عن فيلم (عطر- حكاية قاتل)
لفت المخرج توم تايكواير الأنظار إلى موهبته لأول مرة في فيلمRun Lola Run) ) الذي أخرجه عام 1998،واليوم يقدم فيلم "perfume عطـر" الذي لقي نجاحاً منقطع النظير منذ انطلاق عروضه في سبتمبر 2006، حيث حصد أرباحاً خيالية خلال عروضه الأولى، وقد أعتبر الفيلم أحد أكثر الأفلام الألمانية تكلفة إنتاجية، زادت عن 60 مليون دولار، لذلك فإن "عطر"، كان مبهراً حتى قبل البدء بعرضه.
قصة الفيلم مقتبسة من رواية بنفس الاسم للكاتب باتريك ساسكند والتي انتشرت بصورة واسعة عالمياً، وهي تروي حكاية جان بابتستي جرنوي، اليتيم الباريسي وضيع النسب، والذي يمتلك حاسة شم خارقة للعادة،دون أي مجد شخصي.
تبدأ مغامرته بملاحقة رائحة النساء الجميلات، ثم بهوسه في بالاحتفاظ بهذه الرائحة كما تحفظ العطور العادية، هذا الهوس سيحوله إلى قاتل متسلسل.الرواية مكتوبة بنثر يعجّ بالحيوية، يجعل عالم جرنوي حياً عن طريق وصف ما يفوح في محيطه (من الرائحة النتنة لسوق السمك وأزقة باريس في القرن الثامن عشر، إلى زهور غريسي ذات الرائحة المسكرة).
أذهلت الرواية ستانلي كوبرك الذي انكب على تهيئتها سينمائياً، وانتهى إلى اعتبارها غير صالحة أبداً لأن تُقدم سينمائياً.ساسكند (على ما يقال) ظن بأن كوبرك و ميلوس فورمان فقط هما القادران على إنصاف كتابه، لذا رفض جميع العروض الأخرى. وبعد 15 سنة من طباعتها، ربما لان و تراجع عن موقفه، فباع حقوقها إلى صديقه بريند ايشنغير بـ 10 ملايين دولار.شعر ايشنغير أن تايكواير هو المخرج الأنسب لإنجاز هذا العمل لشغفه بالتجريب وللطاقة التخيلية العظيمة التي يحملها، لذلك دعاه لينضم إليه و الكاتب السينمائي البريطاني أندريو بريكن، هذا اللقاء شكّل نقطة انعطاف هامة بالنسبة للمخرج.
يقول تايكواير:"احتجت فعلياً أن أؤكد لنفسي بأني ألممت بكل ما يحيط بمغامرة صناعة هذا الفيلم، وبأني مؤهل للقيام بعمل له هذه المواصفات. أنا لا أضع نفسي في خانة المخرجين التقليديين، فأنا لا استمتع بوقوفي في موقع التصوير وبعملي مع الممثلين. هذه المهنة تتحول إلى متعة فقط إذا تقاطعت مع شيء له اهتمام عندي. احتجت لإعادة تأكيد ذلك في أكثر من عمل، وكان قدوم "Perfume" كصدمة في مسيرتي، فقد بدا غير متوقع و جديد كلياً، كما أنه امتلك شيئاً جعل منه تحدياً كبيراً ومستحيلاً في نفس الوقت، ذلك بالضبط الشيء الذي لطالما انتظرته".في نفس الوقت يعترف تايكواير بأنه لم يكن متأكداً – في البداية- إذا ما كان يستطيع أن يرتبط بالعمل، كمعظم العروض التي تعود للتاريخ. يقول تايكواير"لديهم نزعة لإظهار أن شيء ما لم يكن على قيد الحياة حقاً، إنهم يتباهون بتصميم الملابس وبالإخراج الفني، و بطاقم العمل، كما لو أنهم يقولون: أنظروا، لقد جمعنا كل هذه الأشياء الأصلية من نفس العصر. وأنا عموماً كما المشاهد لا أهتم بذلك أبداً". ثم يبتسم قائلاً: "ثم أدركت بأن هذا التحدي بالمعنى الدقيق للكلمة ممكن".
كان جوابه بأن يعيد خلق باريس القرن الثامن العشر، كما تراها عيون الطبقة الفقيرة التي ينتمي إليها جرنوي، و"تصويرها كما لو أنّنا قُذفنا إلى عصر الآلة مع كاميرا، غالباً مدرسة سينما فيرتي(vérité)، تصنع الأماكن العظيمة و تمرر الكاميرا عليها دون أن توليها أكثر من أهميتها".عندما أعاد تايكواير قراءة الرواية، وجد صلات مع مشروعه الخاص:الحب و قدرته على التغلب على العقبات، الحب يدفع بشخصياته إلى الأمام، يعطيهم الحياة، يقول تايكواير:"بدون الحب،الناس يموتون … الطاقة التي ولّدناها من أجل أن تفعل أي شيء، للحصول على أي شيء، لخلق أي شيء، تُدعّم ببحثنا عن الحب وبأن نكون محبوبين".
بعيداً عن الشهرة، آمن جرنوي بأنه يجب أن يكون خفياً، شيئاً غير موجود، بعد ذلك بادر إلى صناعة العطر الذي سيجعله مرئياً، وسيحوله إلى شخص ما. يقول المخرج: "استطعت أن اشعر بفهم عميق ما، ليس فقط للانسجام مع هذا الفتى ، بل أكثر من ذلك للتفاعل معه، و مع هذه المنظومة التي أسسها خلال يحثه عن السعادة".
كما الرائحة، يستطيع الفيلم استدعاء أفكاراً متعددة في عقل المتلقي، يمكن أن يُقرأ كإسقاط حول الفاشية، أو الطبيعة اللا أخلاقية للفن، أو عن حالة الخواء لدى المشاهير والنجوم،أو حتى كقصة حب ملتوية. " ذلك هو سبب امتناني للفكرة العامة للرواية: إنها تعرض عدداً كبيراً من الطبقات لست بحاجة فعلية لتحشر إصبعك فيها، إنها موجودة حقاً، ليست كنكهة فقط ولكن كمادة حية."في المشهد الأكثر ترويعاً، يحول عطر جرنوي الغوغاء الذين يأتون لمشاهدة إنجازه إلى حالة من السعادة المطلقة، ضمن طقس في منتهى العربدة، ويمجدونه إلى ما يتجاوز أحلامه العريضة بكثير، و لكن ما كان يجب أن يحدث أن تحل لحظة الفرح بالإنجاز بديلةً عن لحظة الإدهاش الحاشدة. يقول توم تايكواير:"إنه سوء فهم كبير أن يعجب الناس بخداعنا. من الجنون حقاً أن ما ننتظره طويلاً و جوهرياً هو شخص واحد،لا مشكلة لديه فيما نكنّه أو نفعله،إنه يحب فقط عدم جدارتنا بالمظهر الكاذب الذي نريد أن نبدو به".
إن اختيار النجم البريطاني بن ويشو في الدور الرئيسي يساعد في أنسنة جرنوي المتوحش، عيناه تومضان بين لحظات الإحساس بالخطر، والعوز، والرغبة الشديدة. يقول مخرج الفيلم:"بدون الممثل المناسب، سوف لن يكون لدينا انطلاقة جديرة للفيلم. أردت الناس أن يحبوا جرنوي، أردناكم أن تهتموا به – عن طريق الحيلة طبعاً، حالة التناقض هذه هي تماماً ما أردته، وهي صمام الأمان الذي يبقي الفيلم حاملاً لمعناه"
ساحة النقاش