<!--[if !mso]> <style> v\:* {behavior:url(#default#VML);} o\:* {behavior:url(#default#VML);} w\:* {behavior:url(#default#VML);} .shape {behavior:url(#default#VML);} </style> <![endif]--><!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Tableau Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
كما أن الله أخرجك من بطن أمك ثم أمرك ببرها.. أخرجك من تراب الأرض ثم أمرك بإعمارها .. "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها"..شعار عُمار الأرض
كان شابا في مقتبل العمر..يحمل بداخله أحلاما كثيرة..وكان على وشك تحقيق حلمه بممارسة الطب ومهنة الجراحة..في السابعة والعشرين من عمره في شهر سبتمبر من عام ١٩٨٥.. وبينما هو في الدور الخامس من مستشفى مكسيكو سيتي، وقع الزلزال المدمر الذي حصد آلاف الأرواح، وترك الطبيب الشاب تحت ركام أدوار خمسة من مبنى المستشفي الذي كان...
في ظلام دامس، يسوده أنين الجرحى و وزفرات الموتي من حوله، تلمس الطبيب فرانسيسكو Francisco Bucio جسده فوجد يده اليمنى محشورة تحت عامود خراساني جعل من المستحيل تحريكها… بحكم عمله، علم فرانسيسكو أن عدم وصول الدم إلى اليد نهايته فسادها وتوجب بترها، وهذا البتر يعني ضمن ما يعنيه نهاية أحلامه في مجال الطب والجراحة..
على مر أيام أربعة ذهب فيها فرانسيسكو في رحلات ما بين اليقظة وفقدان الوعي، وبين الفزع وبين الخوف كانت فرق الإنقاذ تعمل ليل نهار، وكذلك والد فرانسيسكو وإخوته، الذين لم يفقدوا الأمل في العثور على فرانسيسكو حيا، وهو ما تحقق لهم بعد أيام متواصلة من البحث والتنقيب وسط الركام ورفع الأنقاض.. ولم يفسد فرحة العثور على الطبيب الشاب حيا سوى إجماع فريق الإنقاذ على توجب بتر اليد اليمنى لإخراجه من تحت الركام.
رفض ذوو فرانسيسكو هذا الاقتراح، علمًا منهم بقوة أحلام ابنهم الذي يريد أن يكون جراحا،الأمر الذي دفع فرق الإنقاذ للعمل لساعات على رفع العامود الخراساني الذي حبس اليد اليمنى تحته.. بعد تحرير اليد اليمنى، والإسراع به إلى المستشفى، لم يكن الحال بأفضل مما اقترحه فريق الإنقاذ.. انحباس الدم جعل أعصاب اليد تموت فلا تنمو، وجعل بتر الأصابع الأربعة من اليمنى أمر لا جدال فيه للحفاظ على سلامة بقية الجسد، وهو ما كان…
بعدما أفاق من عملياته الجراحية في يده، أحصى فرانسيسكو خسائره، وبدأ يفكر كيف يعوض ما فقده.. كيف يمكن له أن يكون جراحا بيد واحدة؟؟
تخيل معي عزيزي القارئ كيف كان شعوره في تلك اللحظة.. كان أمام طريقين إما أن يترك نفسه لليأس والإحباط بعد أن ضاع أكبر أحلامه وهذا ما يحدث لكثير ممن يتعرض لمثل تلك المواقف للأسف.. وإما أن يتمسك بالأمل ويكمل ما بدأه وألا يجعل ما حدث عائقا يمنعه عن تحقيق ما يتمناه..وهذا ماقام به بطل قصتنا..
قاده تفكيره للعثور على طبيب آخر متخصص في نقل أصابع القدم لزرعها في اليد، لعلاج من هم في مثل حال فرانسيسكو، وهو ما كان، حيث نقل له إصبعين من قدمه إلى يده اليمنى، بعد عملية جراحية جمعت ثمانية من الجراحين، امتدت على مدى 14 ساعة، وجرت تحت مناظير الميكروسكوب، لوصل الأعصاب والأوردة والشرايين..
كانت هذه مجرد البداية، إذ تطلب الأمر تدريب الجسم والعقل والعين واليد على هذا التغيير غير الطبيعي. كان لزاما على فرانسيسكو عمل تدريبات طويلة ومؤلمة، وفي أغلب الأحيان غير ناجحة، على استعمال أصابعه الجديدة. كان مجرد مسك القلم وفك الأزرار عملية مؤلمة وطويلة وغير دقيقة، لكن بعد مرور شهر ونصف على العملية الجراحية الطويلة، تمكن فرانسيسكو من توقيع اسمه بيده اليمنى.
بعدها بدأ في زيادة الحمل التدريبي، إلى تقطيع الخضروات والفاكهة والحياكة والكتابة.. طوال هذا الوقت كان يقول لنفسه "إن اليد مجهزة للتكيف مع كل ما يطلب منها، لولا أن ذلك يتطلب تدريبا طويلا جدا، وصبرا عميقا لا ينفد، وروح معنوية عالية لا تخمد"..
بعد مرور بعض الوقت، وبعد تحقيق بعض النتائج الطيبة في تدريباته، عاد فرانسيسكو إلى مكسيكو سيتي، إلى ذات المستشفى التي خسر فيها أصابعه، وبدأ يزأول ما كان متاحا من تعلم الطب وممارسته.. كان ما يقدمه الصغير والقليل من مهام الطب ، وكانت بدايته مع تنظيف الجروح وتضميدها، وكان يدرب نفسه دون تكاسل على التعامل مع أدوات الطب وخياطة الجروح..
في خضم كل هذا، راقبه من بعيد طبيب مقيم في المستشفى، حتى سأله ذات يوم إن كان يريد مساعدته في عملية جراحية سيجريها على مريض، وكان ظن فرانسيسكو أن الأمر سيقف عند التضميد والتنظيف وغلق الجرح، لكن الطبيب المقيم بدأ في عمله، ثم توقف في منتصفه، ثم نظر إلى فرانسيسكو وقال له: أكمل أنت النصف الثاني من الجراحة.
كانت المفاجأة قوية، لكن فرانسيسكو لم يكن ليفوتها أو يفسدها، ولذا جاهد على مد ساعة لينفذ المطلوب، على الرغم من أن أي طبيب آخر كان ليحتاج ١٠ دقائق فقط لينهي المطلوب، لكن هذه الساعة أعلنت عن قدرات هذا الجراح الذي أطلق عليه البعض الطبيب الذي يجري العلميات الجراحية بقدمه، وهو لا يبالي بهذه التسمية، إذ تحمل في طياتها بعضا من الحقيقة..
بعدها تكرر الأمر و قل الوقت المطلوب للانتهاء من المهام الجراحية، وتخصص فرانسيسكو في الجراحات التجميلية التعويضية، وانتقل للعمل في المكسيك، ويقول فرانسيسكو عن عمله بأنه خاض عمليات جراحية شاقة، وبالتالي فهو يعرف جيدا الخوف الذي يعتري كل مريض يمر بالموقف ذاته.
وأخيرا.. كن على ثقة دائما أن رحمة الله تعإلى أكبر من أي مصيبة..لا تترك الظروف تكسرك و تتغلب عليك فطالما هناك رغبة قوية هناك حل ممكن..