التلوث الإشعاعي (النووي)
كما كان هناك أيضا العديد من الكوارث الإشعاعية البيئية علي مستوى العالم والتي كان لها أبلغ الأثر في إبرام العديد من الوثائق والاتفاقيات الدولية التي نذكر منها علي سبيل المثال :
كما لم يكن هناك أية قاعدة قانونية اتفاقية يمكن تطبيقها في وقت الحادثة حيث كان السائد هو اتفاقية جنيف عام 1979 الخاصة بالتلوث الجوى العابر للحدود لمسافات طويلة ، لا تشتمل علي التلوث النووي .
الوكالة الدولية للطاقة
الذرية |
التشريع النووي
من المعلوم أن وجود المادة المشعة يحمل معه مخاطر محتملة ، ولهذا فإنه حماية للصحة العامة والبيئة تبادر الدول بسن التشريع المناسب ووضع النظام الرقابي الملائم الذي يتضمن أمان التطبيقات النووية السليمة وهذه القاعـــدة التشريعية تمثل الأساس للتنظيم النووي والإشراف والرقابة الفعالة تحقيقا للصالح العام بالنسبة للأنشطة التي تتضمن استخدام المواد المشعة والتقنيات النووية والمرافق النووية [13].
وتتطلب الطبيعة الخاصة لتداول واستخدام المواد المشعة والمواد النووية وإدارة المنشآت النووية تدابير أمان نووي وإشعاعي دقيقة تضيف أبعادا جديدة إلي الأنظمة الرقابية التقليدية وضرورة وجود أجهزة متخصصة مزودة بسلطات كافية لتنفيذ مهامها [14] ، حيث إنه من أخطر أنواع التلوث البيئي في عصــرنا الحديث ، كما وأن استنشاق غبار يحتوى علي مادة مشعة من شأنه أن يحدث أضرارا بليغة علي الخلايا التي تمتصه ، وكذا علي صحة الإنسان والمخلوقات التي تحيط به [15] .
أما من حيث القواعد القانونية التي تحكم النشــــاط النووي في مصر ، فقد اهتمت مصر بهذا الموضوع منذ فجـــــر الاستخدامات الســــلمية للطاقة النووية ، فقامت منذ منتصف الخمســــينات بتوقيع أول اتفــاق للتعاون النــــووي في 12 يولــــيو 1956 بالقاهــــــرة مع الاتـحـــــاد السوفييتي ، ثم اشتركت كعضـــــو مؤسس في الوكالة الدولــــية للطاقة الذرية بفيينا 1957 ، وأصــــــدرت تشريعاتها الوطنية لتنظيم الاستخـــــدامات الســلمية للطاقـــــة النووية على الصعيد الداخلي [16].
ثم صدر القانون رقم 59 لسنة 1960 بشأن تنظيم العمل بالإشعاعات المؤينة والوقاية من أخطارها ، ويتألف هذا القانون من شطرين : الأول : يتعلق بالخطوط الرئيسية في تنظيم العمل بالإشعاعات المؤينة وشئون الوقاية من أخطارها ، والثاني : يتعلق باللوائح التنفيذية اللازمة لتنفيذ هذا القانون ، وبه اشتراطات فنية تفصيلية لمستلزمات الوقاية من أنواع الإشعاعات المختلفة ، وتكوين الهيئات والمكاتب الفنية وتنظيم عملها وتحديد خطوط السير فيها .كما وأن القانون رقم (4) لسنة 1994 في شأن البيئة قد أشار إلي تنظيم بعض أحكام الإشعاعات المؤينة والنفايات الناجمة عنها ، وأناط بهيئة الطاقة الذرية دوراً كبيراً في نطاق تطبيق أحكامه باعتبارها الجهة التي تملك الكوادر العلمية والفنية العالية ، كما شدد العقوبات علي الجرائم التي تمثل استخداماً غير رشيد للإشعاعات المؤينة حماية لمكونات البيئة المختلفة ، وحفاظاً علي سلامة الإنسان [17] .
ولكن ينبغي في رأينا، من خلال تجربة مصر في هذا الشأن التشديد علي عدة اعتبارات تجب مراعاتها ، هي علي النحو الآتي [18]
أولاً : قدم القانون الذي مر عليه زهاء الخمسين عاما ، ومن هنا تبدو ضرورة مراجعة القانون الحالي للوقاية من الإشعاعات المؤينة رقم (59) لسنة 1960 ، وإعادة النظر في شأن أوضاع الجهات المنوط بها المسئولية لمواده (5 و 6) ، والقرارات الوزارية المنفذة لها ، للتمكن من المواكبة والمواجهة الحديثة للأمان النووي البيئي .
ثانيا : ضرورة العمل علي إعداد جهاز للأمان النووي يصبح قادرا علي مواجهة حوادث الإصابة بالإشعاعات النووية .
ثالثا استكمال قانون البيئة رقم (4) لسنة 1994 ، لأدواته التشريعية لضمان فاعلية تنفيذه بوضع المعايير الخاصة بالإشعاعات المؤينة ومستوياتها ، بما فيها المواد والمخلفات والنفايات الخطرة وتصنيفها وفقا للقوائم المحددة قانونا وذلك بصدور قرار من وزير الكهرباء المختص بذلك وفقا لقانون البيئة .
رابعا : ضرورة مراجعة جميع التشريعات الخاصة بالأمن النووي علي ضوء أحكام الاتفاقيات الدولية التي انضمت لها مصر والخاصة بالأمن البيئي النووي ، والمصدق عليها والتي لايجوز مخالفتها وفقا للمادة (151) من الدستور المصري .
خامسا : التأكيد علي الدروس المستفادة من حادث ميت حلفا فيما يتعلق بالإطار المؤسسي والتشريعي لتداول المواد المشعة وإزالة ما قد يكون هناك من تضارب في هذا المجال في التشريعات الحالية [19].
سادسا : وضع تنظيم تشريعي إداري يحدد جهة واحدة تقوم بالرقابة علي الواردات والتصريح باستيرادها وتصديرها وبالتنسيق مع الجهات المختلفة كل في مجال اختصاصه ، وذلك من أجل تحقيق السلامة والأمن ومنع الأضرار التي قد تنتج عن المواد المستوردة .
سابعا : مطالبة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية باعتبار المقذوفات الـمــــذكورة ضمن أسلحة الدمـار الشامل .
[1] ترافس واجنر ، البيئة من حولنا ، ترجمة د. محمد صابر ، مرجع سابق ، ص212 .
[2] أنظر فيما سبق ، د. هدي حامد قشقوش ، التلوث بالإشعاع النووي في نطاق القانون الجنائي ، دار النهضة العربية القاهرة ، 1997.
[3] د. فرج صالح الهريش ، جرائم تلويث البيئة ، مرجع سابق ، ص54
ومن المعروف أن سكان العالم يتعرضون لإشعاع طبيعي يتراوح بين 100 إلي 150 وحدة إشعاع والتي تؤدي نفس النتائج العضوية لوحدة رونتجن من أشعة إكس ، والرأي عند العلماء أن الإنسان يتحمل دون خطورة 1000 وحدة إشعاع ، ولقد حددت الهيئة العالمية للحماية من الإشعاعات حداً أقصي هو5000 وحدة إشعاع لكل شخص في العالم وإلي جانب جرعات الإشعاع المسموح بها يتعرض الإنسان لمخاطر جسيمة مثل الحروق والغثيان والاضطرابات المعوية واحتمالات سرطان الدم ، د. إبراهيم سليمان عيسي ، تلوث البيئة ، مرجع سابق ، ص46.
[4] يؤدي تعرض الجسم كله إلي جرعات من الإشعاع إلي آثار حادة ، يمكن ظهورها خلال ساعات أو حتي دقائق ، وإذا كانت الجرعة بالقدر الكافي فيمكن أن تؤدي إلي الوفاة خلال أسابيع أو أيام ، ومنها آثار مبكرة مثل تليف خلايا النخاع العظمي ، وتليف الخلايا العصبية والمعوية وتليف الجلد وظهور قرح ، ومنها آثار متأخرة ، وهي التي تظهر بعد فترات طويلة من التعرض للإشعاعات مثل الإصابة بالسرطان ، وعتمة = =عدسة العين ، وانخفاض مستوي العمر وتشوه المواليد ، وغير ذلك من الآثار الوراثية والتي تحدث نتيجة خلل في الكروموسومات يتمثل في حدوث تغير في عددها أو في تركيبها أو تلك التي تحدث من طفرات في المورثات ذاتها.
أنظر في ذلك ، د. حسن أحمد شحاتة ، تلوث البيئة ،.السلوكيات الخاطئة وكيفية مواجهتها ، مرجع سابق ، ص88 .
[5] (حوار لوزير البيئة السوري مع مجلة البيئة الدولية منشور في مقال ، المؤامرة الإسرائيلية لتدمير الموارد العربية مازالت مستمرة ) المقال منشور في العدد 40 السنة السادسة بتاريخ 1 سبتمبر 2001 http://www.albeah.com/issues/40/0120/html
[6] د.محمود الكردى وآخرون ، الدراسة العلمية لتلوث البيئة ، مرجع سابق ، ص 79 .
[7] وقد أبرمت تلك الاتفاقية بين كل من الاتحاد السوفييتي وانجلترا والولايات المتحدة الأمريكية بيد أنها اكتسبت صفة شبه عالمية ووقعت عليها 93 دولة حتي 12 يونيو 1967 ، د. سامي محمد شكري ، التفجيرات النووية والحظر الدولي بعدم تلويث البيئة ، بحث منشور بمجلة الدراسات الدبلوماسية ، يصدرها معهد الدراسات الدبلوماسية ، المملكة العربية السعودية ، العدد الثاني إبريل 1985 ص187.
[8] وفي عام 1974 تقدمت مصر وإيران بمشروع يجعل منطقة الشرق الوسط مجردة من الأسلحة النووية وعلي الفور وافقت عليه اللجنة السياسية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 103 صوت ضد لا شيء وامتناع ثلاث دول عن التصويت هي ( إسرائيل - النرويج - السويد ). أنظر في ذلك ، د.سامي محمد شكري ، التفجيرات النووية والحظر الدولي بعدم تلويث البيئة ، مرجع سابق ص187 .
[9] وقد تمت السيطرة علي الحريق في السادس من مايو وأدلى السكرتير العام للحزب الشيوعي ميخائيل جورباتشوف بحديث على شاشة التليفزيون لم يقلل فيه مما حدث سواء في داخل روسيا أو في خارجها ، وقد استبان من بعد أن هذا الحادث مرجعه إهمال القائمين علي تشغيل المفاعل النووي . أنظر في تفصيل ذلك ، د. سعيد جويلي ، طرق تسوية المنازعات الدولية للبيئة ، مرجع سابق ، ص 101.
[10] Carlton Stoiber , Elements of Nuclear Legislation , International School of Nuclear Law, Monpellier , France 2002 p4.
مشار إليه في د. أيمن مرعي ، التشريعات النووية وتطبيقاتها العملية ، دراسة منشورة في مجلة التشريع ، العدد الثاني يوليو 2004 ، ص24
[11] د. أيمن مرعي ، المرجع السابق ، ذات الموضع .
[12] د. أيمن مرعي ، التشريعات النووية ، المرجع السابق ، ص25.
[13] د.أيمن مرعي ، المرجع سابق ، ص29.
[14] المرجع السابق ، ذات الموضع .
[15] التلوث الإشعاعي يحدث من مصادر طبيعية كأشعة صادرة من الفضاء الخارجي والغازات المشعة الصاعدة من القشرة الأرضية أو من مصادر صناعية تحدث بفعل الإنسان كمحطات الطاقة النووية والمفاعلات النووية والنظائر المشعة المستخدمة في الصناعة أو الزراعة أو الطب وغيرها.
[16] د. ميرفت محمد البارودي ، الاستخدامات السلمية للطاقة النووية ، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق جامعة القاهرة ، 1993 ، ص224
[17] د. أيمن مرعي ، المرجع السابق ، ذات الموضع .
[18] أنظر في هذه التوصيات بتفصيل ، المجالس القومية المتخصصة ، تقرير المجلس القومي للخدمات والتنمية الاجتماعية ، الدورة الحادية والعشرون 2000-2001 ،الأمن البيئي النووي .
[19] وفي مايو من عام 2000 ظهرت بعض الحالات المرضية ، تركزت في أسرة مكونة من سبعة أفراد في قرية ميت حلفا محافظة القليوبية ، وكانت الإصابة في صورة التهابات باليدين وبثور في أصابع اليد ، وقد قامت مديرية الشئون الصحية بالقليوبية بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان بمتابعة أول مريض وهو طفل يبلغ من العمر تسع سنوات توفي في الخامس من يونيو 2000 ، ثم توفي والده وعمره ستون عاما ، وفي تلك القرية كان أحد المزارعين قد عثر علي جسم مشع اسطواني مدبب وهو من مادة شديدة الإشعاع ، يستخدم في الكشف عن اللحامات المعدنية بمختلف أنواعها ، وقد قام هذا المزارع بالاحتفاظ بهذا الجسم في مسكنه داخل علبة من الكرتون أخفاها بدولاب ملابسه ، لاعتقاده بأن هذا الجسم هو قطعة أثرية من الذهب لأن لونه كان يشبه الذهب ، وبعد إخطار الأجهزة الأمنية وخبراء الطاقة الذرية والمعمل الجنائي بدأت عملية مسح شامل لهذه القرية خاصة مسكن الأسرة والمنازل المجاورة لها ، وتم العثور علي الجسم المشع داخل منزل الأسرة ونقل وسط إجراءات وقائية مناسبة إلي هيئة الطاقة الذرية لفحصه ، وأثبت خبراء الهيئة أن الجسم به نسبة إشعاع 140 رونتجن وهذه النسبة شديدة الخطورة ثم قام خبراء هيئة الطاقة الذرية بعمل مسح للقرية حيث أثبتوا بعد ذلك خلوها من الإشعاعات الضارة ، ومن ناحية أخرى قامت وزارة الصحة بفحص عدد كبير من الأهالي بالقرية وتوقيع الكشف الطبي عليهم أخذ عينات من أكثر من مائتي شخص من المجاورين لمسكن الضحايا بالأسرة المنكوبة .وبعد عرض التقارير الخاصة بالمصابين الخمسة من أفراد الأسرة تقرر إكمال علاجهم بمستشفى معهد ناصر وتوفير جميع الإمكانيات العلاجية لهم ، ويرجح أن المصدر قد فقد من الشركة المستوردة ، ويوجد حوالي مائتي جهاز منه في الشركات والمؤسسات الإنشائية وشركات البترول ، ويستخدم في اختبار اللحامات المعدنية وسلامتها ، أما عن أسلوب دخول تلك الأجهزة لمصر ، فيخلص في أن تبلغ أي شركة تحتاجه بطلب استيرادهويفحص طلبها ويتم الموافقة على استيراده في إطار ضوابط متفق عليها لتأمين دخوال المصدر لمصر وبيان نوع الأنشطة التي يستخدم فيها ، وبعد التأكد يمنح إذن الاستيراد من المكتب التنفيذي للوقاية والإشعاع بعد فحص المكان وكفاءة البشر وكفاية العاملين ودرجة تدريبهم ، ولقد اتضح أن المصدر المشع موضوع قضية ميت حلفا تم استيراده من الخارج في 8 من ديسمبر 1999 بغرض استخدامه في الكشف عن اللحامات المعدنية .
كتابة تعليق جديد ▼
كتابة تعليق جديد