توجه الصحفي الفلسطيني أوس يعقوب لصالح ضفة ثالثة- موقع العربي الجديد إلى مجموعة من الكتاب للإجابة عن أربعة أسئلة متعلقة بأدب الأسرى، وقد نشر التحقيق على حلقتين. الحلقة الأولى شارك فيها كل من: المحامي الصديق: حسن عبادي، والدكتور حسن عبد الله، والصديق الناقد رائد الحواري، بالإضافة إلى الأسيرة المحررة عائشة عودة، ونشرت بتاريخ: 4/9/2024، على الرابط الآتي:
أدب الأسرى في المشهد الأدبي الفلسطيني
وشارك في الحلقة الثانية كل من: فراس حج محمد، والروائية ديمة جمعة السمان، والكاتب إياد شماسنة، بمشاركة الأسيرة المحررة منى قعدان، ونشرت بتاريخ: 18/9/2024، على الرابط الآتي:
عن أدب الأسرى في المشهد الأدبي الفلسطيني 2/2
وفيما يأتي مشاركتي في التحقيق، كما بعثتها للصحفي أوس يعقوب:
من خلال قراءاتك، كيف تقيم "أدب السجون" في فلسطين، لا سيما ونحن نعيش تجربة متميّزة للنضال الفلسطينيّ في سجون الاحتلال؟
ثمة عوامل كثيرة ساهمت في تطور أدب السجون الفلسطيني، بشكل لافت وأنتج كثيرا من الأسماء المميزة على الصعيدين الموضوعي والفني، فهذا الأدب رافد مهم من روافد الأدب المقاوم في كل مراحله، ولعلّ ظاهرة المؤبدات في الحكم، وما لها من أثر سيئ على الأسير إلا أنها منحته من باب آخر فرصة ليبني عالما موازيا، بجغرافيته وزمانه مع هذين الفضاءين السائلين خارج جدران السجن. بعد هذا الكم الكبير من الإنتاجات المنوعة شعرا وسردا على اختلاف أنواعه أستطيع أن أقول إننا أمام أدب سجون مزدهر رغما عن قساوة عالم السجن. إضافة إلى ذلك فإنني أرى أنه من الإنصاف أن يكون هناك معايير نقدية نابعة من التجربة ذاتها، فلا يعقل أن أحكم على أدب كتب في ظل القسوة والعتمة والتوجس كالأدب الذي كتبه صاحبه في غرفة مكيّفة! وأطبق عليه المعايير ذاتها، إن في هذا ظلماً للتجربة ذاتها وخصوصيتها.
كيف تنظر إلى حصول الكتّاب الأسرى على جوائز أدبيّة مرموقة، والتي كان آخرها حصول صاحب رواية "قناع بلون السماء" باسم خندقجي بـ"جائزة البوكر" لعام 2024، بتقديرك هل يستحقّون هذه الجوائز فنّيًّا؟
لا تجد إجماعا من أهل الصناعة الأدبية على أن فلانا من الكتاب يستحق أي جائزة، سواء أكان الفائز أسيرا أم لم يكن، فهذا النقاش يحتدم مع كل جائزة، محلية وعربية وعالمية، ابتداء من نوبل وانتهاء بأصغر جائزة تمنحها رابطة أو مؤسسة وطنية. إنما لا بد من أن يكون الفائز بالجائزة يستحق أن يكون فائزا بأحد الاعتبارات التي تضعها لجان التحكيم، فعلى شبيل المثال يشكل فوز باسم خندقجي بالجائزة أمرا مهما من ناحيتين؛ أنه جاء في سياق الحرب على غزة، وأنه أدخل المجتمع الثقافي في صلب النقاش السياسي الأدبي، عدا أن الرواية بتقنياتها وحيلتها الفنية على الرغم مما واجهته من انتقادات تقدم اقتراحها الجمالي الذي يربط الأيديولوجي بالسياسي والتاريخي والإحالات الفنية، فحاول باسم أن يقول شيئا من خلال هذا الاقتراح الجمالي، فاجتهد ولكل رأيه بعد ذلك، المهم لديّ أنه جعلنا جميعا ندخل معمعة السؤال لنحرك ما ركد من المياه الآسنة، وهذا هدف آخر من أهداف الجوائز، وإن كان هدفا عرَضياً.
من أين يستقي الأسرى أحداث أعمالهم-ن الأدبيّة سواء كانت روايات أو نصوص أو قصائد؟
عالم الأسر عالم متشابك وثري، والسجن يصنع تجربة مميزة لها امتدادات متشعبة مع الذات أولا، لأنك تكون في مواجهة ذاتك بكل ما فيها من اضطراب وتحولات، ربما لن تفطن لهذه الذات إلا بفعل هذه التجربة، ثانيا امتدادات المكان الجديد المحصور بكل ما فيه من سجان متربص وزملاء سجن وزنزانة، والمحيط الخارجي حيث المجتمع والفصيل السياسي. هذه روافد تجعل الأسير يدرك الأشياء على نحو مختلف وخاص، وهذا ما يصنع تعددا في الحكاية، نظرا لاختلاف هذه التشابكات.
نتساءل أين أدب الأسيرات، وكيف تقيمه، ولماذا لا يتمّ الإشارة إلى أعمالهنّ في معظم كتابات النقّاد؟
الكاتبات أغلبهن محرومات من الإشارات النقدية، فحضورهن النقدي كأمثلة في كتب النقد قليلة، وهذا ينطبق على الأسيرات الكاتبات إلا إذا كان الحديث عن الأسيرات. عدا أن الأسيرات الكاتبات أقل عددا وإنتاجاً من الكتاب الأسرى، فالأسيرة تكتفي في أحيان كثيرة بإنتاج عمل أو عملين، وأغلبهن كتبن أعمالهن خارج السجن كالأسيرة عائشة عودة والأسيرة الدكتورة وداد البرغوثي على سبيل المثال. لكن هذه التجربة أنتجت كتبا مهمة على صعيد التوثيق للتجربة الاعتقالية، والإضاءة عليها من الداخل لأن ثمة أشياء لا يستطيع أحد كتابتها إلا الأسيرة ذاتها تعبيرا عن قضايا خاصة وجهة نظر مختلفة.