الأغذية المعدلة (أو المهندسة أو المحورة) وراثياGM Foods ، هو مصطلح جديد بدأ يدق حياتنا منذ عقد من الزمان و هو يدل على تلك الأغذية المنتجة من نباتات أو حيوانات تم فيها إدخال عوامل وراثية (جين غريب أو أكثر) من كائن حى أخر على التركيب الوراثى للكائن المراد تحسينة وراثيا لإنتاج صفة (أو صفات) وراثية جديدة مفيدة للكائن الحى، مثل مقاومة الظروف البيولوجية أو البيئية غير الملائمة، أو لزيادة مكونات البروتين أو الزيوت أو جودة الثمار فى النبات أو زيادة كمية البيض أو اللحوم أو الحليب أو الصوف فى الحيوان. و حيث يبدو فى الأفق الحاجة الشديدة و الماسة لزيادة إنتاج الغذاء، فقد بلغ عدد سكان العالم العام الماضى (2008م) قرابة 6.6 مليار نسمة، و من المتوقع أن يصل إلى 10.8 مليار نسمة خلال عام 2050م، و تسعون فى المائة من هذه الزيادة ستكون فى دول العالم النامى الفقير. و للمحافظة على المستوى الغذائى الحالى للعالم (مع التسليم بعدم كفايتة)، لابد من زيادة الإنتاج بنسبة 30%، لتتلآتم و زيادة السكان و هذا ربما لا يمكن تحقيقة. لذ كان لزاما علينا، نحن البشر البحث عن حلول غير تقليدية لحل تلك المشكلة غير التقليدية. فربما كانت إحدى السبل المتاحة هى ثورة التكنولوجيا الحيوية و الهندسة الوراثية، و التى إحدى ثمارها هى الأغذية المهندسة وراثياGM foods. و رغم نجاح الثورة الخضراء (من قبل) فى زيادة إنتاج الغذاء خلال الخمس عقود الأخيرة، فإن تلك الطرق أضحت غير كافية، فطرق تربية النبات التقليدية تعتمد على نقل و توليف الأطقم الوراثية بأكملها مما يؤدى إلى انتقال الجينات المرغوبة و غير المرغوبة، كما أن فرز و إنتخاب انواع جديدة مستقرة وراثيا هو عملية بطيئة جدا و باهظة التكاليف، و كذلك فإن الطفرات التى تؤدى إلى تحسين المحصول تحدث بمعدلات منخفضة جدا حتى عندما يتم إحداثها صناعيا. و لكن تقنية التحوير الوراثى بأساليب الهندسة الوراثية تتم بدقة شديدة، حيث يتم نقل جين من كائن لوضعة فى كائن أخر (مثل عزل جين مقاومة الحشرات من بكتيريا (باسيلس ثورنيجينسيسBacillus thuringiensis ) الموجودة فى التربة، و نقلة إلى نبات القطن أو الذرة أو البطاطس أو غيرها من النباتات، و التى تصبح شديدة المقاومة للحشرات و لا تحتاج لمبيدات، لذا تحافظ على نظافة البيئة.
ففى مجال الأغذية نباتية المصدر، و منذ إنتاج أول نبات معدل وراثيا عام 1983م، ثم إطلاقها تجاريا عام 1996م، و حتى الأن زادت مساحات الأراضى المنزرعة بتلك الحاصلات المهندسة وراثيا و تجاوزت 150 مليون هكتار عام 2008م، منها حوالى 70% تزرع فى الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. كذا تزرع المحاصيل المهندسة وراثيا فى الحقول الإنتاجية لعديد من دول العالم الأخرى مثل: كندا، دول الإتحاد الأوربى، الأرجنين، المكسيك، أستراليا، البرازيل، جنوب أفرقيا، الصين و الهند، و يتم تداولها تجاريا فى أكثر من 53 دولة فى قارات العالم الست. و من منتجات الهندسة الوراثية التى تتوافر بالأسواق: الطماطم و البطاطس و الموز و فول الصويا و الذرة و الكانولا، و القطن، و القمح و الشعير و عديد من نباتات الخضر و الفاكهة و الحبوب الأخرى و منتجاتها من دقيق و خبز و حلويات و زيوت و عصائر. و تقدر قيمة السوق العالمية للمحاصيل المنتجة بالتكنولوجيا الحيوية فى عام 2007 بحوالى 7 مليارات دولار أمريكى. كذا هناك أبقار محورة وراثيا و أسماك السلمون العملاقة، و إنه لمن الصعب تمييز الفرق بين الطعام المعدل جينيا و غير المعدل فكلاهما له نفس المذاق و المظهر.
و منذ عام 1996م بدأت تلك المنتجات الغذائية المعدلة وراثيا و خاصة النباتية منها، تغزو الأسواق، و كأى منتج جديد أو تكنولوجيا حديثة، قوبل بالمخاوف و أحيانا بالرفض و بكثير من القلق مما يمكن أن تجلبه تلك الأغذية من مخاطر. و هنا تدخلت الدول و تشريعاتها لتحكم تداول تلك المنتجات، و كانت البداية من أكبر دولة منتجة للأغذية المهندسة وراثيا على مستوى العالم، و هى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعلنت هيئة الغذاء و الدواء الأمريكية (FDA) أنها لا تعتبر الأغذية المعدلة وراثيا تختلف عن الأغذية المنتجة بالطرق التقليدية و إن تطلب فقط كتابة البيانات الإيضاحية فى حال إمكانية أن تشكل هذه المنتجات مخاطر واضحة و محددة مثل الحساسية. و فى يناير 2001م أعتمد مندوبو 130 دولة فى منتريال، بروتوكولا حول الأمان الحيوى و تنظيم الصادرات للمنتجات المعدلة وراثيا. و رغم هذا، يعارض العديد من المجموعات العلمية و الشعبية تطوير و إنتاج الأغذية المهندسة وراثيا، و يحذرون من مخاطرها، بينما يدافع خبراء و مديرو شركات التكنولوجيا الحيوية عن مميزاتها و سلامتها، و يؤكدون انها تمثل رمز المستقبل. و بالرغم من هذه الفوائد، فإن زراعة منتجات التكنولوجيا الحيوية لا تزال تحت الحصار لاسباب إيجابية و سلبية معا فى بعض الدول، فقد قام الناشطون بحرق حقول و تفجير مختبرات مثل ما تقوم به جماعات السلام الأخضر (GreenPeace)، و بعض جمعيات حماية المستهلك و جمعيات الحفاظ على البيئة حول العالم. و لاتزال بعض دول فى أوربا و أسيا ترفض التزود بالأغذية الأميركية المهندسة وراثيا. أما اللافت للنظر هو تبنى دول العالم النامى لتلك التكنولوجيا، فمثلا بدأت حقول محاصيل الـGM تزدهر فى دول العالم النامى كالصين و الهند و المكسيك و الأرجنتين و جنوب أفريقيا و البرازيل و غيرها. و لعل من الضرورى تذكير القارئ بأن دول العالم المتقدم، لديها وفرة فى الإنتاج فى غالبية المحاصيل الغذائية، و لذا فهى ليست بحاجة ماسة للهندسة الوراثية مثلما هو الحال فى دول العالم النامى.
و فى عالمنا العربى و الذى يربطة بالعالم صلات عديدة، (حيث أصبح العالم قرية صغير، فها هى التكنولوجيا الحيوية و منتجاتها تأتى إلى موائد أطعمتنا و ملابسنا و غذاء حيواتنا) كان لزاما أن نتابع هذه التكنولوجيا، و نسعى فى تنميتها لتصبح صناعة عربية بأيد عربية و للإنسان العربى، أسوة بما تم فى أقطار تشبة ظروفنا (العالم النامى) و التى نجحت فى هذا المضمار. و لقد أتسمت التغطية الإعلامية تلك الموضوعات فى بدايتها بالخلط بين المفاهيم المختلفة دونما دليل (مثل الخلط بين النباتات العادية المنتجة بالتكاثر عن طريق زراعة الأنسجة، و تلك المنتجة بالهندسة الوراثية)، مما كان له إنعكاس سئ لدى المتلقى العربى، فبدأ يرفض تلك التكنولوجيا من البداية و يتعصب ضدها، حتى أن هناك قطاع من المثقفيين و أيضا بعض علماء التخصصات الأخرى، قد رفضوا تلك النقلة الحضارية. و لقد أتهم المستهلك العادى كل مشكلة تأتى فى مجال إنتاج النبات بأنها مهندسة وراثيا، فمثلا حينما رأى المستهلكون كبر حجم ثمار بعض الخضر و الفاكهة مع إختلاف طعمها عن المألؤف، وجهة الإتهام لها بأنها مهندسة وراثيا، كذلك حين قام بعض ضعاف النفوس من منتجى تلك الحاصلات برشها بالهرمونات ليكبر حجمها بسرعة، أو برشها بالمبيدات بإفراط لحمايتها من الأفات و الحشرات و حتى فى مواعيد جمع الثمار، مخالفا بذلك قواعد إستخدام تلك الكيماويات، أيضا وجه الإتهام للهندسة الوراثية، علما بأن فى عالما العربى هناك عديد من المراكز البحثية المتميزة التى بدأت خطوات جادة فى سبيل هندسة المحاصيل العربية كالقمح و الشعير و القطن و الذرة و غيرها، و التى جميعها ما تزال إما فى مراحل البحث المختبرى أو الحقلى كما هو يجرى فى مصر و السودان و المغرب و تونس, و لقد سمحت مصر و لآول مره فى تاريخ المنطقة العربية، بزراعة الذرة الشامية المعدلة وراثيا بواسطة شركة أمريكية، فى صيف العام الماضى 2008م، و التى أبديت زياردة فى الإنتاج تصل إلى 30% عن الحقول العادية، بالإضافة لعدم حاجتها للرش بمبيدات حشرات الثاقبات التى تهاجم الذرة العادية و تدمرها. هذا ربما لا ينفى تسرب منتجات غذائية تشمل ضمن مكوناتها أغذية معدلة وراثيا فى الأسواق العربية، كما نوهت بذلك بعد الدراسات.
و منذ إنتاج أول نبات معدل وراثيا و إلى الآن (أى خلال الـ 26 عاما الماضية) لم تظهر أخطار واقعية من نتائج تجارب تقرير الصلاحية. و لكن هناك مخاوف بيئية و صحية بعضها افتراضية، و لذا تم وضع الضوابط و النظم و اللوائح التى تحكم تداول نباتات الهندسة الوراثية قبل و أثناء و بعد تعديلها. و التكنولوجيا الحيوية و الهندسة الوراثية تستطيع القفز بمعدلات الإنتاج أضعاف الطرق التقليدية، بل و تحل مشاكل معقدة يصعب فك رموزها حاليا، أم الدول المتقدمة "أمريكا و كندا و الإتحاد الأوربى و أستراليا" فإن إنتاجها من الغذاء يكفيها و تصدر للخارج، و الهندسة الوراثية لديها لزيادة الرفاهية و التقدم، و لذا فهى ضرورة لدول العالم النامى، أمثالنا. لذا نأمل أن يتم التركيز على بناء مجتمع علمى مثقف، يتقبل الجديد و يتفهم مستجداتة، و تبنى التكنولوجيات التى تتلائم و تتوائم مع مجتمعاتنا و مع ظروفنا و متطلباتنا. بهذا يمكن الإعتماد على الذات و الوصول لحد الإكتفاء الذاتى لدول الوطن العربى فى غذاءه، كما فعلت بعض البلدان الأخرى و التى قطعت شوطا طويلا فى مجال التكنولوجيا الحيوية و الهندسة الوراثية.
ساحة النقاش