يا للهول!
بقلم د.طارق الغزالى حرب ٣/ ١١/ ٢٠٠٧
لم أستطع أن أمنع نفسي من الصياح بطريقة الممثل العبقري الراحل يوسف وهبي «يا للهول!!» وأنا أقرأ ما جاء بالأهرام يوم ٢٥/١٠ في عمود الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة صاحب أهم وأقيم عمود في الصحافة المصرية في هذا العصر، والذي كان عنوانه «التعايش مع القمامة»، وجاء فيه أنه طبقاً لدراسات موثقة فإن شوارع وبيوت القاهرة يمرح فيها أكثر من مائة مليون فأر، أي بمعدل خمسة أو ستة فئران لكل مواطن يشاركون المصريين أرزاقهم ويستهلكون ٣٠% من إنتاج الغذاء!! صدمتي الشديدة من هذه الإحصائية عند قراءتها جعلتني أشك للحظات أنه قد تكون هناك مبالغة في هذه الأرقام. ولكني لتأكدي ويقيني بأن أستاذنا الكبير لا يكتب شيئاً إلا ولديه المرجع المحترم والدليل الدامغ، قررت أن أحاول بنفسي الاستقصاء حول هذا الموضوع بطريقة مبسطة، خاصة أنني بعد أن تجاوزت مرحلة الصدمة من هول الرقم فكرت ملياً ونظرت حولي في الشوارع الرئيسية والجانبية في أحياء القاهرة المحسوبة علي أنها من الأحياء الراقية بمسميات عصر مضي وانقرض، فوجدت تجمعات القمامة في كل شارع وناصية، ومئات الصبية يعبثون في صناديقها ويلقونها علي جانبها ليفتشوا فيها. فقلت في نفسي: «أغلب الظن أن هذا الرقم صحيح».. المهم أنه ولعدة أيام قررت أن أسأل معظم من أقابله من العاملين معي أو المترددين علي مكتبي عن هذا الموضوع.. أي هل توجد فئران في بيته أو منطقته السكنية بحيث أنها تمثل لهم هماً أو مشكلة، فكانت النتيجة صدمة جديدة لي، جعلتني أتصور أن الرقم الذي ذكره الكاتب الكبير قد يكون مخففاً وأن الحقيقة ربما تكون أدهي وأمر!! فما من أحد سألته -وهم في الغالب الأعم ممن يسكنون في مناطق متوسطة وشعبية- إلا وضحك وقال بعفوية وهل يوجد منزل في مصر لم تسرح فيه الفئران يوماً؟ الغريب في هذا الاستقصاء الذي كنت أحاول أن أعرف منه حجم مشكلة الفئران، أن هناك عبارة كنت أسمعها من أغلب من سألتهم وهي فيما معناه أن ليت المشكلة كانت في الفئران فقط، فهذه -في رأيهم- لا تضر كثيراً، ولكنهم كانوا يستفيضون في وصف حجم معاناتهم مع الحشرات الزاحفة والطائرة من ذباب وناموس لا يكل ولا يمل.. ولكن الأغرب من كل هذا هو ما وصلنا إليه كشعب لا يمل إعلامه من ترديد أنشودة السبعة آلاف سنة حضارة.. لقد أصبحت لدينا قدرة ربما لا يجارينا فيها شعب آخر علي التعايش مع كل صور التلوث والقذارة والقبح بكل أشكالها.. ونجحت حكوماتنا المتعاقبة في العقود الأخيرة في تغيير طبيعة وسيكولوجية شعب بكامله.. فهو يدفع بالجبر والإكراه مبالغ تعد طائلة بالنسبة لمستوي دخول أفراده تحت دعوي أنها رسوم للنظافة ورفع القمامة، ولا يري ذلك ولا يلمسه بأي صورة من الصور، فتلك الفئران والقوارض والحشرات ليس لها إلا سبب واحد هو انعدام النظافة وانتشار الخرابات والقاذورات في كل شارع وحارة.. ومع ذلك فهو يدفع ولا يعترض ولا يشكو، ولا يفعل شيئاً سوي ترديد عبارات من نوعية أن الأمر كله في يد الله وأنهم لا يملكون شيئاً من أمرهم وأنه لا جدوي من الشكوي ولا فائدة، لذلك فعليهم القبول بالعيش في صندوق قمامة كبير اسمه «القاهرة الكبري».. تلك البقعة التي صنفت -كما جاء في تقرير أخير نشرته إحدي الصحف الأمريكية- علي أنها أشد بقعة علي وجه الأرض تلوثاً وفوضي!! أقصي ما يستطيع المواطن المصري فعله هو أن يسأل بطيبة وسذاجة عما تفعله الدولة بمئات الملايين التي تجمعها من المواطنين كرسوم للنظافة والضرائب كما جاء في رسالة أحد أصدقاء «بريد الأهرام» منذ عدة أيام، والحمد لله أن هناك موظفاً مسؤولاً كبيراً هو اللواء رئيس هيئة نظافة القاهرة قد رد عليه وبشره بأن شركات جمع القمامة الأجنبية مازالت تقوم بعملها وأنها سوف تستمر لمدة خمسة عشر عاماً كما هو في العقد المبرم معها، مضي منها أربع سنوات فقط.. وأن فلوسنا تذهب لهم الآن بانتظام.. وهم يمارسون عملهم في تنظيف القاهرة والجيزة بهمة ونشاط.. والنتيجة ما نراه ونلمسه جميعاً. . فالهيئة يبدو أنها تتبع الآن المجلس القومي للسكان، وأن لها دوراً مهماً في كبح جماح الزيادة السكانية بقصف عمر ساكني القاهرة الكبري بمعدلات عالية بفعل التلوث والأمراض، والعمل في الاتجاه العكسي بتوفير الظروف الملائمة لزيادة تكاثر الفئران والقوارض والحشرات.. فنعم الهيئة.. ونعم الحكومة!! |
ساحة النقاش