عالم السياسة والثقافة الإخباري .. محمد بن يوسف الزيادي
التعريف بمفهوم النهضة
1- التعريف اللغوي
قال صاحب المحيط : نهض نهضا ونهوضا بمعنى قام ، ونهض النبت : استوى ، وانهضه : أقامه .
وقال صاحب اللسان : النهوض البراح من الموضع والقيام عنه ، والنهضة : الطاقة والقوة .
2- التحليل اللغوي
نلاحظ أن كلمة نهض تعني قام ، والقيام لا يكون الا من حالة قعود ، ونلاحظ في تعريف اللسان أن النهوض يعني مبارحة المكان وتركه والإنتقال الى غيره ، ونلاحظ أيضا عند صاحب اللسان أن كلمة النهضة تعني الطاقة والقوة .
3- التعريف الإصطلاحي
أُصطلح على تعريف النهضة بأنها الإرتقاء بالسلوك الإنساني عن مستوى السلوك الحيواني .
والإنسان لا ينهض إلا إذا حمل فكرا ليكون طاقته ومادته للنهوض ، وحتى يصبح هذا الفكر قوة دافعة للنهوض لا بد له أن يستند الى معتقد ثابت يمده بالطاقة الدافعة للنهوض المنشود .
ومعلوم أن الإنسان إنما يتصرف ويبني سلوكه بناءً على ما يحمل من قيم ومفاهيم وأفكار ، وكلما أرتبطت هذه القيم والمفاهيم والأفكار بالمعتقد كلما ازدادت قوتها الدافعة وأعطت طاقة عقلية تتحول عند التطبيق الى طاقة حيوية ، تدفع الإنسان للسلوك والتصرف ، وتضعه في دائرة الفعل.
ومعلوم أن الإنسان والحيوان دوافع السلوك لديهما واحدة ، فكلاهما مكونٌ من حاجات عضوية وحاجات غرائزية ، والفرق بين الحاجة العضوية والحاجة الغرائزية ، أن الحاجة العضوية إذا لم يشبعها الحي أدت الى الموت ، أما الحاجة الغرائزية فإنه إن لم يشبعها لا يموت ولكن تسبب له القلق والإضطراب ، والحاجات العضوية تثار من داخل جسد الحي ، كالإحساس بالجوع والعطش ، أما الحاجات الغرائزية فتثار بمؤثر خارجي ، فمثلا تثار غريزة النوع عند الحي إذا رأى أنثى أو رأت الأنثى ذكرا ، وتثار غريزة البقاء عنده إذا أحس بخطر يتهدد وجوده أو وجود جنسه . وهذه الغرائز والحاجات العضوية يشترك في وجوب إشباعها الإنسان والحيوان على حد سواء من حيث هي غرائز وحاجات تتطلب الإشباع .
والإنسان كونه كرِّمَ على المخلوقات بعقله أراد له خالقه أن يسمو بسلوكه عن مستوى السلوك الحيواني ودوافعه الشهوانية البحتة ، وأراد له الله عز وجل أن يسمو بفكره ومعتقده عن مجرد الإدراك الغريزي الذي يشارك فيه الحيوان ، حيث أراد له الله صيانة عقله ، بما يسمو به عن كل ما يجعله يسفل وينحط .
فلذلك نجد أعداء الإنسانية ومستعبدي بني البشر عبر العصور عمدوا أول ما عمدوا الى تحطيم العقل الإنساني ، وصرفه عن فطرته السليمة ، بتنشئته على العقائد الفاسدة والهابطة الضالة لينحط الإنسان ويهبط فيسهل ترويضه على الإستعباد والإنقياد على أيدي سدنة معابد الطغيان ، فيتحول الإنسان الى جزءٍ من قطيع الممتلكات بعد أسر إرادته وقهره وإرغامه على العبودية الى غير بارئه وخالقه قال تعالى : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) .
فالإنسان لا ينهض إلا بما عنده من عقيدة فكرية ينبثق منها فكره ، وتبني علاقته بكونه الذي يعيش فيه وحياته وبارئه موجد الكون والإنسان والحياة ووارثها .
والأمة الناهضة هي الأمة التي تملك إرادتها فتتحرر من عبودية العبيد ، وتعبد فقط رب العبيد . لأن الإستعباد سحق لشخصية الإنسان ومحوٌ ومسخ لإنسانيته . والأمة التي لا تملك إرادتها ولا تتحرر إرادة أبنائها ، لا يمكن لها أن تنهض ولا أن تحقق نهضة ، لأنها تبقى مرهونة القرار مأسورة الإرادة .
إن الغرب الذي ينبهر به كثير من الناس ، حين يرونه متقدما في مجالات العلوم والصناعة ووسائل الراحة في العيش والتكنولوجيا ، لا يحمل مشروعا نهضويا إنسانيا عالميا ، بل إن مشروع نهضته هو فقط لفئة من أبناء جنسه ، فلذلك وجدناهم صنفوا العالم الى أولٍ وثانٍ وثالث ، ولسنا بحاجة الى وصف أساليبهم في إبقاء الثالث دوما في المؤخرة ، ووجدناهم يوم توسعوا على حسابنا واستعبدونا باستعمارهم ، وبما فرضوه علينا من أنظمة وكيانات سخرت لهم نهب موارد البلاد ، وأخضعت لهم رقاب العباد ، وأغرقونا بالديون ، وثرواتنا تنهب وتسلب من تحت أقدامنا .
إن المشروع النهضوي الإنساني الذي يستحق أن يحمله أبناء البشرية ، هو الذي يهدف الى إنهاض الإنسان والإرتقاء به بصفته إنسان ، بغض النظر عن لونه أو عرقه أو مكانه ، ويسعى لتحريره من كل أشكال العبودية والأسر . وهذا المشروع ليس موجودا في الوجود اليوم إلا لدى المسلمين أبناء العالم الثالث !! وهو المشروع النهضوي الرباني الذي ينزع الوحشية من نفوس البشر ، ويردهم بعقيدته وشريعته الى فطرتهم السليمة ، ليتبادلوا منافع الأرض وخيراتها ، وما أودع الله فيها من نِعَمٍ تعينهم على العيش فيها بسلام آمنين ، مقيمين جنة العدل والقسط على الأرض ليستحقوا جنة الخلد بعد الحياة .
يا أبناء أمة محمد صلى الله عليه وسلم
إذا أردتم أن تنهضوا بأمتكم وما حل بها من إنحطاط وهبوط وتردٍّ فلا تتوهموا بالغرب ، ولا بأفكاره ومشاريعه التي لا ولن تصلح لإنهاضكم ، واقبلوا على عقيدتكم لتفهموها فهما فكريا صحيحا ، لتكون أساس ومنطلق تفكيركم ، ومقياس بناء عقولكم ، واقبلوا على فكر أحكام شريعتكم لتكون مقياس سلوككم ، لترتقوا بها وتسموا أفكاركم ، ثم لتحملوا هذا المشروع الرباني النهضوي للإنسانية جمعاء ، لتخليصها من شرور طغاة أمبراطوريات الشرق والجشع والإستبداد والإستعباد .
محمد بن يوسف الزيادي