قدر لكل فرد أن يواجه موت شخص حميم له (أب، أم، زوجة، ابن، صديق) في فترة ما من حياته، قد تكون مرت، وقد تكون منتظرة. وهذه المواجهة مؤلمة، وتعد أكثر مآسي الحياة وأشقها على النفس، وقد تؤدي إلى مخاطر كثيرة، كإصابة المَكرُوب (من فقد عزيز) بأعراض مرضية (بدنية أو نفسية) مختلفة، وقد تصل خطورتها إلى وفاته أو محاولته الانتحار. هذا بالإضافة إلى اللا توافق النفسي الاجتماعي الذي يعانيه المكروب فترة طويلة بعد وفاة من يحب، قد تصل إلى عدة سنوات، فوفاة شخص عزيز حدث:

  • شديد الشيوع، فلا ينجو منه أحد.
  • مفاجئ يأتي بغتة، فلا يتهيأ ـ انفعالياً ـ لاستقباله أحد.
  • يترتب عليه مدى واسع من الآثار الجسمية والنفسية والاجتماعية، وتمتد معاناة المكروب من هذه الآثار لشهور، وربما لسنوات.

متى وكيف يتم التخفف من الأسى؟
أ ـ تستغرق عملية التخفف ما بين عام إلى عامين، وهذا التخفف يتم تلقائياً، ومن الممكن تقليل هذا الوقت والإسراع بإيقاع التخفف من خلال الكشف عن العناصر الفعالة التي تيسره، فيتم الحفاظ عليها، وتلك التي تعوقه واستبعادها.
ب ـ تكشف البحوث عن عدد من الأساليب المفترض فعاليتها في التخفف من الأسى، ومنها:
1 ـ الإفصاح عن المشاعر، أي أن يعبر المكروب عن انفعالاته الإيجابية منها والسلبية ـ نحو الفقيد ـ حتى لا يصبح الأسى مزمناً، ويصطدم هذا الإجراء مع القيود الاجتماعية في بعض المجتمعات التي لا تحبذ إظهار المشاعر نحو المتوفي.

2 ـ المساندة الاجتماعية، ويقصد بها أي عون أو مساعدة يقدمها الآخرون للمكروب وتشعره بالراحة سواء كانت لفظية كالتعليقات على شكوى المكروبين، أو غير لفظية كنبرة هذه التعليقات وتعبيرات الوجه والإيماءات وما تعكس من تجاوب انفعالي وتعاطف مع المكروب، أو كانت المساعدة أدائية كزيارته (مدة الزيارة ومعدلها) والإسهام في حل المشكلات الناتجة عن الفجيعة، وتؤثر فعالية المساندة على طبيعتها ومقدارها وتوقيت تقديمها وهوية مقدمها، وكذلك على إدراك المكروب لها ومدى تناسبها مع توقعاته وملاءمتها لمرحلة الأسى التي يجتازها، ففي المرحلة الأولى حيث الأسى شديد تكون المساندة الوجدانية ـ وخصوصاً من أفراد الأسرة (الزوج أو الوالدين) ـ مهمة جداً، وفي المرحلة اللاحقة حيث تنخفض شدة الأسى ويتهيأ المكروب للقيام بمسؤولياته الاجتماعية والمهنية فإن مساندة الأصدقاء والزملاء تصبح أكثر أهمية، ومع أن غياب المساندة أو كونها دون توقع المكروب يزيد من شدة الأسى ومن خطورة عواقبه إلا أنه قد يثير الحافز للاعتماد على الذات أيضاً.

3 ـ التخلي عن المظاهر الحدادية، ويعد أكثر أساليب التخفف فعالية، فالالتزام بهذه المظاهر يزيد الحزن والتخلي عنها يقلله، حيث توجد علاقة بين طقوس الحداد ومشاعر الحزن كما سبقت الاشارة، وتلعب الضغوط الاجتماعية ـ من الأهل ـ دوراً بارزاً في مساعدة المكروب على التخلي عن الطقوس الحدادية.

4 ـ الاقتداء من خلال مقارنة المكروب أحزانه بأحزان الآخرين والاستفادة بخبراتهم في التخفف، وقد أشار الكندي إلى أهمية هذا الأسلوب.
5 ـ إدراك الجوانب الإيجابية في الموقف، وكما أشار القرآن الكريم (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) البقرة: 216، ويسهم الآخرون ـ بنصائحهم ـ في إعادة إدراك المكروب للموقف، وأن الخسارة مهما كانت ضخمة فإنها تنطوي على مكسب ما، وأن إدراك ذلك ييسر عملية التخفف ويعجل بها، ولعل أكبر المكاسب هو زيادة القدرة على تحمل المصائب اللاحقة، إذ تعد أهون من وفاة عزيز، وكما قال الشاعر: لقد جر نفعاً فقدنا لك أننا أمنا على كل الرزايا من الجزع.

6 ـ الممارسات الدينية، فقد تبين أن لقراءة القرآن الكريم دوراً كبيراً في تقليل الحزن الناتج عن وفاة عزيز، ومرجع ذلك تضمن القرآن آيات تحث على الإيمان بالقدر والرضا بالقضاء والصبر عند المصاب والوعد بالإثابة (الجنة) لمن صبر، والوعيد بالعقاب (النار) لمن لا يرضى بقضاء الله، ولهذا الإيمان دوره الكبير ليس في هذه الحالة فقط ـ الحزن ـ وإنما يعد وسيلة للاحتفاظ بالصحة النفسية وتحمل المشاق، وأحد مكاسب وفاة عزيز أن تشعرنا بالقرب من الله.

7 ـ الاستبدال كأن تستبدل الأرملة دورها كامرأة عاملة بدورها كأرملة، ودورها كأم بدورها كزوجة، أي تعوض فقدها لمحور نشاطها (الزوج) بتكثيف أنشطتها في محاور بديلة، كالعمل والاهتمام بالأولاد والتقرب إلى الله والزواج اللاحق. كالكسيح الذي يعتمد على يديه بديلاً لرجليه، أو كمن يعتمد على رجليه بديلاً ليديه.. وهكذا.

8 ـ تقليص الروابط الوجداينة مع الفقيد تدريجياً، ويتم ذلك بواسطة تجنب التحدث عنه مع الآخرين وتجنب وضع ما يذكر المكروب به في تناول اليد كمتعلقاته الشخصية أو صوره، إذ تعد مهيجات للأسى.

عرضنا لأساليب التخفف من الحزن، وتعتمد غالباً على مبادرة شخصية من المكروب، فالتسليم بالواقع ـ الفقد ـ ومواجهة مقتضياته وإدراك الجوانب الإيجابية فيه والنفور من الطقوس الحدادية والتخلي عنها وتكريس الجهد في أنشطة بديلة (العمل ـ الاهتمام بالأولاد ـ التدين... الخ) وتقليص الروابط الوجدانية بالفقيد، كل هذا يعتمد على مبادرة المكروب ورغبته في التعجيل بعملية التخفف من الحزن ويكاد يقتصر دور الآخرين على تشجيع المكروب إذا بادر باتخاذ خطوة ما، خلاصة القول: إن التخفف من الحزن عملية ذاتية في المقام الأول.

المصدر: مقالات
Al-Resalah

الرسالة للتدريب والاستشارات.. ((عملاؤنا هم مصدر قوتنا، لذلك نسعى دائماً إلى إبداع ما هو جديد لأن جودة العمل من أهم مصادر تميزنا المهني)). www.alresalah.co

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 729 مشاهدة
نشرت فى 25 إبريل 2011 بواسطة Al-Resalah

ساحة النقاش

الرسـالة للتدريب والاستشارات

Al-Resalah
مؤسسة مهنية متخصصة في مجالات التدريب والإستشارات والبحوث والدراسات، وتُعتبر أحد بيوت الخبرة متعددة التخصصات في العالم العربي.. ومقر الرسالة بالقاهرة.. إن الرسالة بمراكزها المتخصصة يُسعدها التعاون مع الجميع.. فأهلاً ومرحبا بكم.. www.alresalah.co - للتواصل والإستفسارات: 00201022958171 »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,947,988