معارك التحرير علي أرض سيناء.... حتي لا ننسي

معركة كبريت  


سبعة وثلاثون عاما مرت علي حرب أكتوبر 1973 ومازالت معاهد البحث العسكرية تضع معركة كبريت كأحد النماذج في العبقرية العسكرية.. وفي التضحية بلا حدود تلك المعركة التي قال عنها كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت انها إحدي المعارك الكبري التي شرفت العسكرية المصرية ووضعتها في مكانة متميزة بين جيوش العالم.. وكنت أتمني أن أقابل قائد الكتيبة ابراهيم عبد التواب.

وكتبت عنها إحدي الصحف الصهيونية علي لسان ضباط من الجيش الاسرائيلي "لا ندري كيف استطاع المصريون أن يصمدوا في حصار دام 134 يوماً بدون مياه أو امدادات ولم يستسلموا وكانوا يبادرون بالهجوم

فما هي حكاية معركة كبريت.. وماذا فعل الجندي المصري ليصبح أسطورة عسكرية؟



العميد سعد الدين أنور محمد وكان ملازم أول في ذلك الوقت يقول ان النقطة الحصينة للعدو الصهيوني في كبريت كانت ضمن خط بارليف وهي ذات أهمية خاصة لأنها تقع في الجزء الفاصل بين الجيشين الثاني والثالث وتلتقي عندها جميع المحاور الطولية والعرضية، وتقع في أضيق فاصل بين البحيرات المرة الكبري والصغري والمسافة بين الشاطئ الغربي والشرقي في هذا الموقع لا يتعدي 500 متر ويتوسط تلك المسافة جزيرة تجعل من هذا الموقع أنسب مكان يقوم من خلاله العدو بالاختراق السريع وصولا الي مدينة السويس لتطويق الجيش الثالث.
وقد وصلت معلومات للقيادة العامة للقوات المسلحة مساء 6 أكتوبر تفيد بأن العدو بدأ في تجميع قواته نحو نقطة كبريت بنية الاستناد إليها في القيام بعملية اختراق عميق للقوات المصرية، وكانت النقطة القوية في كبريت لم تسقط بعد في العبور الأول. فكلفت الكتيبة 603 من مشاه اسطول القناة وكل رجالها من الصاعقة باقتحام هذه النقطة والاستيلاء عليها.

وضع الشهيد ابراهيم عبد التواب قائد الكتيبة خطة الهجوم ووزع المهام علي أفراد الكتيبة، لكن كان يعوق حركة الصواريخ المضادة للدبابات أعمدة تليفون سكة حديد بمواجهة كيلو ونصف الكيلو متر فقام الملازم أول عبد الرازق شامة بأسلحة صغيرة وعبوات ناسفة وبعدد قليل من الأفراد بمهمة انتحارية وتمكن من تفجير 15 عامودا ثم اكتشف نقطة ملاحظة للعدو كانت توجه قذائف دباباتهم.. فاقتحمها وقتل أحد افرادها وفر الباقون واستولي علي عدد 2 رشاش وبعض الوثائق والصور الجوية في مساء يوم 18 أكتوبر قرر قائد الكتيبة تنفيذ العملية وكانت التقديرات أن الموقع يحتوي علي فصيلة مشاه ميكانيكي مدعمة بفصيلة دبابات وعلي مسافة 3 كيلو متر قوة احتياطي تقدر بسرية دبابات وفصيلة مشاه ميكانيكي.

ويقول العميد اسامة عبد الله.. بعد سقوط النقطة الحصينة وزع القائد القوات علي المواقع المختلفة للدفاع عنها وفي هذه الأثناء كنا نشاهد العدو علي مرمي البصر يعيد تجميع قواته وخلال ثلاثة أيام بعد استيلائنا علي الموقع كانت تحركات العدو تشير الي استعداده للهجوم لاستعادة النقطة، فرأي قائد الكتيبة ضرورة القيام بخطة مضادة لإفشال استعدادات العدو وذلك بتنفيذ غارات ليلية علي قوات العدو المتجمع أمام النقطة واحداث أكبر خسائر بها، وكنا نتسابق للخروج في هذه الدوريات الانتحارية والتي كانت تتكون من ضابط وأربعة أفراد فقط وقد أدت هذه الغارات الي اشاعة الذعر بين صفوف العدو وتكبيدهم خسائر كبيرة.
ويصف العميد صبري هيكل والذي كان ملازما أول في ذلك الوقت سيناريو العمليات ضد الموقع.. فكان اليوم يبدأ بطلعات جوية من الطيران المعادي في قصف جوي مكثف يلقي جميع أنواع القذائف ليفرش الأرض بنيرانه المسعورة..

دانات زنة ألف وألفي رطل، قنابل البلي العنقودية وهي عبارة عن مستودع كبير يتم القاؤه من الطائرة فتخرج منه قنابل صغيرة تنتشر علي الأرض لتعمل كألغام موقوتة تنفجر عند ملامستها للجسم ثم تأتي بعد ذلك المدفعية التي تمطر الموقع بكل أنواع الأعيرة التي كثافتها أحالت تربة الموقع الصفراء الي اللون الاسود، وكان الدخان يتصاعد من الموقع طوال اليوم، وقبل أن تغيب الشمس تبدأ قوات العدو المدرعة في الهجوم من جميع الاتجاهات، ثم يحاولون التقدم للاستيلاء علي الموقع ظناً ان كل ما فيه قد دمر.. ولكن فجأة تنشق أرض الموت عن ابطالها وتنهمر نيراننا عليهم فتندلع النيران في مركباتهم ومدرعاتهم ويفرون من أمامنا.. وأذكر أن إحدي الدبابات قد تقدمت لمسافة قريبة لا تزيد علي عدة أمتار وكان في مواجهتها اثنان من أفراد الكتيبة استشهد أحدهما ونفدت الذخيرة من الآخر..

فخرج من موقعه وهو يصرخ ويصيح الله اكبر ولم يكن معه طلقة واحدة واندفع في اتجاه الدبابة فظن من فيها أنه يحمل ألغاما وسيفجرها.. فخرجوا منها رافعي الايادي في استسلام لكنه هجم علي احدهم وظل يأكل فيه بأسنانه حتي تمكنا من تخليصه منه.. وعندما يئس العدو من استعادة الموقع لجأ الي حصارنا من كل الجهات.

العميد سيد آدم "وكان ملازما" يقول ان الله كان معنا.. وان معجزات كثيرة حدثت في هذا الموقع العظيم فعندما بدأت عبور البحيرات خيم علي الجميع الصمت.. والعيون تتلاقي في تصميم وإصرار وبمجرد وصولنا الي الشاطئ الشرقي للقناة بدأت نيران العدو تتساقط علينا سمعنا صيحة لا يعرف أحد من اين أتت لكنها شملت وجدان جميع الرجال فأخذنا نرددها جميعا الله أكبر.. الله أكبر والغريب انه مع ترديد هذه الصيحة شاهدت في السماء أسرابا من الحمام الأبيض تطير فوق قواتنا في إعجاز ليس له تفسير سوي أن الله معنا.. وكان لهذا تأثير أدي الي أن فاقت البطولات حدود العسكرية وقوانينها

مظهر آخر من عناية الله لنا.. بعد الاستيلاء علي النقطة خرج الملازم أول صبري هيكل يفتح ثغرة في حقل الالغام أمام موقع فصيلته ليخرج منها دوريات الإغارة وكان العدو في هذه الأثناء يعيد تجميع قواته، وأدرك قائد الكتيبة بأن العدو يستعد للهجوم وخشي ان يستغل الثغرة فأمر صبري هيكل بسرعة اغلاقها بالإلغام وعلي الفور بدأ صبري في سد الثغرة
ولأن الوقت لم يسعفه حيث بدأ هجوم العدو فعلا فما كان منه إلا أن بعثر الألغام في كل اتجاه دون تقيد بنظام الرص في الحقل وانسحب مسرعا، وبدأت دبابات العدو في الهجوم وهم يقتحمون في حقل الألغام وفق خريطتهم لتفادي الألغام، لكن فجأة توالت الانفجارات فقد دخلوا في الحقل المبعثر.. وتنسحب الدبابات بعد أن تركت أكثر من خمس دبابات ذبيحة.
ويضيف العميد سعد الدين أنور لا نستطيع أن يمر أكتوبر دون أن نتذكر شهداءنا المقدم ابراهيم عبد التواب قائد الكتيبة البطل طلب قبل العمليات من الرائد خليل عصمت بدر الدين وكان يشغل وظيفة رئيس الشئون الادارية علما لمصر له شخصيا خلاف العلم الذي تسلمه من القيادة، وبعد الاستيلاء علي الموقع ورفع علم مصر عليه قال ابراهيم عبد التواب ان العلم الآخر معي لأني سوف استشهد وألف فيه وأدفن هنا وأشار الي مكان داخل الموقع وتشاء الأقدار أنه في يوم 14/1/74 أطلقت قوات العدو بعض قذائفها ليستشهد القائد الأسطورة كما وصفه اعداؤه في الموقع المقابل ولم تخرج طلقة واحدة بعد ذلك ويدفن في نفس المكان الذي أشار إليه.
وفي لقاء بعد العمليات بين من تولي القيادة بعده النقيب سعد الدسوقي وقائد الموقع الاسرائيلي قال له الضابط الاسرائيلي اننا شعرنا باستشهاد قائد هذا الموقع يوم 14/1/74 ورفضنا أن نخرج طلقة واحدة بعد ذلك.. لقد كان قائدا اسطوريا. وأضاف كيف تمكنتم خلال شهر نوفمبر من ادخال أفراد الكوماندوز المصريين الذين ظهروا في مواقعكم بلا شعور
لقد شعرنا بأنكم ستقومون بعملية انتحارية وظللت بعدها علي درجة استعداد لعدة أيام. فابتسم سعد الدسوقي وقال لقد كانوا جنود الموقع وأمرهم القائد ابراهيم عبد التواب بحلق شعر رءوسهم.
الشهيد نقيب سمير السيد وهدان كان ضابط كوماندوز ولم يمض علي زواجه سوي شهرين وترك زوجته وفي أحشائها جنين يتكون أغار علي مواقع العدو وأصاب الكثير من دباباتهم وكان يثير الرعب فيقلوبهم، أصيب بشظايا صاروخ في فخذه وعند نقله الي مستشفي فايد في محاولة للتسلل أصيب مرة أخري ولقي ربه الشهيد ملازم أول عبد الرازق عبد المقصود أول دفعته وأول فرقته في فرقة الصاعقة الراقيةأصيب في الفخذ والبطن ولقي ربه بعد أسبوع من الاصابة
وبعد إخوتى وأخواتى ....،،
هذه كانت بعض من كثير كثير من البطولات والملحمات التى عزفها أبطالنا فى ملحمة كبريت ... كلهم قالوها .... قالوا (أُحبكِ يا مصرُ)
قالوها بدمائهم.. وبأرواحهم ..وبإيمانهم الراسخ فى قلوبهم وضمائرهم ... قالوها بألف ألف طريقة وكان أخرها بالكلمات....!!
فمتى نتعلم ونقتدى بهؤلاء العظام ونقول نحن أيضاً (أُحبكِ يا مصرُ )
ولكن ليس بالكلمات

 

 [email protected]

المصدر: http://www.almasrawya.com/ ومواقع اخري كثيرة
  • Currently 126/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
42 تصويتات / 935 مشاهدة
نشرت فى 26 مارس 2010 بواسطة ALDEWAN-DTC

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

4,277,110