دور المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية في الحفاظ على التراث
أن أهمية التراث لا تنبع فقط من كونه الوعاء “الناقل” للحضارة عبر الأجيال، بل يقترن بموضوع الهوية كونهما من تجليات وإفرازات الثقافة المحلية والإقليمية، ان التراث يمثل معطى “حركي” ناقل للحضارة والثقافة المحلية والإقليمية ويعبر عن المراحل التي تعاقبت على ذاكرة وتاريخ الأمة، وأن الدعوة لمحو ذاكرة وتاريخ الأمة، هي أشبه بمن يمحو الجينات البنيوية لكائن عضوي يحمل تاريخا وحضارة وذاكرة تتضمن العادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية والخبرات المتناقلة التي مرت بالأجيال من السلف إلى الخلف، فالدعوة لتجاوزها ومحوها هي دعوات مغرضة ترمي بالأمة في أحضان “الآخر
أن هذا يستدعي منا :
التفكير بجديه في ثرواتنا التراثية والبيئية،
- والعمل على تأسيس وعي جديد بهما،
- وإيجاد أفضل الوسائل والطرق التي تساهم في الحفاظ عليهما،
- وإنشاء مشروعات حقيقية تساهم في الحفاظ على سلامة حال ما بقي من مكونات هذه البيئة المناخية والتراثية والعمرانية والثقافية،
- وتوظيف التراث بشكل تكاملي في شتى جوانبه الطبيعية والثقافية والعمرانية كمورد اقتصادي ضمن خطط التنمية المستدامة،
- وتكامل دور التراث العمراني في التنمية الوطنية الشاملة بشكل عام، والتنمية السياحية بشكل خاص،
- والاستفادة من المحافظة على التراث العمراني المحلي كآلية ذات جدوى اقتصادية للمجتمعات المحلية، تشجع على الهجرة العكسية من المراكز الحضرية المكتظة، إلى البلدات والقرى التراثية، مع ضرورة توفير حوافز ووسائل تمويل مستدامة والاستثمار في البنية التحتية
- وإشراك المجتمعات المحلية في برامج المحافظة على التراث العمراني، ومشاريع تشغيلها،
- والاستفادة من فوائد ومزايا إعادة تأهيل مباني التراث العمراني، وتوظيفه في الاستخدامات السكنية، والسياحية، والثقافية، وتنمية المجتمعات المحلية بما يسهم في إعادة توزيع المردود الاقتصادي للاستثمار في موارد التراث بصورة أكثر عدالة.
- والحد من توسع المدن على حساب المناطق التقليدية،
- وأهمية التأكيد على دراسة تلك المناطق باعتبارها مناطق ذات طبيعة خاصة، يتم إعادة تأهيلها أخذا بعين الاعتبار متطلبات الأصالة والتكامل والأبعاد الوظيفية الاقتصادية الراهنة،
- ووضع ضوابط ملزمة لاحترام المساجد والمنشآت الدينية، وحمايتها ضمن سياسات التخطيط العمراني، وفرض اشتراطات تنفيذ صارمة، لكونها شواهد للثقافة الإسلامية، وربطها بالنسيج العمراني المحيط، مع تسهيل الوصول إليها.
دور المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية في الحفاظ على التراث :
- المشاركة فى إدارة وتدبير شؤون التراث وحفظه والاهتمام به، بالشراكة والتعاون والتواصل مع الجهات ذات الاختصاص،
- العمل على تطوير وإعادة تأهيل مراكز المدن القديمة وأسواقها الشعبية،
- وضع الخطط التي ترمي إلى ترميم وتأهيل المباني التراثية والأثرية، والحفاظ عليها
- السعي إلى ضم هذه المواقع الأثرية وإضافتها إلى قوائم التراث الإنساني الخالد،
- القيام بجهود مضاعفة من اجل نشر الوعي بقيمة التراث، والقيام بجهود تثقيفية لتشكيل قاعدة اجتماعية تحتضن فكرة الاهتمام بالتراث والآثار والاهتمام بها، والعمل على ترسيخ قيمتها في أذهان مختلف الأطياف والطبقات الاجتماعية، وإحداث نقلة نوعية في نظرة الناس للتراث من خلال إبراز قيمته التاريخية، وإبراز مساهمات الآباء والأجداد وكفاحهم في تأسيسه وبنائه، وهو الأمر الذي يستدعي إعادة الاعتبار للتراث، وعدم اعتباره مجرد ترف ولهو ليس له قيمه، أو ليس له من فائدة.
- تنظيم المهرجانات والفعاليات التراثية، وإقامة البرامج والمشاريع التي تعنى بشرح مهن وحرف الأوائل وصناعاتهم اليدوية، وتمثيل ما مارسوه من مختلف الفنون الشعبية والسباقات والألعاب المحلية،
- تخليد التراث العمراني من خلال تنظيم مختلف المعارض، مثل معارض الصور القديمة والنادرة التي التقطتها عدسات المصورين في حقب سابقة، والتي تؤرخ لهذا التراث وهذه الآثار حسب سنوات التقاطها، ومن ثم مقارنتها بالواقع الحاضر، لاكتشاف مدى التغيرات والتحولات التي حدثت وطرأت على طبيعة المنطقة، وانعكاسات وآثار وتبعات حركة التحديث والنمو العمراني والصناعي على تراث وبيئة هذه المنطقة
- التأكيد على أن موضوع حماية التراث والبيئة ليس ترفا فكريا، وإنما هو واجب وطني يجب الوفاء به، من اجل هدف تنمية الإنسان المواطن وتحسين مستوى حياته، وتوفير كافة الظروف الضرورية ذات العلاقة بمتطلبات الارتقاء به وبمستواه، وتضمن له الاستقرار والحياة الكريمة ، وترفع من جودة ونوعية معيشته
- الاستفادة من المتاحف كمراكز لإنتاج الأنشطة التعليمية
- تفعيل دور المرأة كمحرك فعال في تحويل فرص التراث الثقافي الي أنشطة مربحة.
ويظل لدينا عدد من الاسئلة الواجب الاجابة عليها:
- ما هي أبعاد النمو الحضري والمدني، وانعكاسات هذا التحديث والتحضر على البيئة الاجتماعية والحياتية؟
- هل تؤدي الحركة التنموية إلى العبث بتراث المكان، ومحو تاريخه، والتسبب في بعثرة ذاكرته، وتضييع ذكريات أهله؟
- في ظل العولمة، وزمن التقدم الصناعي والتكنولوجي، والمعلوماتية والفضاء المفتوح، لماذا كل هذا النزوع نحو نبذ التراث، والجري خلف أضواء المدينة المعاصرة، والإعمار العشوائي والهش، الذي لا يحترم المكان وتاريخه وروحيته، ولا يقدر التراث الموروث، ولا يحترم البيئة المناخية التي ينمو هذا الإعمار بين أرجائها وجنباتها، بالإضافة إلى عدم احترام نوعية الحياة السائدة فيها، وتجاوز قيم البيئة المحلية، والعمل على بعثرتها وتذويبها وإزالتها ومحوها، في الوقت الذي لا يتم فيها الإيفاء بمتطلبات التنمية المستدامة، أو الاهتمام بجودة الحياة المعيشية، وبمستوى نوعيتها؟
ا.د. وحيد امام
رئيس الجمعية الافريقية للتنمية المستدامة
أستاذ البيئة بعلوم عين شمس
ساحة النقاش