واصل الحي الثقافي سلسلة المحاضرات الشهرية التي يقدمها الدكتور محمود رمضان خبير جمع التراث بالحي الثقافي ضمن مشروع تنمية ونشر الوعي الثقافي، وجاءت محاضرة شهر مايو بعنوان "مساجد قطر تاريخها وعمارتها"، وتناول الباحث د.رمضان في محاضرته، التاريخ المعماري والحضاري للمساجد فـي شبه جزيرة قطر منذ دخول الدين الإسلامي إلى الأراضي القطرية فـي سنة 8هـ/ 629 م علي يد الصحابي العلاء بن الحضرمي إلى وقتنا الحاضر مدعماً الشرح بالصور والمخططات الهندسية والمساقط الأفقية للمساجد التاريخية في قطر.
وفي بداية المحاضرة تحدث السيد أحمد بن راشد المسند رئيس الحي الثقافي، وقال: المسجد هو أول بناء شيدته يد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) بعدما أستقر في يثرب في السنة الأولي لهجرته الكريمة، وبناه من الطوب اللبن وفرشه بالرمل والحصى وجعل أعمدته من فلوق النخيل وسقفه بالجريد، وللمسجد دور محوري في بناء الأجيال وتنشئتهم الدينية والثقافية منذ بداية العصر الإسلامي إلى الآن، فكان المكان الذي يُعلم فيه القرآن الكريم عن طريق حفظه وتفسيره وتلاوته أثناء الصلوات الخمس والإبتعاد عن المساجد يقلل الصلة بالقرآن، ويوجد بقطر مجموعة هامة من المساجد التاريخية ذات الطرز المعمارية المحلية المتميزة.
العبيدان: تلقينا التعليم الأول في الكتاتيب وما زال يشكل الركيزة الأساسية في وجدان الجميع
وصرح السيد خالد العبيدان مساعد رئيس الحي الثقافي للشؤون الثقافية ، قائلاً " إن المساجد أحب البقاع إلي الله، وللمسجد منزلة عظيمة في الإسلام، فهو حجر الزاوية في المجتمعات الإسلامية، حيث لعب دور كبير في التاريخ الإسلامي، وفي بناء حضارتهم، فقد كانت المساجد مراكز إشعاع حضاري، وملتقي لطلبة العلم ومستقر للعلماء، بجانب رسالته الدينية في العبادة ودوره في بناء الفرد المسلم، وتلقينا التعليم الأول في المساجد والكتاتيب، وهما الركيزتان الأساسيتان في وجدان الجميع، وكما تشكل العناصر المعمارية للمساجد مفردات من عبقرية المعمار المسلم في التخطيط ومجال خصب للإبداعات الفنية الإسلامية مثل الخط والزخارف النباتية الإسلامية التي استخدمت في كثير من المساجد.
د.محمود رمضان: عمارة المساجد التاريخية في قطر جزء هام من العمارة التقليدية الأصيلة
وقال المحاضر: تنوعت الطرز المعمارية لتخطيط مساجد قطر، وقد أثبتت الأدلة والشواهد التاريخية والأثرية التي عثر عليها بموقع مروٌّب الأثري بشمال قطر، من خلال تخطيط مسجد مدينة مروُّب الأثري، ظهور أول وأقدم طراز معماري محلي لتخطيط المساجد في قطر منذ العصر العباسي في القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي.
( مسجد فريق السواحيت - بلدية الجميلية)
وشهدت الفترات التاريخية التي تلت ذلك تطورات مختلفة طرأت على تخطيط المساجد في قطر وخاصة في القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي، الذي شهد أيضاً وصول كثير من حركة تنقل وترحال كثير من القبائل العربية التي وفدت واستقرت في قطر، بالإضافة انتشار تعاليم الصحوة الإصلاحية التي نادي بها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
كما نشطت حرفة الغوص على اللؤلؤ وتجارته بالسواحل القطرية الغنية بتلك الثروة مما حقق أرباح تجارية مرتفعة، مما زاد من تحقيق ثروات لكثير من العاملين في تجارة اللؤلؤ، مما ساعد على بناء المساجد وانتشار الكتاتيب وانتشار التعليم الإسلامي، وحفظ القرآن وتحفيظه، بالإضافة إلى تعليم بعض الأطفال قدرا بسيطا من الحساب وبعض الحروف الهجائية بتلك الكتاتيب، وقد لعب كل من "المطوع" لتعليم الفتيان و"المطوعة" لتعليم الفتيات دوراً كبيراً في تعليم الأطفال في قطر خلال هذه الفترة التاريخية الهامة.
تبارى التجار والعلماء والفقهاء في بناء المساجد وأنشأ الكتاتيب لتعليم أبنائهم وأبناء جيرانهم القرآن، وبيًّن ابن سند في كتابه سبائك العسجد في أخبار أحمد نجل رزق الأسعد في مجمل حديثه عن مدينة الزبارة في القرن الثامن عشر، كيف كانت حضارة تجارية، وكيف علمائها وأئمتها وتجارها أنشئوا المساجد والمدارس والكتاتيب، وكان من بين هؤلاء الفقهاء والأئمة الشيخ بكر لؤلؤ أحمد البصري القطري الزباري ت: 1202هـ/ 1787 م، الذي عمر مسجدً بالزبارة، يتألف من مساحة مستطيلة الشكل، إلا أنه أندثر الآن.
وفي القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي أنتشرت المساجد في مدن وقرى قطر، وطرأت عليها تغييرات مختلفة في تخطيطها المعماري خلال عهد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني 1878-1913م مؤسس قطر، وتعد تلك الفترة مدرسة معمارية محلية في قطر، فقد أنشأ الشيخ جاسم بن محمد العديد من المساجد بقطر وخارجها وعمّر كثير من المساجد.
وأوقف كثير من الأوقاف على المساجد والعلماء والفقهاء لخدمة الإسلام والمسلمين، وشهدت الدوحة بناء مسجدها الجامع هو مسجد القبيب في عام 1878م، حيث أمر ببنائه الشيخ جاسم بن محمد، وببناء هذا المسجد ظهر طراز جديد في تخطيط وتصميم المساجد في قطر يعتمد في تخطيطه على صحن مكشوف وأربعة أروقة، ويمكن أن يطلق عليه الطراز الثاني أو طراز مساجد المدن.
( مسجد الرفيق أو أرفيق - أم القهاب - بلدية الجميلية)
كما شهد القرن الرابع عشر الهجري، العشرين ميلادي ظهور طرز عديدة لتخطيط المساجد قطر، ويتبيّن لنا من دراسة مجموعة المساجد التي تم عرضها في هذه الدراسة وقد بلغ عددها ثلاثة وسبعين مسجداً أن تخطيط المساجد في قطر خلال ( 3-14هـ/9-20م)، تتخذ طرزاً معمارية حسب التسلسل التاريخي لبناء مساجد قطر في ضوء هذه المجموعة، وهي سبعة طرز معمارية هامة.
الطراز العام للمآذن في قطر
تعتبر مئذنة مسجد القبيب (الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني) بالدوحة 1878م، أقدم نموذج للمآذن عرف في قطر، وهي المئذنة ذات البدن الاسطواني، والتي تظهر التأثير المعماري لعمارة المآذن في تركيا وشبه الجزيرة العربية، ثم تلي ذلك ظهور طرز جديدة للمآذن يُمكن تمييزها اعتماداً على التسلسل التاريخي لظهور الطراز ثم تتبعه منذ القرن 13-14هت/19-20م، فوجدت المآذن ذوات البدن الأسطواني، والبدن المثمن الأضلاع، والبدن المخروطي، والبدن المربع، والبدن المربع القصير.
ساحة النقاش