباقرة والمبدعون. فقد كانت المحفز لألبرت أينشتاين الذي نظرية النسبية حيث يقول: من المهم عدم التوقف عن السؤال، فحب الإستطلاع قائم لأسبابه الوجيهة الخاصة. ولا يمكن للإنسان إلا أن يحس بالرهبة حين يتأمل الأسرار الخفية للكون. لذا يكفي أن يحاول المرء أن يتأمل جانبا صغيراً فقط من هذا السر الخفي كل يوم. وعليك ألا تحاول قط أن تتخلى عن شعلة حب الإستطلاع.
وعودة إلى دافينشي لنرى كيف كان يستثير فكره بطرح الأسئلة. ومن ذلك مثلاً ما وجد العلماء في دفاتره حول طيران الطيور. فقد كتب:
* كيف يطير الطير؟
* لماذا يمتلك جناحان؟ وريشاً؟
* كيف يتمكن من الإقلاع؟ كيف يتمكن من إبطاء حركته وتسريعها؟
* كم هو العلو الذي يمكن أن يصل إليه؟
* متى ينام؟
* وماذا يأكل؟
* وما هي قدرته على الرؤية؟
وهكذا العديد من الأسئلة التي لم يجد لها إجابة وافية، لكنه على الأقل امتلك الحماس لمعرفتها. كما أن هذه الأسئلة كانت البداية لبحثه وتعرّفه على آلية تحليق الطيور.
ثالثاً: التأمل
كثيراً ما نحرم أنفسنا من لحظات التأمل التي نُعمل فيها فكرنا لنتفحص أمراً ما، أو نحلل مشكلة، أو ندرس قضية أو ظاهرة. يُذكر عن أحد الفلاسفة أنه لجأ إلى أن يفقأ عينيه! حتى يحث نفسه على التفكر والتأمل ويتوقف عن الإنشغال بالقراءة والمطالعة. لا أدري ما صحة هذه القصة، لكن ما أعرفه جيداً هو أن التأمل والتفكر يحتلان أهمية كبيرة كمهارة تساعدنا على ترقية أنفسنا وتحفيزها وتفحص مسار حياتها. وليس من دليل على عظم هذه المهارة من حث العزيز العليم في القرآن الكريم عباده على التأمل والتفكر في خلقه والسياحة في الأرض لأخذ العبر والعظات ومدحهم في عشرات المواضع بمثل هذه الصفات.
إن انخراطنا اليومي في أعمالنا، والقيام بمسئولياتنا حوّلتنا إلى كائنات أشبه بالآلات، وحرمتنا الفرصة في الإستفادة من أعظم نعم الله ألا وهو العقل وما يمتلكه من إمكانيات هائلة ومذهلة.
تمرين1:
العمل على قضية معينة هي إحدى الأدوات القوية التي تؤدي إلى تركيز الفضول. أختر هذا الصباح قضيةً من حياتك الشخصية أو المهنية. وابدأ خلال اليوم بتسجيل ملاحظاتك وأسئلتك حولها. لا تستعجل في أخذ أي موقف أو رأي حولها. ولا تهتم بالإجابة عن الأسئلة. فقط سجل ملاحظاتك المبسطة وأسئلتك. في نهاية اليوم ستجد أنك امتلكت ذخيرة واسعة حول هذا الموضوع. يمكنك الآن أن تقرأ حوله للنظر في آراء الآخرين ومن ثم تضع نظرتك وفكرتك الخاصة.
تمرين2:
وهو تمرين التأمل.. اجلس في مكان هادئ.. استرخي.. ضع أمامك أحد الأسئلة التي أثرتها سابقاً. ابدأ في التفكر والتأمل.. تحتاج إلى التركيز الشديد.. كلما شعرت أنك شردت بعقلك عن الموضوع، أقرأ السؤال مرة أخرى، واستجمع تركيزك.. كثير من الناس لديهم عادات معينة لجلب تركيز أكبر مثل المشي أو قيادة السيارة (لا ننصح بها!) أو اللجوء إلى أماكن معينة تمنح المزيد من الإسترخاء والتركيز.
لقد وجد العديد من الناس الفائدة من القيام بهذا التمرين قبل النوم وبعد الإستيقاظ لأنهم شعروا وكأن عقلهم كانت تعمل حول هذا الموضوع أثناء نومهم!.
تمرين3:
من الأدوات الرائعة أيضاً كتابة ما يخطر في بالك حول قضية ما. اختر واحدة من الأسئلة التي أثرتها سابقاً. اجلس في مكان هادئ. خذ عشرة دقائقة لكتابة كل ما يخطر ببالك حول هذا السؤال. الفكرة الأساسية أن تبقي قلمك يكتب دون اهتمام بالصياغة أو القواعد النحوية أو غيرها. حافظ على قلمك يجري على الورق حتى لو كتبت أفكار سطحية أو معروفة فأنت الآن تتغلب على الجانب البدائي من تفكيرك. ومن ثم ستنفتح أمامك آفاق أوسع.
ختاماً: هذه دعوة لأن تحيي هذه المهارة في عقلك، والتي ستكفل لك أن ترى العالم بشكل مختلف، وأن تتخلص من كل ملل. كما أنها دعوة لأساتذتنا المعلمين، حيث تكمن أعظم رسالة للتعليم في إيقاظ الفضول في عقول الصغار الغضّة والتي ستعينهم في بناء مستقبل زاهر.
ساحة النقاش