رســـالة العقـــائد |
بِسْــمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمـــات
|
1 - تعريف العقائد :
العقائد : هي الأمور التي يجب أن يصدق بها قلبك , و
تطمئن إليها نفسك , و تكون يقينا عندك , لا يمازجه ريب , و لا يخالطه شك .
2 - درجات الاعتقاد :
و الناس في قوة العقيدة و ضعفها أقسام كثيرة , بحسب
وضوح الأدلة , و تمكنها من نفوس كل قسم , و لنوضح لك هذا المقام بضرب الآتي :
لو أن رجلا سمع بوجود بلد لم يره , كاليمن مثلا , من
رجل آخر غير معروف بالكذب , فإنه يصدق بوجود هذا البلد و يعتقده , فإذا سمع هذا
الخبر من عدة رجال زاد به ثقة , و إن كان لا يمنعه ذلك من أن يشك في اعتقاده إذا
عرضت له الشبهات , فإذا رأى صورته الفوتوغرافية زاد اعتقاده بوجوبه , و أصبح الشك
متعسرا عليه أمام قوة هذا الدليل ,
فإذا سافر و بدت له أعلامه و بشائره زاد إيقانه و زال شكه , فإذا نزله و رآه رأي العين , لم يعد هناك مجال
للريبة , و رسخت في نفسه هذه العقيدة رسوخا قويا حتى يكون من المستحيل رجوعه عنها
و لو أجمع الناس على خلافها , فإذا سار في طرقه و شوارعه , و درس شؤونه و أحواله
ازداد به خبرة و معرفة , و كان ذلك
أمرا موضحا لاعتقاده زائدا عليه .
و إذا علمت هذا فاعلم أن الناس أمام العقائد الدينية
أقسام كذلك :
منهم من تلقاها تلقينا , و اعتقدها عادة , و هذا لا
يؤمن عليه من أن يتشكك إذا عرضت الشبهات , و منهم من نظر وفكر فازداد إيمانه , و
منهم من أدام النظر و أعمل الفكر , و استعان بطاعة الله تعالى و امتثال أمره , و
إحسان عبادته , فأشرقت مصابيح الهداية في قلبه , فرأى بنور بصيرته ما أكمل و أتم
يقينه , و ثبت فؤاده :
(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا
زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد:17) .
3 - تقدير الإسلام للعقل :
أساس العقائد الإسلامية – ككل الأحكام الشرعية – كتاب
الله تعالى و سنة رسوله .
و يجب أن تعلم , مع ذلك , أن كل هذه العقائد يؤيدها العقل , و يثبتها النظر
الصحيح , و لهذا شرف الله تعالى العقل بالخطاب , و جعله مناط التكليف , و ندبه إلى البحث و النظر و التفكير , قال تعالى : (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا
تُغْنِي الآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (يونس:101) ,
وقال تعالى : (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ
بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ , وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا
وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ,
تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ , وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء
مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ و َحَبَّ الْحَصِيدِ , وَالنَّخْلَ
بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ , رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ
بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ) (قّ:6 ,11) , و ذم الذين لا
يتفكرون و لا ينظرون فقال تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ
آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا
مُعْرِضُونَ) (يوسف:105) , و طالب الخصوم بالدليل و البرهان حتى فيما هو
ظاهر البطلان , تقديرا للأدلة , و إظهارا لشرف الحجة , و قد ورد في الحديث أن
بلالا جاء يؤذن النبي بصلاة الصبح , فرآه يبكي فسأله عن سبب بكائه , فقال : (ويحك يا بلال ما يمنعني أن أبكي و قد أنزل الله علي هذه
الليلة : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ)
(آل عمران:190) , ثم قال : (ويل لمن قرأها و لم يتفكر
فيها) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر .
و من هنا تعلم أن الإسلام لم يحجر على الأفكار و لم يحبس العقول , و عن
أرشدها إلى التزام حدها , و عرفها قلة
علمها , و ندبها إلى الاستزادة من معارفها , فقال تعالى : (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً)
(الاسراء:85) , و قال تعالى (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي
عِلْماً) (طـه:114).
4 - أقسام العقائد الإسلامية
العقائد الإسلامية تنقسم إلى أربعة أقسام رئيسية , تحت كل قسم منها فروع
عدة :
القسم الأول : الإلهيات
وتبحث فيما يتعلق بالإله سبحانه و تعالى من حيث صفاته و أسماؤه و أفعاله , و
يلحق بها ما يستلزمه اعتقاده من العبد لمولاه .
القسم الثاني : النبوات
و تبحث في كل ما يتعلق بالأنبياء , صلوات الله و سلامه عليهم , من حيث
صفاتهم و عصمتهم و مهمتهم و الحاجة إلى رسالتهم , و يلحق بهذا القسم ما يتعلق
بالأولياء رضوان الله عليهم , و المعجزة و الكرامة , و الكتب السماوية .
القسم الثالث : الروحانيات
و تبحث فيما يتعلق بالعالم غير المادي : كالملائكة عليهم السلام , و الجن ,
و الروح .
القسم الرابع : السمعيات
فيما يتعلق بالحياة البرزخية , و الحياة الأخروية : كأحوال القبر , و
علامات القيامة , و البعث , و الموقف , و الحساب , و الجزاء .
اعلم يا أخي , هدانا الله و إياك إلى الحق , أن ذات الله تبارك و تعالى
أكبر من أن تحيط بها العقول البشرية , أو تدركها الأفكار الإنسانية , لأنها مهما
بلغت من العلو و الإدراك محدودة القوة , محصورة القدرة , و سنفرد بحثا خاصا إن شاء
الله تعالى , تعلم منه مبلغ قصور العقل البشري عن إدراك حقائق الأشياء , و لكن
يكفي أن أذكرك بما نلمسه الآن من أن عقولنا , من أكبرها إلى أصغرها , تنتفع بكثير من
الأشياء و لا تعلم حقائقها , فالكهرباء , و المغناطيس و غيرهما , قوى نستخدمها و
ننتفع بها و لا نعلم عنها شيئا من حقيقتها , و لا يستطيع أكبر عالم الآن أن يفيدك
بشيء , على أن معرفة حقائق الأشياء لا يفيدنا بشيء , و يكفينا ما نعرف من خواصها
ما يعود بالفائدة علينا .
فإذا كان هذا شأننا في الأمور التي نلمسها و نحسها فما بالك بذات الله
تبارك و تعالى ؟! و قد ضل أقوام تكلموا في ذات الله تبارك و تعالى فكان كلامهم
سببا لضلالهم و فتنتهم اختلافهم
لأنهم يتكلمون فيما لا يدركون تحديده , و لا يقدرون على معرفة كنهه , و لهذا نهى
الرسول عن التفكر في ذات الله , و أمر بالتفكر في مخلوقاته .
عن ابن عباس رضي الله عنهما إن قوما تفكروا في الله عز و جل فقال النبي : (تفكروا في خلق الله , و لا تتفكروا في الله , فإنكم لن تقدروا
قدره) قال العراقي : رواه أبو نعيم في الحلية بإسناد ضعيف , و رواه
الأصبهاني في الترغيب و الترهيب
بإسناد أصح منه , و رواه أبو الشيخ
كذلك , و هو على كل حال صحيح المعنى .
و ليس ذلك حجر على حرية الفكر , و لا جمودا في البحث , و لا تضييقا على
العقل , و لكنه عصمة له من التردي في مهاوي الضلال , و إبعاد له عن معالجة أبحاث لم
تتوفر له وسائل بحثها , و لا تحتمل قوته – مهما عظمت – علاجها , و هذه هي طريقة
الصالحين من عباد الله العرفين بعظمة ذاته , و جلال قدره , سئل الشبلي رحمه الله
تعالي عن الله تبارك و تعالى فقال : هو الله الواحد المعروف , قبل الحدود و قبل
الحروف . و قيل ليحيى بن معاذ : أخبرني عن
الله عز و جل ؟ فقال : إله واحد , فقيل له كيف هو ؟ فقال ملك قادر , فقيل
له : أين هو ؟ فقال هو بالمرصاد , فقال السائل : لم أسألك عن هذا , فقال : ما كان
غير هذا كان صفة المخلوق , فأما صفته ما أخبرتك عنه .
فاحصر همتك في إدراك عظمة ربك بالتفكر في مخلوقاته و التمسك بلوازم صفاته .
إن الخالق المتصرف جل و علا تعرف إلى خلقه بأسماء و صفات تليق بجلاله ,
يحسن بالمؤمن حفظها تبركا , و تلذذا بذكرها , و تعظيما لقدرها . و إليك الحديث
الصحيح الذي جمعها , فنعم المعلم حديث رسول الله , و نعم المرشد و الهادي لسان
الوحي , و مشكاة النبوة .
وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :
( للهِ
تَعالى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً ، مائة إِلاَّ وَاحِداً، لا يحفظها أحد إلا
دَخَلَ الجَنَّةَ ، و هو وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرِ) رواه البخاري و مسلم و
في رواية البخاري (مَنْ أحْصَاها ) ،و رواه
الترمذي و زاد فيه :
( هُوَ اللهُ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ،
الرَّحْمَنُ ، الرَّحِيمُ ، المَلِكُ ، القُدُّوسُ ، السَّلامُ ، المُؤْمِنُ ،
المُهَيْمِنُ ، العَزِيزُ ، الجَبَّارُ ، المُتَكَبِّرُ ، الخالِقُ ، البارىءُ ،
المُصَوّرُ ، الغَفَّارُ ، القَهَّارُ ، الوَهَّابُ ، الرَّزَّاقُ ، الفَتَّاحُ ،
العَلِيمُ ، الباسِطُ ، الخَافِضُ ، الرَّافِعُ ، المُعِزُّ ، المُذِلُّ ، السَّمِيعُ
، البَصِيرُ ، الحَكَمُ ، العَدْلُ ، اللَّطِيفُ ، الخَبيرُ ، الحَليمُ ، العَظِيمُ ، الغَفُورُ ، الشَّكُورُ ،
العَلِيُّ ، الكَبِيرُ ، المُقِيتُ ، الحَسِيبُ ، الجَلِيلُ ، الكَرِيمُ ،
الرَّقِيبُ ، المُجِيبُ ، الوَاسِعُ ، الحَكِيمُ ، الوَدُودُ ، المَجِيدُ ،
الباعِثُ ، الشَّهِيدُ ، الحَقُّ ، الوَكِيلُ ، القَوِيُّ ، المَتِينُ ، الوَليُّ
، الحَمِيدُ ، المُحْصِي ، المُبْدِىءُ ، المُعِيدُ ، المُحْيِي ، المُمِيتُ ،
الحَيُّ ، القَيُّومُ ، الوَاجِدُ ، المَاجِدُ ، الوَاحِدُ ، الصَّمَدُ ، القادِرُ
، المُقْتَدِرُ ، المُقَدِّمُ ، المُؤَخِّرُ ، الأوَّلُ ، الآخِرُ ، الظَّاهِرُ ،
البَاطِنُ ، الوَالي ، المُتَعالِ ، البَرُّ ، التَّوَّابُ ، المُنْتَقِمُ ،
العَفُوُّ ، الرًّؤُوف ، مالِكُ المُلْكِ ، ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ ،
المُقْسِط ُ، الجامِعُ ، الغَنِيُّ ، المُغْنِي ، المَانِعُ ، الضَّار ، النَّافعُ
، النُّورُ ، الهَادِي ، البَدِيعُ ، الباقِي ، الوَارِثُ ، الرَشِيدُ ، الصَّبُور
)
معاني بعض أسماء الله :
( القُدُّوسُ ) المطهر من العيوب ، ( السَّلامُ ) الأمان لخلقه , أو هو
السالم من العيوب ، ( المُؤْمِنُ )
المصدق وعده لخلقه و المؤمّن لهم من عذابه ، ( المُهَيْمِنُ) المسيطر المتصرف ,
الشهيد الرقيب ، ( العَزِيزُ ) القاهر الغالب ، ( الجَبَّارُ ) المنفذ لأوامره ، (
المُتَكَبِّرُ ) العالي عن صفات الخلق المتفرد بصفات عظمته ، ( البارئ ) الخالق و
هو في خلق ذي الروح أظهر , يقال : بارئ النسم و خالق السموات و الأرض , (المُقِيتُ) العالم العارف ، ( الحَسِيبُ ) الكافي لخلقه ، (
المُحْصِي ) هو الذي أحصى كل شيء يعلمه فلا يفوته شيء من الأشياء ، ( البَرُّ )
المتعطف على عباده ببره و لطفه ، (
الرَشِيدُ ) الذي يرشد الخلق إلى مصالحهم ، ( الصَّبُور) هو الذي لا يعاجل العصاة
بالانتقام منهم .
هذه التسعة و التسعون ليس كل ما ورد في اسماء الله
تبارك و تعالى , بل وردت الأحاديث بغيرها من الأسماء , فقد ورد في الحديث من رواية أخرى ( الحنان )
, ( المنان ) , ( البديع ) , و ورد كذلك من أسمائه تعالي ( المغيث ) , و ( الكفيل
) و ( ذو الطول ) , و (ذو المعارج) و (ذو الفضل) , و (الخلاّق) .
قال أبوبكر بن العربي في شرح الترمذي حاكيا عن بعض
اهل العلم : إنه جمع من الكتاب و السنة من أسمائه تعالى ألف اسم , و في كلام صاحب
(القصد المجرد) ما يفيد ذلك , و أشار إلى ذلك الشوكاني في (تحفة الذاكرين) ثم قال
: و أنهض ما ورد في إحصائها الحديث المذكور , و فيه الكفاية .
ثم اعلم أن بعض الأحاديث وردت فيها ألفاظ على أنها
أسماء الله تعالى , و لكن قرائن الحال و أصل الوضع يدل على غير ذلك , فاعلم أن ذلك
من قبيل المجاز لا الحقيقة , و من قبيل تسمية الشيء باسم غيره لعلاقة بينهما أو
على تقدير بعض المحذوفات , مثال ذلك الحديث الذي رواه أبوهريرة رضي الله عنه عن
النبي قال : (لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر)
رواه مسلم , و حديث عائشة رضي الله عنها : (دعوه يئن
فإن الأنين اسم من أسماء الله تعالى يرتاح إليه المريض) , ذكره الجلال
السيوطي ي الجامع الصغير عن الرافعي و حسنه , و ليس هو من رواية مسلم , و لا من
حديث أبي هريرة كما يخطئ بعض الناس , و منه ما ورد في إطلاق اسم رمضان على الحق
تبارك و تعالى في بعض الآثار .
فكل هذه لا يراد منها ظواهرها و حقيقة الإطلاق , بل
المقصود في الأول منها مثلا : فإن الله هو مسبب لحوادث الدهر فلا يصح أن ينسب إلى
الله شيء و لا أن يسب و يذم , و في الثاني : فإن الأنين أثر قهر الله تعالى يرتاح
إليه المريض , و هكذا في المعاني التي تدل عليها قرائن الأحوال .
و هذه الأسماء المتقدمة منها علم واحد وضع للذات
القدسية و هو لفظ الجلالة : الله , و باقيها كلها ملاحظ فيها معنى الصفات , و لهذا
صح أن تكون أخبارا للفظ الجلالة , و هل هو مشتق أو غير مشتق ؟ مسألة خلافية , لا
يترتب عليها أمر عملي , و حسبنا أن نعلم اسم الذات هو هذا الاسم المفرد و بقية الأسماء مشربة بالوصفية , و في هذا
الكفاية .
يذكر البعض أن لكل اسم من أسماء الله تعالى خواص و
أسرارا تتعلق به على إفاضة فيها أو إيجاز , و قد يتغالى البعض فيتجاوز هذا القدر
إلى زعم أن لكل اسم خادما روحانيا يخدم من يواظب على الذكر به , و هكذا , و الذي
أعلمه في هذا , و فوق كل ذي علم عليم , أن أسماء الله تعالى ألفاظ مشرفة لها فضل
على سائر الكلام , و فيها بركة و في ذكرها ثواب عظيم , و أن الإنسان إذا واظب على
ذكر الله تعالى ظهرت نفسه , و صفت روحه , و لا سيما إذا كان ذكره بحضور قلب و فهم
للمعنى , أما ما زاد على ذلك فلم يرد في كتاب و لا سنة , و قد نهينا عن الغلو في
دين الله تعالى , و الزيادة فيه , و حسبنا الاقتصار على ما ورد .
ورد اسم الله الأعظم في أحاديث كثيرة , منها :
1 - عن بريدة رضي الله عنه قال : سَمعَ الْنَّبيُّ
صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم رجلاً يدعُو وهوَ يَقُولُ: الَّلهُمَّ إنِّي أسألُكَ
بأنَّي أشهدُ أنَّكَ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أنتَ الأحَدُ الصَّمدُ الَّذِي لمْ
يَلدْ ولمْ يُولَدْ ولمْ يكُنْ لهُ كفواً أحدٌ. قَالَ فَقَالَ : (والَّذِي نفسي بيدهِ لقَدْ سألَ اللهَ باسمهِ الأعظمِ الَّذِي
إذا دُعيَ بهِ أجابَ وإذا سُئِلَ بهِ أعطى) رواه أبو داود و الترمذي و
النسائي و ابن ماجة , و قال المنذري : قال شيخنا أبو الحسن المقدسي : هو إسناد لا
مطعن فيه , و لا أعلم أنه روي في هذا الباب حديث أجود إسنادا منه , و قال الحافظ
ابن حجر : هذا الحديث أرجح ما ورد في هذا الباب من حيث السند .
2 - عَن
أنس بن مالك رضي الله عنه قال : دَخَلَ الْنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم
المسجدَ ورجلٌ قَدْ صَلَّى وهُوَ يدعُو وهو يَقُولُ في دُعائِهِ الَّلهُمَّ لا
إلهَ إلاّ أنتَ المَنَّانُ بديعَ السَّماواتِ والأَرْضِ ذا الجلالِ والإكرامِ.
فَقَالَ الْنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّم (أتدرونَ
بما دَعَا اللهَ؟ دَعَا اللهَ باسمِهِ الأعظمِ الَّذِي إذا دُعيَ به أجابَ وإذا
سُئِلَ بِهِ أعْطَى) رواه أبو داود
و الترمذي و النسائي و ابن ماجه .
3 - عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله
عليه و سلم قال : (اسم الله العظم في هاتين الآيتين (
وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) , ( ألـم , اللهُ لا
إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) . رواه أحمد و أبو داود و الترمذي
و ابن ماجه , و قال الترمذي حديث حسن صحيح .
4 - عن سعد بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : (هل أدلكم على اسم الله
الأعظم , الذي إذا دعي به أجاب , و إذا سئل به أعطى ؟ الدعوة التي دعا بها يونس
حيث نادى في الظلمات الثلاث : (أَنْ لا إِلَهَ
إِلاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) , فقال رجل :
يا رسول الله هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة ؟ فقال رسول الله صلي الله
عليه وسلم : (ألا تسمع قول الله عز وجل : (فَاسْتَجَبْنَا
لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) .
رواه الحاكم .
فأنت ترى من هذه الأحاديث و من غيرها أنها لم تعين
اسم الله الأعظم بالذات , و أن العلماء مختلفون في تعيينه لاختلافهم في ترجيح
الأحاديث بعضها على بعض , حتى اختلفوا على نحو الربعين قولا , و الذي نأخذه من هذه
الأحاديث الشريفة , و من أقوال الثقات من رجال الملة , أن الاسم الأعظم دعاء مركب
من عدة أسماء من أسمائه تعالى إذا دعا به الإنسان , مع توفر شروط الدعاء المطلوبة
شرعا استجاب الله له , و قد صرحت به الأحاديث الشريفة في عدة مواضع .
و إذا تقرر هذا , فما يدعيه بعض الناس من أته سر من
الأسرار يمنح لبعض الأفراد , فيفتحون به المغلقات , و يخرقون به العادات , و يكون
لهم به من الخواص ما ليس لغيرهم من الناس , أمر زائد عما ورد عن الله و رسوله , و
إذا احتج هؤلاء البعض بالآية الكريمة و هي قوله تعالى : (قَالَ
الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ
إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (النمل:40) , على أن القول بأن معنى (عنده علم من
الكتاب) أنه اسم الله الأعظم , نقول لهم : قد صرح المفسرون بأن ذلك المدعو به كان
: يا حي يا قيوم , أو : الله لا إله إلا هو الحي القيوم . و ادعى بعضهم أنه سرياني
لفظه : ( آهيا شراهيا ) , و هي دعوى بغير دليل , فلم يخرج الأمر عما ورد في
الأحاديث الصحيحة .
و خلاصة البحث أن بعض الناس ولعوا بالمعميات , و
ادعاء الخصوصيات , و الزيادة في المأثورات , فقالوا ما لم يرد في كتاب و لا في سنة
, و قد نهينا عن ذلك نهيا شديدا , فلنقف مع المأثور .
1 - صفات الله تبارك و
تعالى في نظر العقل
أنت إذا نظرت إلى الكون وما فيه من بدائع الحكم ,
وغرائب المخلوق , و دقيق الصنع , و كبير الإحكام , مع العظمة و الاتساع , و
التناسق والإبداع , والتجدد و الاختراع , و رأيت هذه السماء الصافية , بكواكبها و
أفلاكها , و شموسها و أقمارها و مداراتها , و رأيت هذه الأرض بنباتها و خيراتها ,
و معادنها و كنوزها و عناصرها و موادّها , و رأيت عالم الحيوان و ما فيه من غريب
الهداية و الإلهام , بل لو رأيت تركيب الإنسان و ما احتواه من أجهزة كثيرة , كل
يقوم بعمله , و يؤدي وظيفته , و رأيت عالم البحار و ما فيه من عجائب و غرائب , و
عرفت القوى الكونية و ما فيها من حكم و أسرار , من كهرباء و أثير و مغناطيس و راديوم , ثم انتقلت
إلى ذوات العالم و أوصافها , إلى الروابط و الصلات فيما بينها , و كيف أن كلا منها
يتصل بالآخر اتصالا محكما وثيقا , بحيث يتألف من مجموعها وحدة كونية كل جزء منها
يخدم الأجزاء الأخرى , كما يخدم العضو في الجسم الواحد بقية الأعضاء , لخرجت من كل ذلك , بغير أن يأتيك دليل
أو برهان , أو وحي أو قرآن , بهذه العقيدة النظرية السهلة و هي : أن لهذا الكون
خالقا صانعا موجدا , و أن هذا الصانع لا بد أن يكون عظيما فوق ما يتصور العقل
البشري الضعيف من العظمة , و قادرا فوق ما يفهم الإنسان من معاني القدرة , و حيا
بأكمل معاني الحياة , و أنه مستغن ٍ عن كل هذه المخلوقات , لأنه كان قبل أن تكون ,
و عليما بأوسع حدود العلم , و أنه فوق نواميس هذا الكون لأنه واضعها , و أنه قبل
هذه المخلوقات لأنه خالقها , و بعدها لأنه هو الذي يحكم عليها بالعدم , و إجمالا
سترى نفسك مملوءاً بالعقيدة بان صانع هذا الكون و مدبره متصف بكل صفات الكمال فوق
ما يتصورها العقل البشري الصغير , و منزه عن صفات النقص , و سترى هذه العقيدة وحي
وجدانك لوجدانك , و شعور نفسك لنفسك : (فِطْرَتَ اللهِ
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ) (الروم:30) .
و نسوق إليك بعد هذه المقدمة بعضا من غرائب الحوادث
في هذا الكون , و سترى انها على قلتها بالنسبة لعظمة الكون و ما فيه من دقة و
إحكام ستكون كافية لأن تشعر في نفسك بما قدمت لك .
الملاحظة الأولى : هذا الهواء الذي نستنشقه مركب من
عدة عناصر , منها جزءان هامان : جزء صالح لتنفس الإنسان و يسمى باصطلاح
الكيميائيين الأكسجين , و جزء ضار به و يسمى الكربون , فمن دقائق الارتباط بين
وحدات هذا الوجود المعجز أن هذا الجزء الضار بالإنسان يتنفسه النبات و هو نافع له
, ففي الوقت الذي يكون الإنسان فيه يستنشق الأكسجين و يطرد الكربون يكون النبات
يعمل عكس هذه العملية , فيستنشق الكربون و يطرد الأكسجين , فانظر إلى الرابطة
التعاونية بين الإنسان و النبات في شيء هو أهم عناصر الحياة عندهما , و هو التنفس
, و قل لي بعد ذلك : هل يفعل هذا في الكون العظيم غير عظيم قادر واسع العلم , دقيق
الحكمة ؟
الملاحظة الثانية : أنت تأكل الطعام و هو يتركب من عدة عناصر نباتية أو حيوانية ,
يقسمها العلماء إلى مواد زلالية , أو نشوية , أو دهنية , مثلا , فترى أن الريق
يهضم بعض المواد النشوية , و يذيب المواد السكرية و نحوها مما يقبل الذوبان , و
المعدة يهضم عصيرها المواد الزلالية كاللحم و غيره , و الصفراء المنفرزة من الكبد
تهضم الدهنيات , و تجزئها إلى أجزاء دقيقة يمكن امتصاصها , ثم يأتي البنكرياس بعد
ذلك فيفرز أربع عصارات تتولى كل واحدة منها تتميم الهضم في عنصر من العناصر
الثلاثة : النشوية أو الزلالية أو الدهنية , و الرابعة تحول اللبن إلى جبن , فتأمل
هذا الارتباط العجيب بين عناصر الجسم البشري , و عناصر النبات و الحيوان و الأغذية
التي يتغذى بها الإنسان .
الملاحظة الثالثة : ترى الزهرة في النبات فترى لها
أوراقا جميلة جذابة ملونة بألوان بهيجة , فإذا سألت علماء النبات عن الحكمة في ذلك
, أجابوك بأن هذا إغواء للنحل و أشباهه من المخلوقات التي تمتص رحيق الأزهار لتسقط
على الزهرة , حتى إذا وقفت على عيدانها علقت حبوب اللقاح و انتقلت من الزهرة الذكر
إلى الزهرة الأنثى فيتم التلقيح , فانظر كيف جعلت هذه الأوراق الجميلة الزهرة حلقة
اتصال بين النبات و الحيوان حتى يستخدم النبات و الحيوان في عملية التلقيح
الضرورية للإثمار و الإنتاج !
كل ما في الكون ينبئك بوجود حكمة عالية , و إرادة
سامية , و سيطرة قوية , و نواميس في غاية الدقة و الإحكام يسير عليها هذا الوجود ,
و رب هذه الحكمة , و صاحب هذه العظمة , و واضع هذه النواميس هو : الله
و قد أفاض القرآن في ذلك , وفي لفت الإنظار إلى هذه
الحكم البارعة , و الأسرار العالية , فلا تكاد تخلو صورة من صوره من ذكر آلاء الله
و نعمه , و مظاهر قدرته و حكمته و حث الناس على تجديد النظر في ذلك , و دوام التفكر
فيه .
قال تعالى :
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ
ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ , وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم
مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم
مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ,
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ
وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ , وَمِنْ آيَاتِهِ
مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ,
وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ
السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم : 20 : 24 ) .
و قال تعالى : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ
فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ
كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِن ْخِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن
يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ , وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن
قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ , فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي
الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِير) (الروم: 48-50) .
و غير ذلك كثير في سورة الرعد , و القصص , و الأنبياء , و النمل , و
ق~ و غيرها من سور القرآن .
2 - مجمل صفات الله في
القرآن
أشارت آيات القرآن الكريم إلى بعض الصفات الواجبة لله تعالى , و التي
يقتضيها كمال الألوهية , و إليك بعض هذه الآيات :
وجود الله تعالى :
قال تعالى (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ
بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ
الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ , وَهُوَ الَّذِي مَدَّ
الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ
فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ,
وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ
وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ
وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم :2-4) .
وقال تعالى (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ
السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ , وَهُوَ
الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ , وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي
وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)
(المؤمنون: 78-80) .
فكل هذه الآيات تنبئك بوجود الله تبارك وتعالى , و نستدل عليه بما ترى من
تصرفاته في شؤون هذا الكون العجيب .
قدم الله تعالى وبقائه :
قال الله تعالى : (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ
وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد:3) .
وقال تعالى : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهاً
آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص:88) .
وقال تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ,
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ) (الرحمن:27) .
و في هذه الآيات الكريمة إشارة إلى صفتي
القدم , و البقاء لله تبارك و تعالى .
قال تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ , اللهُ
الصَّمَدُ , لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ , وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)
الإخلاص
وقال تعالى : (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً
يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
(الشورى:11) .
وفي ذلك إشارة إلى مخالفته تبارك
للحوادث من خلقه , وتنزهه عن الولد و الوالد و الشبيه و النظير .
قيام الله تعالى بنفسه :
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ
الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15) .
وقال تعالى : (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ
الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (الكهف:51) .
وفي ذلك إشارة إلى قيامه تعالى بنفسه و
استغنائه عن خلقه مع حاجتهم إليه .
وحدانية الله تعالى :
قال تعالى : (وَقَالَ اللهُ لاَ تَتَّخِذُواْ
إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ ,
وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللهِ
تَتَّقُونَ , وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ
الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُون) (النحل:51-53) .
وقال تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا
إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ
يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ , أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ) (المائدة:73-74) .
وقال تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ , لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا
اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ , لا
يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ , أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ
هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ
الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ , وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا
نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ)
(الانبياء:21-25) .
وقال تعالى : (قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا
إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ , سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ , قُلْ مَن
رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ , سَيَقُولُونَ للهِ
قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ , قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ
يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ , سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ
فَأَنَّى تُسْحَرُون , بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ,
مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ
كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ
عَمَّا يَصِفُونَ , عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ) (المؤمنون:83-92) .
وقال تعالى : (قُلِ الْحَمْدُ للهِ وَسَلامٌ عَلَى
عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ , أَمَّنْ خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ
حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ءَإِلَهٌ
مَّعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ , أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا
وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ
الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ءإِلَهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ,
أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ
خُلَفَاء الأَرْضِ ءإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ , أَمَّن
يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ
بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ءإِلَهٌ مَّعَ اللهِ تَعَالَى اللهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ , أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ
مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ءإِلَهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (النمل:59-64) .
إلى غير ذلك من الآيات التي تثبت أن الله تعالى واحد في ذاته , واحد في
صفاته , واحد في أفعاله و تصرفاته , لا رب غيره , و لا إله سواه .
قدرة الله تعالى :
قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ
كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ
مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ
مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى
أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ
وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ
لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا
أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ
زَوْجٍ بَهِيجٍ , ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي
الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا
رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (الحج:5-7) .
وقال تعالى : (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا
خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)
(الكهف:51) .
وقال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ)
(قّ:38) .
وقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي
سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ
يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ
بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا
بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ , يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الْأَبْصَارِ , وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ
مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى
رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ
إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (النور:43-45) .
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عظيم
قدرته تبارك و تعالى و باهر عظمته .
إرادة الله تبارك وتعالى :
قال الله تعالى (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ
شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّـس:82) .
وقال تعالى : (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ
قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا
تَدْمِيراً) (الاسراء:16) .
وقال تعالى حكاية عن الخضر في قصته مع موسى عليهما السلام : (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا
كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ
مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (الكهف:82) .
وقال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ
وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ , وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً , يُرِيدُ اللهُ أَنْ
يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً) (النساء:26-28) .
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة التي تشير إلى إثبات إرادة الله تعالى و
أنها فوق كل إرادة و مشيئة : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ
يَشَاءَ اللهُ) (الانسان:30) .
علم الله تعالى :
قال الله تعالى : (الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ
الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ , يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا
وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ
الْغَفُورُ) (سـبأ:1-2) .
وقال تعالى : (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ) (التغابن:4) .
وقال تعالى حكاية عن لقمان في وصيته لابنه : (يَا
بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي
صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ
اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (لقمان:16) .
وقال تعالى في حكاية ما وقع بين شعيب وقومه : (قَالَ
الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا
قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ , قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ
عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا
أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ
شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (لأعراف:88-89) .
وقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ
إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ
ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ
بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
(المجادلة:7) .
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة
على سعة علمه تبارك وتعالى , و إحاطته بكل شيء , قل أو كثر , دق أو عظم .
حياة الله تعالى :
قال الله تعالى : (اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) (البقرة:255) .
قال تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ
قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ
مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ , هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64-65) .
إلى غير ذلك من آيات كثيرة تدل على أن الله تبارك و تعالى متصف بالحياة
الكاملة التي ليس ثَم أكمل منها .
سمع الله تعالى و بصره :
قال الله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ
الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ
تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة:1) .
وقال تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ,
عَبْدًا إِذَا صَلَّى , أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى , أَوْ أَمَرَ
بِالتَّقْوَى , أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى , أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ
اللهَ يَرَى) (العلق:9-14) .
وقال تعالى لموسى و هارون حين أرسلهما إلى فرعون : (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى , فَقُولا لَهُ قَوْلا
لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى , قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ
أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى , قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا
أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه:43-46) .
وقال تعالى : (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ
وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ , وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ
مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
(غافر:19-20) .
إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على اتصافه تبارك وتعالى بالسمع و البصر .
كلام الله تعـالى :
قال الله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى
تَكْلِيماً) (النساء:164) .
وقال تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ
وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ
مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة:75) .
إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على
اتصافه تبارك وتعالى بصفة الكلام .
صفات الله لا تتناهى
و صفات الله تبارك و تعالى في القرآن الكريم , و كمالاته تبارك و تعالى لا
تتناهى , و لا تدرك كنهها عقول البشر , سبحانه لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على
نفسه .
و الذي يجب أن يتفطن إليه المؤمن أن المعنى الذي يقصد باللفظ في صفات الله تبارك و تعالى يختلف اختلافا
كليا عن المعنى يقصد بهذا اللفظ عينه في صفات المخلوقين , فأنت تقول : الله والعلم
صفة لله تعالى , وتقول فلان عالم و العلم صفة لفلان من الناس , فهل ما يقصد بلفظة
العلم في التركيبين واحد ؟ حاشا أن يكون كذلك , و إنما علم الله تبارك و تعالى علم
لا يتناهى كماله و لا يعد علم المخلوقين شيئا إلى جانبه , وكذلك الحياة , وكذلك
السمع , وكذلك البصر , وكذلك الكلام , وكذلك القدرة و الإرادة , فهذه كلها مدلولات
الألفاظ فيها تختلف عن مدلولاتها في حق الخلق من حيث الكمال و الكيفية اختلافا
كليا , لأنه تبارك وتعالى لايشبه أحدا من خلقه , فتفطن لهذا المعنى فإنه دقيق , وإنما حسبك أن تعلم آثارها في الكون
،ولوازمها في حقك , والله نسأل العصمة من الزلل وحسن التوفيق .
الأدلة العقلية و المنطقية على إثبات صفات الله تعالى :
يعمد علماء العقائد إلى إثبات صفات الله تبارك وتعالى بأدلة عقلية , و
أقيسة منطقية , ونحن نقول : إن ذلك حسن , لأن العقل أساس المعرفة , و مناط التكليف
, و حتى لا يكون في نفس أحد أثر من آثار الشبهات و الأباطيل , و لكن الأمر أوضح من
ذلك , و وجود الخالق تبارك و تعالى و إثبات صفات الكمال المطلق له صار في حكم
البديهيات التي لا يحتاج إلى إثباتها دليل أو برهان , و لا يطالب بالدليل عليها
إلا كل مكابر مريض القلب لا يجديه دليل , ولا تنفع معه حجة , و مع هذا فتتميما
للفائدة نذكر بعض الأدلة العقلية الإجمالية و التفصيلية , فنقول :
الدليل الأول : هذا الوجود الذي يدل بعظمته و إحكامه على وجود خالقه و
عظمته و كماله
الدليل الثاني : إن فاقد الشيء لا يعطيه , فإذا لم يكن موجد الكون متصفا
بصفات الكمال فكيف تكون آثار هذه الصفات في مخلوقاته .
الدليل الثالث : و هو خاص بان هذا الخالق واحد لا يتعدد , إن التعدد مدعاة
للفساد و الخلاف و العلو ولا سيما و شان الألوهية الكبرياء و العظمة , و أيضا فلو
استقل أحد المتعددين بالتصرف تعطلت
صفات الآخرين , و لو اشتركوا تعطلت بعض صفات كل منهم , و تعطيل صفات الألوهية
يتنافى مع جلالها و عظمتها , فلابد أن يكون الإله واحدا لا رب غيره .
هذه نماذج من الأدلة المنطقية على وجود الخالق , و إثبات صفاته , و من أراد
الاستيعاب فعليه بالمطولات , على أن الأمر كله مركوز في فطر النفوس الصافية مستقر
في أعماق القلوب السليمة , (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ
لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (النور:40) .
سؤال يقف أمامه
كثير من الناس
ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : (لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال خلق الله الخلق
, فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليق آمنت بالله) رواه مسلم .
و هذا السؤال و عن كان خطأ من أساسه , لأننا أمرنا ألا نبحث في ذات الله
تبارك وتعالى , لأن عقولنا القاصرة التي تعجز عن إدراك حقيقة نفسها تعجز من باب
الأولى عن إدراك حقيقة ذات الله تبارك وتعالى , إلا انه يختلج في نفوس بعض الناس ,
و نريد أن نوضح لهم الجواب عليه بمثال يريح ضمائرهم , إن شاء الله تعالى , فنقول :
إذا وضعت كتاب على مكتبتك ثم خرجت من الحجرة و عدت إليها بعد قليل فرأيت
الكتاب الذي تركته على المكتب موضوعا في الدرج , فإنك تعتقد تماما أن أحدا لا بد
أنيكون وضعه في الدرج , لأنك تعلم من صفات هذا الكتاب أنه لا ينتقل بنفسه .
احفظ هذه النقطة و انتقل معي إلى نقطة أخرى : لو كان معك في حجرة مكتبك شخص
جالس على الكرسي ثم خرجت و عدت إلى الحجرة فرأيته جالسا على البساط مثلا فإنك لا
تسأل عن سبب انتقاله , و لا تعتقد أن أحدا نقله من موضعه , لأنك تعلم من صفات هذا
الشخص انه ينتقل بنفسه ولا يحتاج على من ينقله .
احفظ هذه النقطة الثانية ثم اسمع ما أقوله لك : لما كانت هذه المخلوقات
محدثة و نحن نعلم من طبائعها أنها لا توجد بذاتها بل لا بد لها من موجد , عرفنا أن
موجدها هو الله تبارك وتعالى , و لما كان كمال الألوهية يقتضي عدم احتياج اله إلى
غيره , بل إن من صفاته قيامه بنفسه , عرفنا أن الله تبارك و تعالى موجود بذاته و
غير محتاج إلى من يوجده , و إذا وضعت النقطتين السابقتين إلى جانب هذا الكلام ,
اتضح لك هذا المقام , و العقل البشري أقصر من أن يتورط في أكثر من ذلك , و الله
نسأل العصمة و الزلل , إنه رؤوف رحيم .
و إليك أقوال العلماء الأوربيين في إثبات وجود الله تعالى و الإقرار بكمال
صفاته , و الله ولي توفيقنا و توفيقك :
كلام العلماء
الطبيعين في إثبات وجود الله و صفاته
فهو يثبت في كلامه هذا ضعف نفسه و نقصها , و وجود الله و كماله , و يعترف
بأن شعوره و إحساسه هبه من الله له و فطرة فيه , (فِطْرَتَ
اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) (الروم:30) .
2 - وقال إسحاق نيوتن العالم الإنجليزي الشهير , و
مكتشف قانون الجاذبية :
(لا تشكّوا في الخالق فإنه مما لا يعقل أن
تكون المصادفات وحدها هي قائدة هذا الوجود) .
3 - وقال هرشل الفلكي الإنجليزي :
(كلما اتسع نطاق العلم
ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته و لا نهاية , فالجيولوجيون
و الرياضيون و الفلكيون و الطبيعيون قد تعاونوا على تشييد صرح العلم , و هو صرح عظمة الله وحده) .
4 - وقال لينيه , كما نقله عنه كاميل
فلامريون الفرنسي في كتابه المسمى (الله في الطبيعة) :
(إن الله الأزلي الأبدي
العالم بكل شيء و المقتدر على كل شيء , قد تجلى لي ببدائع صنعه حتى صرت مندهشا
مبهوتا , فأي قدرة و أي حكمة و أي , و أي إبداع أبدعه في مصنوعاته ! سواء في أصغر
الأشياء أو أكبرها ! إن المنافع التي نستمدها من هذه الكائنات تشهد بعظمة رحمة
الله الذي سخرها لنا , كما أن كمالها و تناسقها ينبئ بواسع حكمته , وكذلك حفظها عن
التلاشي و تجددها يقر بجماله و عظمته ) .
5 - و يقول هوبرت سبنسر الإنجليزي في هذا
المعنى في رسالته في التربية :
(العلم يناقض الخرافات ,
و لكنه لا يناقض الدين , يوجد في شيء كثير من العلم الطبيعي الشائع روح الزندقة ,
ولكن العلم الذي تجاوز المعلومات السطحية , و رسب في اعماق الحقائق , براء من هذه
الروح , العلم الطبيعي لا ينافي الدين , و التوجه للعلم الطبيعي عبادة صامتة و
اعتراف صامت بنفاسة الأشياء التي تعاين و تدرس , ثم بقدرة خالقها , فليس ذلك
التوجه تسبيحا شفهيا , بل هو تسبيح عملي , و ليس باحترام مُدّعى , إنما هو احترام
أثمرته تضحية الوقت و التفكير و العمل , و هذا العلم لا يسلك طريق الاستبداد في
تفهيم الناس استحالة إدراك السبب الأول و هو الله , و لكنه ينهج بنا النهج الأوضح
في تفهيمنا الاستحالة , بإبلاغنا جميع أنواع الحدود التي لا يستطاع اجتيازها , ثم
يق بنا في رفق و هوادة عند هذه النهاية , و هو بعد ذلك يرينا بكيفيةٍ لا تعادل صغر
العقل الإنساني إزاء ذلك الذي يفوت العقل ...) , ثم أخذ يضرب الأمثلة على
ما يقول فقال : (إن العالم الذي يرى قطرة الماء فيعلم
أنها تتركب من الأكسجين و الإيدروجين بنسبة خاصة , بحيث لو اختلفت هذه النسبة
لكانت شيئا آخر غير الماء , يعتقد عظمة الخالق و قدرته و حكمته و علمه الواسع بأشد
و أعظم و أقوى من غير العالم الطبيعي الذي لا يرى فيها إلا أنها قطرة ماء فحسب ,
وكذلك العالم الذي يرى قطعة البرَد فيرى تحت مجهره ما فيها من جمال الهندسة و دقة
التقسيم , لا شك انه يشعر بجمال الخالق و دقيق حكمه أكبر من ذلك الذي لا يعلم عنها
إلا أنها مطر تجمد من شدة البرد) .
و أقوال علماء الكون في ذلك لا تقع تحت حصر , و فيما
ذكرناه الكفاية , وإنما استشهدنا بذلك حتى يعلم شبابنا أن دينهم مؤيد من عند الله
تبارك و تعالى , لا يزيده العلم إلا قوة و ثباتا و تأييدا , مصداقا لقول الله
تعالى : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي
أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ
بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53) .
آيات الصفات و أحاديثها
وردت
في القرآن الكريم آيات و في السنة المطهرة أحاديث , توهم بظاهرها مشابهة الحق
تبارك و تعالى لخلقه في بعض صفاتهم , نورد بعضها على سبيل المثال , ثم نقفّي بذكر
ما ورد فيها من الأقوال , و الله نسأل أن يوفقنا إلى بيان وجه الحق في هذه المسألة
, التي طال فيها جدل الناس و نقاشهم في هذا العصر , و أن يجنبنا الزلل , و يلهمنا
الصواب , و هو حسبنا و نعم الوكيل .
نماذج من آيات الصفات :
1- قال
الله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ , وَيَبْقَى
وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ) (الرحمن:26-27) .
و مثلها كل آية ورد فيها لفظ الوجه مضافا إلى الحق
تبارك وتعالى .
2- قال الله تعالى : (وَلَقَدْ
مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى , إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ,
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ
بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ
مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) (طـه:37-39)
وقال تعالى : (وَأُوحِيَ
إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ
بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ , وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا
تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) (هود:36-37).
و مثلها كل آية ورد فيها لفظ العين مضافا إلى الله
تبارك وتعالى .
3- قال الله تعالى : (إِنَّ
الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ
أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى
بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (الفتح:10)
.
وقال
تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ
غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ
يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة:64) .
و قال تعالى : (أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ
لَهَا مَالِكُونَ) (يّـس:71) .
4- قال الله تعالى : (لا
يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا
مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ)
(آل عمران:28) .
وقال
تعالى : (وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ
قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ
كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا
فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ) (المائدة:116) .
5- قال الله تعالى : (الرَّحْمَنُ
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5)
و مثلها كل آية تنسب الاستواء على العرش إلى الله
تبارك وتعالى .
6- قال الله تعالى : (وَهُوَ
الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ)
(الأنعام:61) .
و قال تعالى : (ءَأَمِنْتُمْ
مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ)
(الملك:16) .
و قال تعالى : (مَنْ كَانَ
يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ
الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ
السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ)
(فاطر:10) .
مما يؤخذ منه نسبة الجهة لله تبارك و تعالى .
7- قال الله تعالى : (إِنَّ
الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) (الأحزاب:57) .
وقال تعالى : (وَمَرْيَمَ
ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا
وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)
(التحريم:12) .
وقال تعالى : (كَلا إِذَا
دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً , وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً)
(الفجر:21-22).
نماذج من أحاديث الصفات
وردت في الأحاديث الشريفة ألفاظ كالتي في الآيات
السابقة , منسوبة إلى الله تبارك وتعالى : كالوجه و اليد و نحوهما , فنكتفي
بالآيات عن ذكرها , و ورد في أحاديث كثيرة ألفاظ أخرى من هذا القبيل منسوبة إلى
ذات الله تبارك تعالى نورد بعضها , فمن ذلك
:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله آدم على صورته ، طوله ستون ذراعا ً، فلما خلقه قال:
اذهب فسلم على أولئك - نفر من الملائكة
جلوس- فاستمع ما يحيونك ، فإنها تحيتك وتحية ذريتك ، فقال: السلام عليكم ،
فقالوا: السلام عليك ورحمة الله ، فزادوه: ورحمة الله ، فكل من يدخل الجنة على
صورة آدم ، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن) رواه البخاري و مسلم .
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول : هل من مزيد حتى يضع رب العزة
فيها قدمه , فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط , بعزتك وكرمك , ولا يزال في الجنة
فضل حتى ينشئ الله لها خلقا، فيسكنهم فضل الجنة) رواه البخاري و مسلم .
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لله أشد فرحا بتوبة أحدكم ، من أحدكم بضالته ، إذا وجدها)
رواه البخاري و مسلم .
انقسم الناس في هذه المسالة على أربع فرق
:
1 - فرقة أخذت بظواهرها كما هي , فنسبت لله وجوها
كوجوه الخلق , و يدا أو أيديا كأيديهم , و ضحكا كضحكهم , وهكذا حتى فرضا الإله
شيخا , و بعضهم فرضه شابا , وهؤلاء هم المجسمة و المشبهة , و ليسوا من الإسلام في
شيء , و ليس لقولهم نصيب من الصحة , و يكفي في الرد عليهم , قول الله تبارك وتعالى : (لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11) . وقوله
تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ , اللهُ الصَّمَدُ ,
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ , وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) الإخلاص
.
2- فرقة عطلت معاني هذه الألفاظ على أي وجه , يقصدون
بذلك نفي مدلولاتها مطلقا عن الله تبارك و تعالى , فالله تبارك و تعالى عندهم لا
يتكلم و لا يسمع و لا يبصر , لأن ذلك لا يكن إلا بجارحة , و الجوارح يجب أن تنفى
عنه سبحانه , فبذلك يعطلون صفات الله تبارك وتعالى و يتظاهرون بتقديسه ,وهؤلاء هم
المعطلة , و يطلق عليهم بعض علماء تاريخ العقائد الإسلامية : (الجهمية) , ولا أظن
أن أحدا عنده مسكة من عقل يستسيغ هذا القول المتهافت ! و ها قد ثبت الكلام و السمع
و البصر لبعض الخلائق بغير جارحة , فكيف يتوقف كلام الحق تبارك وتعالى على الجوارح
؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
هذان رأيان باطلان لا حظّ لهما من النظر , و بقي
أمامنا رأيان هما محل أنظار العلماء في العقائد , وهما رأي السلف و رأي الخلف .
مذهب السلف في آيات الصفات و أحاديثها :
3 - أما السلف رضوان الله عليهم فقالوا: نؤمن بهذه
الآيات والأحاديث كما وردت ، ونترك بيان المقصود منها لله تبارك وتعالى , فهم
يثبتون اليد والعين والأعين والاستواء والضحك والتعجب... الخ , وكل ذلك بمعانٍ لا
ندركها , ونترك لله تبارك وتعالى الإحاطة بعلمها , ولاسيما و قد نهينا عن ذلك في
قول النبي صلى الله عليه وسلم : (تفكروا في خلق الله ,
و لا تتفكروا في الله , فإنكم لن تقدروا قدره ) .
قال العراقي
: رواه أبو نعيم في الحلية بإسناد ضعيف , و رواه الأصبهاني في الترغيب و الترهيب بإسناد أصح منه , و
رواه أبو الشيخ كذلك .
مع قطعهم
رضوان الله عليهم بعدم مشابهة بانتفاء المشابهة بين الله وبين الخلق , و إليك
أقوالهم في ذلك :
( أ ) روى
اللالكائي في (أصول السنة) عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما قال :
(اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن وبالأحاديث
التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من
غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه ، فمن
فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفارق
الجماعة , فإنهم لم يصفوا و لم يفسروا , ولكن أفتوا بما في الكتاب و السنة ثم
سكتوا) .
( ب ) ذكر الخلال في كتاب (السنة) و ذكره حنبل
في كتبه مثل كتاب (السنة و المحنة) :
قال
حنبل : سألت أبا عبد الله : عن الأحاديث التي تروى (إن
الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا) و (إن
الله تعالى يرى) و (إن الله يضع قدمه) و
ما أشبه هذه الأحاديث
فقال أبو عبد الله : (نؤمن بها و نصدق بها و لا كيف و
لا معنى , ولا نرد منها شيئا , ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا كان بأسانيد صحاح
, و لا نرد على الله قوله , و لا يوصف الله تبارك وتعالى بأكثر مما وصف به
نفسه بلا حد ولا غاية , ليس كمثله شيء) .
( ج ) و روى
حرملة بن يحيى قال : سمعت مالك بن أنس يقول : (من
وصف شيئا من ذات الله عز وجل مثل قوله: (وَقَالَتِ
الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) (المائدة:64) فأشار
بيده إلى عنقه , ومثله قوله (وهو السميع البصير) فأشار إلى عينيه أو أذنه أو شيء من يديه , قطع ذلك منه ،
؛ لأنه شبه الله تعالى بنفسه) , ثم قال مالك : (أما
سمعت قول البراء حين حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يضحي بأربع من الضحايا و
أشار البراء بيده كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم , قال البراء : و يدي أقصر من
يد رسول الله , فكره البراء أن يصف يد رسول الله إجلالا له و هو مخلوق , فكيف
الخالق الذي ليس كمثله شيء ؟!)
( د ) و روى
أبو بكر بن الأثرم , و أبو عمرو الطلمنكي و أبو عبد الله بن أبي سلمة الماجشون
كلاما طويلا في هذا المعنى ختمه بقوله : (فما وصف
الله من نفسه فسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه , و لم نتكلف منه صفة ما سواه
, لا هذا , و لا هذا , لا نجحد ما وصف و لا نتكلف معرفة ما يصف) .
اعلم رحمك الله أن العصمة في الدين تنتهي حيث انتهى
بك , ولا تجاوز ما قد حدد لك , فإن من قوام الدين معرفة المعروف و إنكار المنكر ,
فما بسطت عليه المعرفة , و سكنت إليه الأفئدة , و ذُكر أصله في الكتاب و السنة , و
توارث علمه الأمة فلا تخافنّ في ذكره و صفته من ربك ما وصف من نفسه عيناً , و لا
تكلفن بما وصف من ذلك قدرا , وما أنكرته نفسك , و لم تجد ذكره في كتاب ربك , و لا
في الحديث عن نبيك من ذكر صفة ربك فلا تتكلفن علمه بعقلك , ولا تصفه بلسانك , و
اصمت كما صمت الرب عنه من نفسه , فإن تكلفك معرفة ما لم يصف به نفسه مثل إنكارك ما
وصف منها , فكما أعظمت ما جحد الجاحدون مما وصف من نفسه , فكذلك أعظِم تكلف ما وصف
الواصفون مما لم يصف نفسه , فقد والله عز على المسلمون الذين يعرفون المعروف و
بمعرفتهم يعرف , و ينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر , يسمعون ما وصف الله به نفسه من
هذا في كتابه , وما يبلغهم مثله عن نبيه , فما مرض ذكر هذا و تسميته من الرب قلب
مسلم , ولا تكلف صفة قدره , ولا تسمية غيره من الرب مؤمن , و ما عن رسول الله أنه
سماه من صفة ربه فهو بمنزلة ما سمّى و وصف الرب تعالى من نفسه , و الراسخون في
العلم , و الواقفون حيث انتهى بهم علمهم , و الواصفون لربهم بما وصف به نفسه ,
التاركون لما ترك من ذكرها لا ينكرون صفة ما سمى منها جحدا , ولا يتكلفون وصفه بما
لم يسم تعمقا , لأن الحق ترك ما ترك و سمّى ما سمّى , و من (يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا
تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:115)
, وهب الله لنا حكما و ألحقنا بالصالحين .
مذهب الخلف في آيات الصفات و أحاديثها :
4-
قدمت لك أن السلف رضوان الله عليهم يؤمنون بآيات الصفات وأحاديثها كما وردت , و يتركون بيان المقصود منها لله تبارك وتعالى مع
اعتقادهم بتنزيه الله تبارك وتعالى عن المشابهة لخلقه .
فأما الخلف فقد قالوا : إننا نقطع بأن معاني ألفاظ
هذه الآيات و الأحاديث لا يراد بها ظواهرها , وعلى ذلك فهي مجازات لا مانع من
تأويلها , فاخذوا يؤولون (الوجه) بالذات و (اليد) بالقدرة .. وما إلى ذلك هربا من
شبهة التشبيه , و إليك نماذج من أقوالهم في ذلك :
( أ ) قال أبو الفرج بن الجوزي الحنبلي في كتابه (دفع
شبهة التشبيه) :
(قال الله تعالى :
(ويبقى وجه ربك) قال
المفسرون : ويبقى ربك , وكذلك قالوا في قوله تعالى : (يريدونه وجهه) أي يريدونه ,
وقال الضحاك و أبو عبيدة : (كل شيء هالك إلا وجهه)
أي إلا هو) .
وعقد في أول الكتاب فصلا إضافيا في الرد على من قالوا
أن الأخذ بظاهر هذه الايات و الأحاديث هو مذهب السلف , وخلاصة ما قاله هو أن الأخذ
بالظاهر هو تجسيم و تشبيه , لأن ظاهر اللفظ هو ما وضع له , فلا معنى لليد حقيقة
إلا الجارحة , وهكذا .
و أما مذهب السلف فليس أخذها على ظاهرها , ولكن
السكوت جملة عن البحث فيها , و أيضا فقد ذهب إلى أن تسميتها آيات صفات و أحاديث
صفات تسمية مبتدعة لم ترد في كتاب و لا في سنة , وليست حقيقية فإنها إضافات ليس
غير , و استدل على كلامه في ذلك بادلة كثيرة لا مجال لذكرها هو .
( ب ) وقال فخر الدين الرازي في كتابه أساس التقديس :
(واعلم أن نصوص القرآن لا يمكن إجراؤها على ظاهرها
لوجوه : الأول أن ظاهر قوله تعالى (ولتصنع على
عيني) يقتضي أن يكون موسى موسى مستقرا على تلك
العين ملتصقا بها مستعليا عليها وذلك لا يقوله عاقل , و الثاني أن قوله تعالى
(واصنع الفلك بأعيننا) يقتضي
أن تكون آلة تلك الصنعة هي تلك العين , والثالث أن إثبات الأعين في الوجه الواحد
قبيح فثبت أنه لابد من المصير إلى التأويل و وذلك أن تحمل هذه الألفاظ على شدة
العناية والحراسة) .
( ج ) قال الإمام الغزالي في الجزء الأول من كتابه
إحياء علوم الدين عند كلامه على نسبة العلم الظاهر إلى الباطن و أقسام ما يتأتّى
فيه الظهور و البطون , و التأويل و غير التأويل :
(القسم الثالث أن يكون
الشيء بحيث لو ذكر صريحا لفخم و لم فيه ضرر , و لكن يكنى عنه على سبيل الاستعارة و
الرمز , ليكون وقعه في قلب المستمع أغلب .........و منه قوله صلى الله عليه وسلم :
(إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي
الجلدة على النار) وعناه أن روح المسجد و كونه معظما
, ورمي النخامة تحقير له فيضاد معنى المسجدية معنى النار لاتصال أجزاء الجلدة ,
وأنت ترى أن ساحة المسجد لا تنقبض من نخامة , وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم
(أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه
رأس حمار) وذلك من حيث الصورة لم يكن قط و لا
يكون , ولكن من حيث المعنى هو كائن , إذ رأس الحمار لم يكن بحقيقته و كونه و شكله
بل بخاصيته , وهي البلادة و الحمق , و من رفع راسه قبل الإمام , ومن رفع رأسه قبل
الإمام فقد صار رأسه رأس الحمار في معنى البلادة و الحمق , و هو المقصود دون الشكل
, و إنما يعرف هذا السر على خلاف الظاهر إما بدليل عقلي أو شرعي , أما العقلي فان
يكون حمله على الظاهر غير ممكن كقوله : (قلب
المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن) إذ لو
فتشنا عن قلوب المؤمنين لم نجد فيها أصابع , فعلم انها كناية عن القدرة التي هي سر
الأصابع و روحها الخفي , وكني بالأصابع عن القدرة لأن ذلك أعظم وقعا في تفهم تمام
الاقتدار) .
و قد نعرض لمثل هذا الكلام في موضع من هذا البحث , و
فيما ذكرناه كفاية .
إلى هنا وضح أمامك طريقا السلف و الخلف , وقد كان
هذان الطريقان مثار خلاف شديد بين علماء الكلام من أئمة المسلمين , و أخذ كل يدعم
مذهبه بالحجج و الأدلة , ولو بحثتَ الأمرَ لعلِمتَ أنَّ مسافةَ الخُلْف بين
الطريقتين لا تحتمل شيئاً من هذا لو ترك أهلُ كلٍّ منهما التطرفَ والغلوَّ , وأنَّ
البحثَ في مثل هذا الشأن مهما طال فيه القول لا يؤدي في النهاية إلا إلى نتيجةٍ
واحدةٍ ، هي التفويض لله تبارك وتعالى , وهذا ما سنفصله لك إن شاء الله .
بين السلف و الخلف :
قد علمت
أن مذهب السلف في الآيات المتشابهات والأحاديث التي تتعلق بصفات الله تبارك وتعالى
أن يمروها على ما جاءت عليه ، ويسكتوا عن تفسيرها أو تأويلها ، وأن مذهب الخلف أن
يؤولوها بما يتفق مع تنزيه الله تبارك وتعالى عن مشابهة خلقه ، وعلمت أن الخلاف
شديد بين أهل الرأيين حتى أدى بينهما إلى التنابز بالألقاب العصبية ، وبيان ذلك من
عدة أوجه :
أولا : اتفق الفريقان على تنزيه الله تبارك وتعالى عن المشابهة لخلقه .
ثانيا
: كل منهما يقطع بأن المراد بألفاظ هذه النصوص في حق الله تبارك وتعالى غير
ظواهرها التي وضعت لها هذه الألفاظ في حق المخلوقات ، وذلك مترتب على اتفاقهما على
نفي التشبيه .
ثالثا : كل من الفريقين يعلم أن الألفاظ توضع للتعبير عما يجول في النفوس ، أو يقع
تحت الحواس مما يتعلق بأصحاب اللغة وواضعيها ، وأن اللغات مهما اتسعت لا تحيط بما
ليس لأهلها بحقائقه علم ، وحقائق ما يتعلق بذات الله تبارك وتعالى من هذا القبيل ،
فاللغة أقصر من أن تواتينا بالألفاظ التي تدل على هذه الحقائق ، فالتحكم في تحديد
المعاني بهذه الألفاظ تغرير .
وإذا تقرر هذا فقد اتفق السلف والخلف على أصل التأويل ، وانحصر الخلاف بينهما في
أن الخلف زادوا تحديد المعنى المراد حيثما ألجأتهم ضرورة التنزيه إلى ذلك حفظا
لعقائد العوام من شبهة التشبيه ، وهو خلاف لا يستحق ضجة ولا إعناتا .
ترجيح مذهب السلف :
ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه
المعاني إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالاتباع ، حسما لمادة التأويل والتعطيل
، فإن كنت ممن أسعده الله بطمأنينة الإيمان ، وأثلج صدره ببرد اليقين ، فلا تعدل
به بديلا ، ونعتقد إلى جانب هذا أن تأويلات الخلف لا توجب الحكم عليهم بكفر ولا
فسوق ، ولا تستدعي هذا النزاع الطويل بينهم وبين غيرهم قديما وحديثا ، وصدر
الإسلام أوسع من هذا كله .
وقد لجأ أشد الناس تمسكا برأي السلف ، رضوان الله
عليهم ، إلى التأويل في عدة مواطن ، وهو الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، من
ذلك تأويله لحديث : (الحجر الأسود يمين الله في أرضه)
وقوله صلى الله عليه وسلم :(قلب المؤمن بين إصبعين من
أصابع الرحمن) وقوله صلى الله عليه وسلم : (إني
لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن) .
وقد رأيت للإمام النووي رضي الله عنه ما يفيد قرب مسافة الخلاف بين الرأيين مما لا
يدع مجالا للنزاع والجدال ، ولا سيما وقد قيد الخلف أنفسهم في التأويل بجوازه عقلا
وشرعا ، بحيث لا يصطدم بأصل من أصول الدين .
قال الرازي في كتابه ( أساس التقديس ) : ( ثم إن جوزنا التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك
التأويلات على التفصيل ، وإن لم نجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى ،
فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات ، وبالله التوفيق )
.
وخلاصة هذا البحث أن السلف والخلف قد اتفقا على أن المراد غير الظاهر المتعارف بين
الخلق ، وهو تأويل في الجملة ، واتفقا كذلك على أن كل تأويل يصطدم بالأصول الشرعية
غير جائز ، فانحصر الخلاف في تأويل الألفاظ بما يجوز في الشرع ، وهو هين كما ترى ،
وأمر لجأ إليه بعض السلف أنفسهم ، وأهم ما يجب أن تتوجه إليه همم المسلمين الآن
توحيد الصفوف ، وجمع الكلمة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ، والله حسبنا ونعم الوكيل
حسـن البنــا