<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]-->
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
شريعة الأرض
04 كانون الأول ,2015 02:30 صباحا
عربي برس: عامر محسن
خلال ساعة واحدة من تصديق مجلس العموم البريطاني على قرار التدخّل العسكري في سوريا، كانت طائرات «تورنادو» بريطانية تنطلق من قبرص لقصف أهدافها في بلادنا. الجدال داخل مجلس العموم استمرّ لأكثر من عشر ساعات، على الرغم من أن نتيجته كانت معروفة سلفاً، والطائرات مدخرة وأهدافها جاهزة، وتنتظر النتيجة الرسمية للتصويت من أجل الإقلاع.
حجّة النواب الذين عارضوا الضربات تألّفت من شقّين: أن هذا التدخّل لن يغيّر ميزان القوى بشكل دراماتيكي أو يضمن تدمير «داعش»، وأنّه سيفضي ــــ لا محالة ــــ إلى قتل مدنيين وأبرياء ستكون بريطانيا مسؤولة أخلاقياً عن موتهم، خاصة أنها ستتدخل من دون مسوّغٍ قانوني أو غطاء أممي.
المعترضون على حقّ في ما يتعلّق بمحدودية القدرة البريطانية؛ والقوة الجوية الملكية سترسل «تعزيزات» إلى قبرص حتى يصل عدد الطائرات ــــ التي يفترض بها أن تغطي سوريا والعراق ــــ إلى 16 بدلاً من ثماني (هذه كانت إمبراطورية تحكم نصف العالم). كما أن النائب العمالي جيرالد كاوفمان، كبير السّن في مجلس العموم والذي يُدعى في التقاليد البريطانية «أبو المجلس»، لفت إلى أنّ هذا القصف مهما كان «دقيقاً» فهو سيؤدي حكماً إلى سقوط مدنيين، وهو غير مستعدٌّ لتحمّل وزر قتل أبرياء من أجل «حركة رمزية». الجيّد في النقاش البريطاني، اذاً، هو أن النخب والجمهور في الغرب لم تعد تؤيد الحملات على بلادنا تحت وهم «الحروب النظيفة» أو «العادلة»، بل هناك قبول عام ببداهة أن قرار الحرب والغزو يعني، أوتوماتيكياً، أنك ستقتل أطفالاً وعائلات، وعليك أن تفهم سلفاً ثمن قرارك وكلفته (الأمر السيئ في هذا النقاش، باعتبار أن التصويت كان ايجابياً، هو أنهم يقولون لنا «نفهم أننا سنقتلكم، ولأهداف غير واضحة أو مجدية، ولكننا سنفعل ذلك على أية حال»).
الأمر «المثير» بعد بدء الغارات البريطانية هو ليس أنّه قد صارت، في سماء سوريا، قوىً جوية تتبع لأكثر من ست دولٍ مختلفة، وأحلاف متنافسة، بل أنّ أكثر هذه العمليات العسكرية يجري بلا سندٍ قانونيّ من أيّ نوع، ولا حتى قرارٍ أممي، أو حجّة دفاعٍ عن النفس (الروس، وحدهم، أخذوا إذن الحكومة ويعملون بالتنسيق معها). كان غزو العراق، عام 2003، الخرق الأكبر لمفاهيم السيادة والقانون الدولي منذ نهاية الحرب الباردة، حين اجتاحت أميركا البلد بالاستناد إلى شرعية حلفٍ بقيادتها، ومن دون قرارات أممية أو إذنٍ من مجلس الأمن. ولكن، حتى في العراق، حاول جورج بوش أن يعطي حربه، شكلياً، إطارا قانونياً يبررها، عبر التنظير لمفهوم الحرب الاستباقية وأنّ تغيير نظام صدام حسين ليس اعتداءً توسعياً، بل دفاعٌ ملحّ عن أميركا وأمنها.
في هذا السياق الجديد، المتحرر من الإرث الويستفالي وقواعده، تنكشف الأوهام التي اكتنفت الكثير من تنظيرات ما بعد الحرب الباردة، خاصة بين نخب دول الجنوب، عن «النظام الدولي» وطبيعته، والضمانات التي يقدمها «المجتمع الدولي»، وعن ضرورة «التأقلم» مع هذا النظام، أو العمل ضمن محظوراته، أو استجدائه والفوز بتعاطفه. العنصر الوحيد الذي يقرّر مصيرك في هذا العالم هو قوتك الذاتية، ومستوى تحالفاتك، وقدرتك على الإيذاء والإخافة؛ وأيّ ثغرة لديك هي، في المقابل، بابٌ لابتزازك لن يلبث أن يُطرق ــــ وهذا ينطبق على بلادنا الضعيفة كما ينطبق على روسيا والصين.
في سوريا والعراق، الأساس ليس «داعش»، وهناك ملفٌّ لم يفتح بجدية بعد عن الدور الأميركي في تمديد حكم «داعش» وعدم صدقية الحملة ضدها. ولأنه لم يعد من الممكن إخفاء انعدام الفعالية هذه، بعد أكثر من سنةٍ من الحرب والغارات، بدأ الخبراء الغربيون بلوم «قواعد الاشتباك» وشروطها (كأن الأميركيين وحلفاءهم، كما رأينا في العراق سابقاً، وفي اليمن اليوم، مهووسون في حروبهم بالتزام الإجراءات والحدّ من الضحايا ــــ والحرب، من أساسها، «غير قانونية»). منذ بدء «الحملة»، لم يكن تركيز الأميركيين على ضرب التنظيم المتطرف بأسرع وقتٍ ممكن، بل على بناء تحالفات سياسية وجيوشٍ في العراق وسوريا، والتخطيط لتفكيك الدول وخلق كيانات تابعة في المستقبل.
قال الرئيس الروسي في خطابه إلى الأمة، البارحة، معلقاً على التوترات مع تركيا: «اذا اعتقد أحدهم أن رد فعل روسيا سيقتصر على عقوبات تجارية فهو مخطىء للغاية… سنذكّرهم مجدداً بفعلتهم، سيندمون». في الوقت نفسه، أعلنت موسكو عن بدء شحن أنظمة الدفاع الجوي «اس ــــ 300» إلى إيران يوم الخميس، وهناك إشاعات عن تسليمها إلى الجيش السوري أيضاً. في هكذا ظروف، تحارب فيها قوى كبرى في بلادنا لأهدافٍ متعارضة ـــــ والطرفان يملكان ترسانات نووية ــــ ماذا يكون مصير بلدٍ كلبنان لولا المقاومة؟ ومن كان سيمنع السعودية والقاعدة من اقتسام اليمن؟ ومن الذي يقدر على انتزاع العراق من أميركا و«داعش»؟
على الضفة الأخرى، كان وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر يشتكي إلى الكونغرس، يوم الثلاثاء، من قلة حيلة حلفائه الخليجيين وعدم قدرتهم على خوض المعارك على الأرض وتنفيذ خطط واشنطن في اليمن والعراق وسوريا: «سأكون صريحاً معك، العديد من دول الخليج طورت قوتها الجوية… على حساب القوة البرية والقوات الخاصة… إن كان يريدون ــــ وهذا ما نرغبه لهم ــــ حيازة نفوذ أكبر في الشرق الأوسط وفعل المزيد في هذه المنطقة من العالم (عليهم زيادة قوتهم البرية)… هم يشتكون لي باستمرار، مثلاً، عن الكفاءة العالية للإيرانيين، فأجيبهم: أجل، فأنتم لا تلعبون اللعبة نفسها معهم، لعبة التأثير على الأرض». «التأثير على الأرض»، لسوء حظّ هؤلاء، هو عنوان المواجهة في هذه المرحلة.
ساحة النقاش